احمد دندش

ألف نَيلة ونَيلة (الأخيرة)

[JUSTIFY]
ألف نَيلة ونَيلة (الأخيرة)

عدت برفقة صديقي اللدود عنترة بن شداد إلى المنزل، بعد أن كاد يتسبب في كارثة حقيقية بالحفل، وقمت بإغلاق الباب بالمقتاح تحسباً لهروبه مرة أخرى وارتكابه لأي من تصرفاته المجنونة، وبالفعل، ماهي إلا دقائق معدودة حتى ارتفع صوت شخيره يملأ المكان، بينما أغمضت عيناي وسبحت في عوالم الأحلام.
في صباح اليوم التالي استيقظت بصعوبة، فالأحداث المتلاحقة التى مررت بها كانت كفيلة لكي أنام لثلاثة أيام متتالية، تحركت من فراشي صوب الصالة حيث يستلقي عنترة، نظرت إلى فراشه فوجدته خالياً، انتقلت بسرعة (للحمام) فلم أعثر عليه، اتجهت صوب المطبخ فلم يكن له أثر، فجأة، لمحت النافذة وهي مفتوحة على مصراعيها اقتربت منها، وتطلعت ما حول المكان لكني أيضاً لم اعثر عليه، عدت إلى الغرفة بسرعة لارتداء ملابسي للخروج للبحث عنه، وقبل أن أصل للغرفة، لفتت انتباهي تلك الورقة الصغيرة التي كانت تقبع تحت طاولة التلفاز، انحيت ورفعتها وتأملتها لدقائق قبل ان يرتفع حاجباي في دهشة، فقد كانت تلك الورقة من عنترة (شخصياً) وهو يقول لي فيها: (أعذرني يا أخ العرب على الإزعاج والفوضى التي سببتها لك…لكن بلادكم غريبة…وحياتكم أغرب…لذلك فقد قررت أن أغادر إلى مكان آخر وإلى بلاد أخرى علي أجد فيها ما أبحث عنه).
كانت هذه العبارات هي خلاصة الورقة، ولم أعرف ما الذى كان يبحث عنه عنترة، لكنني بيني وبين نفسي شعرت بالارتياح، فقد غادر ذلك الشخص الغريب الأطوار عالمي، ويمكنني الآن أن أعود لممارسة حياتي الطبيعية، وأن أخرج للنزهة دون أن أحمل هم ذلك (السيف المشؤوم)، وأن أتجول بحرية دون تقييد أو مرافقة من ذلك الرجل الضخم الذى يستفزه كل شيء في بلادي، حتى (الغناء).
ارتديت ملابسي وخرجت وأنا أدندن بلحن أغنية عاطفية قديمة، اشتريت (باكو من السجائر) احتفالاً بهروب عنترة من حياتي، أشعلت واحدة من ذلك الباكو ونفثت دخانها بتلذذ، وصلت إلى محطة المواصلات التي انتظر فيها الحافلات التي تقلني إلى العمل، اشتريت كذلك صحيفة جديدة لمطالعة أخبارها، انتحيت ركناً قصياً من المحطة، وجلست أتأمل الأخبار بتركيز عالٍ، بينما دخان سيجارتي يملأ البراح، توقفت عند أحد الأخبار الغريبة والتي تؤكد ارتفاع نسبة المجانين في البلاد، رسمت ابتسامة على شفتي، وأحسست براحة أكبر بعد أن اختفى من حياتي عنترة، فعلي الأقل ضمنت في هذه الحالة أنني لا أرافق مجنوناً يمكنه أن يقتلع (فشفاشي) ذات ليلة ويرتديه كـ(قبعة) لحضور حفل مسائي (تنكري).
فجأة…ودون مقدمات أحسست بظل شخص ما يقف أمامي…رفعت رأسي ببطء، وأطلقت شهقة عالية، فأمامي مباشرة توقفت تلك الفتاة الغجرية التي تضع قرطاً ضخماً على أذنيها، وترتدي ملابس أشبه بملابس العصور الوسطى، حاولت أن اسألها، ولكنها كانت أسرع في المبادرة بتعريف نفسها، فقالت وهي تضع أصبعها على خدها في حيرة: (يااخ العرب…هل يمكنك مساعدتي..؟…أنا عبلة بنت مالك)..!!
(تمت
[/JUSTIFY]

الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة السوداني