أمينة الفضل
سر التقطيبة
٭ وأنا في طريقي للعمل لفت انتباهي وجوه الناس في الطريق وجوار المواصلات، وجوه ليست كالتي أعرف إنها وجوه مبتسمة وجوه مريحة وتحايا في الطريق وحديث هادئ، وليست هناك مشكلات او تذمر وضيق، فعلمت ان السبب اختباء الشمس في مخدعها ولسبها غلالة رقيقة من الغبار الذي حجب السنة الشمس لسويعات معدودة كانت كافية لمعرفة ما يطلبه المواطنون، وتمنيت ألا ترسل علينا الشمس لهيبها الحارق، ولتجعل لنا فرصة للتأمل والسياحة الروحية قبل أن تطل علينا بوجهها، فمعظم السودانيين خرجوا مشياً على الأقدام وتركوا المواصلات في حالة استجداء لمن يمتطيها، وقد ضحكت من تعليق صاحب ركشة عندما قال: «الجو دا ما في صالحنا لأنو بوقف سوقنا»، وفي حقيقة الأمر الجو كان يغري بالتجوال مشياً على الأقدام بعد ان زالت التقطيبة ونزلت الأيدي من الوجوه بعد أن كانت ساتراً من الشمس وحاجباً لهم من أشعتها اللاهبة.
٭ حتى الحديث بين الناس تختلف نبرته ومفرداته وطريقته، إذن السبب هو الجو اللطيف الشاعري والرومانسي وكل المفردات التي تحمل في طياتها رقةً وجمالاً وحباً، إذن طالما نحن بهذا القدر الكبير من الأحاسيس الرائعة التي خرجت تجاوباً مع اختباء الشمس حتى وان كان السبب هو الغبار والتراب الذي عكر الأجواء، لكنه منحنا فرصة المشي بالأقدام لمسافات طويلة ما كنا لنمشيها لو أطلت علينا الشمس بوجهها الناري.. فلماذا لا نتخذها سنة ونسير عليها، ولنبدأ بالحديث الهادئ وليس كما اُشيع عنا بأن السوداني ان سلم عليه آخر وابتسم في وجهه يسأله عن السبب «يا زول مالك بتتكشم زي نار القصب»، وحتى في الحديث بين المرأة وزوجها ان جاءته ضاحكة وظريفة يرد عليها «خلي الظرافة بتاعتك دي وادخلي في الموضوع طوالي ووريني دايرة شنو؟» فتنغلق نفسها عن الحديث.. نريد تغيير الصورة السالبة عن السودانيين والتكشيرة الدائمة على وجوههم حتى ونحن تحت الشمس مباشرة لتصبح هذه عادة مستمرة، ونتمنى أن تستمر شمسنا متدثرة بغلالة الغبار لعدة أيام ممارسة فضيلة الاختباء القسري لشمس السودان التي لا تغيب.
حكاوي – بقايا مداد
أمينة الفضل
[email]aminafadol@gmail.com[/email]