تحقيقات وتقارير

الاغتصاب في دارفور :هل من جـديد..??

تصريحات حملتها صحف الاحد الماضي للامين العام للامم المتحدة بان كي مون يحذر فيها الحكومة السودانية من استخدام الاغتصاب باعتباره وسيلة في الحرب في دارفور، كما يدعو مجلس الامن لتشكيل لجنة للتحقيق في الامر.. وهي تصريحات اعادت للاذهان الصورة القديمة لازمة دارفور وشيوع مصلحات معينة استخدمها المجتمع الدولي في وقت سابق «بكثرة» في تعامله مع قضية دارفور وروج لها عبر العديد من وسائل الاعلام مثل الابادة الجماعية والاغتصاب.. كما فتحت التصريحات باب التساؤلات واسعا حول لماذا عادت الامم المتحدة لتحذير الحكومة السودانية من استخدام الاغتصاب كسلاح بدارفور.. هل هناك أدلة جديدة تدين الحكومة .. أم ماذا يحدث .. وما موقف الحكومة السودانية من هذه التحذيرات؟
تصريحات الامين العام للامم المتحدة السابقة قابلتها الحكومة السودانية بدهشة حسب خبر صحيفة «الصحافة» الاحد الماضي، ورأت أن تصريحاته في غير مكانها، ودعته لتعضيد الجهود الجارية لحل الازمة في الاقليم. وشددت على عدم افلات اي شخص من العقاب، وأكد مصدر حكومي مسؤول لـ «الصحافة» انه لا وجود لعمليات اغتصاب بدارفور ولا انتهاكات من اي نوع، وابدى استغرابه لتصريحات الامين العام، مشيرا الى ان كافة التقارير التي اودعت لمجلس الامن من جانب بعثات الامم المتحدة نفسها، اكدت هدوء الاوضاع بالاقليم وخلوه من أية انتهاكات الا بشكل فردي لا يتعدى الى مرحلة الانتشار، ونوه الى شراكة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة والحكومة التي بدأت جهودا حثيثة لاعادة الاوضاع الى طبيعتها. ولفت الى ان كي مون يعلم بها جميعا مما يدعو للدهشة والاستغراب. ودعاه الى تعضيد تلك الجهود للخروج بالاقليم من الازمة. وفي رده حول حديث الامين العام عن افلات المسؤولين من التهم، شدد ذات المصدر على ان المدعي العام ظل يمارس عمله بصورة مرضية تستوجب الثناء، وجدد حرص الحكومة على محاكمة كل من تثبت ادانته بتهم في الاقليم. وكان كي مون قد حذر من ان الاغتصاب يستخدم سلاحا في الحروب وبصورة وحشية مثله مثل السلاح التقليدي. ودعا مجلس الامن الى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في مثل هذه الحوادث في نزاعات في دول مثل جمهورية الكنغو الديمقراطية وتشاد والسودان.
? والحكومة السودانية كانت قد نفت بشدة في اوقات سابقة وجود حالات اغتصاب جماعية، واكدت ان الحالات التي حدثت وتحدث فردية، كما اتهمت في وقت سابق بعض المنظمات العاملة في دارفور بالترويج لما يسمى بالاغتصاب الجماعي، وكان مستشار رئيس الجمهورية الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل قد كتب في عام 2007م سلسلة حلقات لجريدة «الشرق الاوسط» اجاب فيها عن السؤال «كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟» وركز في الحلقة العاشرة التي نشرت بتاريخ 6 اغسطس العدد «10478»، ركز على المنظمات الاجنبية في دارفور .. حيث قال في احدى فقرات المقال الذي يتحدث فيه عن تجاوزات المنظمات العاملة بدارفور «منظمة NRC النرويجية قامت بعقد لقاءات سرية من دون علم وموافقة السلطات، بغرض شن حملة دعائية بمعسكرات النازحين لتلقينهم ما يقولونه للزوار والصحافيين الغربيين، واعدت تقارير كاذبة باسماء وبيانات النساء المغتصبات بولاية جنوب دارفور».
? ولكن لماذا عادت الآن الامم المتحدة للحديث عن الاغتصاب في دارفور .. وما رأي الجهات المسؤولة في ما قاله كي مون .. وجهت السؤال لـ عبد الباقي الجيلاني وزير الدولة بالشؤون الإنسانية ، فأكد لي أن الاوضاع الامنية والانسانية بدارفور مستقرة تماما، وان العودة الطوعية تشهد تقدما مضطردا مع وجود بعض التحديات المتمثلة في توفير الخدمات في مناطق العودة الطوعية.. وأبدى استغرابه من حديث كي مون وقال « هذا الحديث لا يوجد سوى بمخيلة كي مون، فلا الاعراف ولا الدين ولا النخوة السودانية تجعل من هذا السلوك عادة في مجتمعنا السوداني، واقولها بالصوت الواضح إن هذا السلوك المشين ليس له وجود» … قلت الحكومة تتحدث عن حالات فردية فقط؟ فرد بالقول «دارفور مجتمع وليست جنة، وتوجد حالات فردية ولكنها ليست ظاهرة».
? مصدر حكومي مضطلع «فضل حجب اسمه».. ارجع حديث كي مون الاخير الى حملة مضادة تقودها جهات بعينها.. حيث قال المصدر «منذ تصريحات سكوت غرايشن المبعوث الامريكي للسودان التي قال فيها انه يجب رفع العقوبات عن السودان، وانه لا يوجد دليل على ان السودان يدعم الارهاب، وتأكيده ان ما حدث بدارفور ليس ابادة جماعية.. بدأت حملة إعلامية مضادة لتثبيت الرأي العام الذي بدأ في تغيير وجهة نظره عن السودان».. وتابع «شعرنا ان هنالك حملة يقودها «تحالف إنقاذ دارفور» اليهودي، حيث خاف التحالف من تصريحات غرايشن الايجابية امام البرلمان، وبدأ في تسويق افكار المعارضة المسلحة مثل اختلال الثروة والسلطة والتهميش، وقد اتخذت الحملة اربع حلقات لتنفيذ مخططها».
? وقبل ان نستعرض مع المصدر الحلقات الاربع للمخطط، لا بد لي من تسليط بعض الضوء على «تحالف إنقاذ دارفور» الذي اتهمه المصدر بانه يقود الحملة.. وكان دكتور مصطفى قد تحدث عن التحالف بالقول «عكفت المجموعات اليهودية الناشطة على انشاء وتأسيس منظمة «تحالف إنقاذ دارفور» لتكون مظلة تنسيقية لحشد الجهود والطاقات، ووضع السياسات والخطط والاستراتيجيات لزيادة أوار الحملة، وقد نجح «تحالف انقاذ دارفور» في ضم 160 منظمة تحت جناحه. وقد تمكنت هذه المنظمة في فترة وجيزة نسبة لما توفر لديها من امكانات مادية هائلة من تكثيف الحملة والوصول بها لمستويات غير مسبوقة، حيث شهد النصف الثاني من عام 2004م تجاذبا كبيرا بين الادارة الامريكية التي اكتفت بوصف ما يحدث في دارفور بأنه تطهير عرقي، وبين الناشطين في حملة دارفور المعادية بقيادة متحف الهلوكوست و«تحالف إنقاذ دارفور» الذين وصفوا ما يحدث في دارفور بالابادة الجماعية».
? ونرجع مرة اخرى للحديث عن حلقات تنفيذ المخطط .. يقول المصدر «الحلقة الاولى عبر الافلام الوثائقية «فقه الافلام الوثائقية مدفوعة الثمن» التي تنشر في قنوات مثل الفوكس نيوز والبي. بي. سي. والحلقة الثانية هي تصريحات بان كي مون، والثالثة تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي وانعكاسات قضية الصحافية لبني احمد حسين على الميديا العالمية، وتصوير السودان على أساس أنه بلد غير ديمقراطي، كما فتحت الحملة شهية القوات المتمردة في شكل تحركات معزولة للعدل والمساواة».. ويواصل المصدر في الحديث بأن الحملة تهدف للضغط على الموقف الحكومي في الدوحة والضغط على مصر عن طريق اتفاقية مياه النيل، لتظهر اسرائيل في حرب المورلي، لتتحكم في منابع النيل بعد ابادتهم. وحضورها في دارفور يجعلها تتحكم في مياه النيل الغربي والبحيرة التي يفترض أن تسقي السودان وتخفض من حصته في مياه النيل. ويضيف المصدر ان التصريحات الايجابية عن السودان لم تتوقف، ومنها تصريحات مارتن اقوي الذي تحدث ايجابا في مؤتمر صحفي بنيويورك، وادلي بتصريحات «جن لها جنون العالم»، حيث وصف الاوضاع بالمستقرة، وقال ان حوادث القتل بالاقليم تراجعت الى «20» حالة فقط، وهي عبارة عن نهب مسلح.
? الدكتور أحمد المفتي مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الانسان والخبير في مجال المنظمات سألته عن رأيه في تصريحات كي مون، فقال «التصريحات تحتوي على اتهام خطير يتحدث عن اغتصاب منهجي باعتباره وسيلة من وسائل الحرب، وفي العادة لا تلقى الاتهامات الخطيرة «جزافا»، فلا بد من وجود المرجعية التي من دونها تصبح التصريحات دون سند، لذلك لا بد أن يوضح كي مون مصادره، وان يخطر الحكومة السودانية بذلك وينتظر حتى يعرف ردها على الاتهام. واعتقد ان هذا تصرف غير مسبوق».. واضاف المفتي ان هنالك مطعنين في الأمر، الأول خطورة الاتهام نفسه، والثاني مطالبته مجلس الامن بالتحقيق في الأمر. ويرى المفتي أن الحديث منقوص وبه مطاعن كثيرة وتسرع وتجاوز للناحية الدولية، ليصبح هنالك العديد من التساؤلات حول امكانية وجود اهداف اخرى غير الشيء المعلن، فحتى موريس اوكامبو لم يقل ما قاله كي مون، بل قال ان لديه شهودا.
? الجيلاني اتفق جزئيا مع من سبقوه في امكانية وجود دوافع وراء تصريحات كي مون، حيث قال «لا اريد ان اتحدث بنظرية المؤامرة، ولكن هنالك جهات تسعى لتشويه صورة السودان، فالاستهداف مازال موجودا رغما عن تصريحات غرايشن الايجابية وتقارير الآليات المشتركة والصليب الاحمر، واعود لاؤكد اننا لا نعاني من اية اشكالات، ونحن في افضل حالاتنا».
? وما بين حديث اوكامبو عن الاغتصاب والتحذيرات التي وجهها للحكومة السودانية، واحاديث الخبراء عن عدم وجود اسانيد ومرجعيات لحديثه، وما بين التقارير الايجابية عن الاوضاع في الاقليم، والحديث عن حملة اعلامية يتم تنفيذها عبر محاور.. تبقى العديد من الاسئلة قائمة في انتظار ان تفصح عنها الأيام القادمة.
سلمي فتح الباب :الصحافة