الاستقالة.. الجبرية
والي ولاية الجزيرة البروفيسور الزبير بشير طه استقال ليلة أمس الأول من منصبه.. وقال إن الرئيس عمر البشير طلب منه ذلك.. من وراء الكواليس ألمحت المصادر الحكومية إلى أن حيثيات (الاستقالة الجبرية) ضعف الأداء وغياب التنمية.. حسناً هنا يطل سؤال حتمي ومصيري.. وأين المجلس التشريعي لولاية الجزيرة؟
حسب توزيع السلطات في الدولة مهمة المجلس التشريعي (البرلمان الولائي) بجانب التشريع الرقابة على أداء السلطة التنفيذية.. وبدستور عام 2005 الذي (يفترض!!!) أنه يحكم البلاد الآن.. يستطيع المجلس التشريعي سحب الثقة وإقالة الوالي بأصوات الثلثين.. فلماذا لم يستخدم المجلس التشريعي صلاحياته؟ الأمر لا يخرج عن احتمالين.. كليهما مر.. الأول: أن المجلس لا يرى ما يستوجب سحب الثقة.. فهو راض عن أداء الوالي.. وهنا يصبح المر.. إذن كيف للمركز أن يفرض مشيئته على السلطة الدستورية لبرلمان الولاية..
والثاني: أن يكون المجلس التشريعي (ذات نفسه) لا يرى في نفسه القدرة على ممارسة مثل هذه السلطة.. وأنه مثل الوالي- في انتظار مشيئة المركز ليمررها..
في الحالتين يصبح الحكم الاتحادي مجرد (صورة) ميتة.. لا فائدة في الأموال الضخمة التي تبدد فيه.. من بداية الانتخابات المكلفة باهظة الإنفاق التي ينتخب فيها سكان الولاية مجلساً تشريعياً لا يهش ولا ينش غير راغب ولا قادر على ممارسة صلاحياته.. إلى نهاية انتخاب وال رهن إشارة المركز.. استقل.. فيستقيل..
والمصيبة الأكبر أن هذا الأمر تكرر أكثر من مرة.. والي القضارف السابق السيد كرم الله عباس أجبر على الاستقالة.. حاول مقارعة المركز والاستقلال بقراره لكونه منتخباً من شعب ولايته لكن المركز لم يتحمل مثل هذه الاستقلالية.. فاستدعي إلى القصر الجمهوري.. وكانت الرسالة واضحة سافرة.. الاستقالة وإلا..!!
والي شمال كردفان معتصم زاكي الدين.. استقال.. مولانا أحمد هارون أقيل من جنوب كردفان بحجة تغير حدود الولاية بعد إعلان ولاية غرب كردفان.. وعين في شمال كردفان.. الدكتور عبد الحميد كاشا استقال من جنوب دارفور.. ثم من شرق دارفور..
الغالبية الكاسحة من نواب المجالس التشريعية في جميع ولايات السودان هم من حزب المؤتمر الوطني.. وما أسهل أن تصدر لهم (تعليمات) بسحب الثقة من أي وال فيفعلونها (قبل أن يرتد إليك طرفك) فلماذا رغم كل هذه الإمكانية المباحة (الدستورية!!) تفضل الحكومة الاستقالة بطعم الإقالة!!
مثل هذا المسلك يبعث برسالة أن حزب المؤتمر الوطني غير راغب في إشهار أي شرعية سوى شرعية المركز.. فحتى ممارسة المجالس التشريعية (وهي من صميم عضوية المؤتمر الوطني) لصلاحية محاسبة الولاة وإقالتهم غير مرغوب فيها.. ليظل خروج الولاة من باب واحد.. الاستقالة الجبرية.. بأمر المركز.
أخطر ما في هذه الممارسة أن مرجعية أي وال تظل هي رئاسة الجمهورية وليس الأصوات الانتخابية في الولاية التي يفترض أنها هي التي أتت به للكرسي.. وهذا يعني أن على كل وال بذل كل جهده لإرضاء المركز حتى ولو تعارض ذلك مع مصالح ولايته.. لأن غضب ورضا المركز هو الذي يصيب أو يخيب.. أما خاطر سكان الولاية فهو مجرد أوهام لا تضر ولا تنفع..
الاستقالات الجبرية للولاة تعني فشل (الصبر) على تطبيق الحكم الاتحادي..
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]