نوط الاستقالة
*ذهبت ذات يوم إلى إحدى الوحدات الحكومية لقضاء خدمة رسمية، طالبني المهندس المختص بسداد ثلاثمائة جنيه إلى شباك الوحدة، ثم بعد تسديدها طالبني بدفع ثلاثمائة جنيه أخرى له شخصياً نظير خروجه والتيم إلى أرض ميدان الخدمة.
*لم يكن أمامي إلا القبول لأن البديل هو التسويف والتأخير، فلما قُضيت الخدمة لم يكن في جيبي إلا مئتان وخمسون جنيهاً، رفض المهندس استلام مبلغه ناقصاً، اضطررت لاستلاف مبلغ الخمسين جنيهاً..
*ثم ذهبت مباشرة لأدون هذه الحادثة بمسمياتها في عمودي ليوم غد، فما إن نشر المقال حتى جاءتني مهاتفة من المهندس المسؤول على مستوى الولاية، بعد أن عرفني بنفسه قال، إن السيد الوزير قد أمر بإجراء تحقيق ونحن بالفعل قد أرسلنا تيم التحقيق إلى الوحدة المعنية، سألته ما المطلوب مني، قال فقط نود أن نخبرك بأننا قد حركنا إجراءاتنا..
*في منتصف اليوم جاءني هاتف آخر، وهذه المرة من مدير الوحدة المعنية، اعتذر لي الرجل بلطف، وقال “نحن قد وضعنا سلفاً حافزاً للمهندس ضمن المبلغ الذي سددته فما كان له أن يطلب مبلغاً آخر”..
*وهذا يعني أن صاحبي، غير ثلاثمائيته ربما يأخذ مائة جنيه أخرى رسمياً ليكون نصيبه أعظم من نصيب الحكومة، علماً بأن العربة التي ذهبنا بها للميدان هي عربتي، وأن الأمر لم يستغرق أكثر من ساعة، وأن الوقت والجهاز والمكتب والإضاءة والتبريد وربما القلم الذي وقَّع به، كلها ممتلكات الحكومة!
*طالبني مدير الوحدة بتدارك القضية، فللرجل مسؤولية أسرية والتزامات، وأن هذا الأمر سيكلفه وظيفته، أمطرني آخرون بوابل من الهواتف لتسوية هذا الأمر، على أن فلوسي سترجع لي كاملة ولن يتكرر مع مواطن آخر..
*تحت ضغط المهاتفات، سيما هواتف الذين أعرفهم، تساءلت كيف ستكون المعالجة، هل أقول إن هذا الأمر لم يحدث! فهذا سيكلفني مصداقيتي.. قال لي لا أعرف غير أن طوق نجاة الرجل في قلمك (وانتو الصحافيين بتعرفوا المخارجة)!
*قبلت هذه الاسترحامات ولاسيما أن هدفي لم يكن أصلاً (قطع رزق زول) بقدر ما كان التنبيه لهذه الظاهرة وعدم التماهي والتمادي فيها، فذهبت لأكتب مطالباً بإقالة الوزير أو استقالته، على أن هذا الخلل في المقام الأول هو في سيستم الوزارة، فلا يجب أن نعوِّل على الأخلاق وحدها على أن ندعم الأمر بإحكام سيستم الدولة. فعفوت عن الرجل وطالبت بوضع حبل القضية في رقبة الوزير شخصياً، ففي دول العالم المتقدم إذا أخطأ موظف صغير يستقيل مباشرة الوزير المسؤول.
*أكتب هذا المقال وأستدعي هذه الواقعة، بين يدي استقالة رئيس مجلس وزراء كوريا الجنوبية، وذلك على إثر غرق عبارة أودت بحياة عشرات الطلاب، علماً بأن الوزير المستقيل لم يكن رئيساً لمجلس إدارة الخطوط البحرية أو وزيراً لحقيبة وزارة النقل!
*لم نرق بعد لأدب الاستقالة، ونحن نشهد هذه الأيام بادرة (الإقالة المستقالة) للولاة، لماذا والحال هذه لا نبتكر أدب (نوط الاستقالة) من الدرجة الأولى، كأن يستدعي الرئيس الوالي المعني ويلقنه (نوط الاستقالة) من الدرجة الأولى الممتازة؟!
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]
مع إحترامي لك و لقلمك يا أستاذ أبشر ، لكن أقول ما كان تعفو عن هذا المهندس المسئول ، فمن كم غيرك أخذ أموال ؟ و كم من الأموال خسرت الدولة بهذا التصرف المشين ؟ هذا المهندس لا فرق بينه و بين موظفي مكتب والي الخرطوم ، بل قد يكون جرمه أكبر لأنه يعمل في وحدة تباشر عملها مع المواطن بصورة يومية و بذلك كل يوم يأخذ أموال من المواطن أكثر من الحكومة و يضعها في جيبه و تأكل أسرته التي شفع لها قادته الحرام . صدقني بعد الشفاعة يكون قد كرر جرمه مرات و مرات .هذا فساد واضح ، كان من باب أولي أن تطلب أن يقدم هو و الوزير المسئول عنه إستقالتهما فأن أبيا تطالب بإقالتهما .