لا نجونا إن نجوا!!
< تواجه الحكومة في ظل الحريات العامة المعلنة وانكسار قيود الصحافة وغياب أغلالها، حقيقة موضوعية لا تحتاج إلى عناء كثير في فهم أبعادها وتجلياتها، فإما أن تجتهد الحكومة في إصلاح مؤسسات حكمها ومكافحة الفساد المستشري بقوة وتضع حداً للتجاوزات.. أو تذهب غير مأسوفٍ عليها!! < ويحمد للنظام القائم أنه تعامل مع الحالة السياسية الراهنة بوضوح، فأقبل على الحوار ومد أياديه للجميع، وبدأ يكشف مواطن الفساد والخلل والعلل، بالرغم من الشكوك الكثيرة التي حامت حول هذه الخطوة وظنها الناس عملية تقديم كباش فداء، ريثما تعود الأمور إلى ما كانت عليه. < لكننا جميعاً شعرنا وتيقنا أن الخطوة جادة وضرورية، بالرغم من أنها جاءت متأخرة كثيراً.. ولئن أن تأتي خير من ألا تأتي.. فإذا كانت الجدية والإرادة السياسية في عنفوانها وصدقها، فإن واجب الصحافة ووسائل تنوير وتبصير الرأي العام والأحزاب السياسية سيكون أضعاف ما لدى الحكومة، وعلى الصحافة أن تستفيد من هذه الأجواء والمناخ المتاح، في القيام بما يمليه عليها دورها ووظيفتها الأساسية وتمضي في إعانة الحكم على تنقية وتطهير مواطن الإفساد في مؤسسات الدولة ومنع استغلال النفوذ وتقديم المفسدين للقضاء والعدالة، وفتح الطريق للأمل من جديد وإحياء ثقة الشعب في إمكانية التقليل من الحيل والفساد وجرائم المال العام. < ستكون الحالة الصحفية والأجواء الإعلامية أكثر ضراوة، لكنها بالفعل تحتاج إلى التقيد بالقيم والقواعد المهنية حتى لا تتحول الصحافة إلى محاكمة سياسية أو اتهامات جزافاً بلا دليل، وحتى اللحظة الأداء الصحفي متميز ومجتهد وصادق في تقديم المعلومات وإطلاق صافرات الإنذار عن كل جريرة ترتكب وعن كل مسؤول تحوم حوله شبهة فساد وكل مؤسسة ليست فوق الشبهات. < إذا علمت الحكومة ما في هذه الحالة السياسية والإعلامية الراهنة من ضخامة مسؤولية وانفتاح مصاريع أبواب كثيرة، لأخذت هي المبادأة والمبادرة والإصلاح وأقدمت على خطوات عملية وفورية أسرع مما هي عليه الآن، وإذا علمت الصحافة ووسائل الإعلام خطورة هذه المرحلة ودقتها لعمدت مباشرة إلى تطوير أدواتها ووسائلها وترقية حرفيتها لملاحقة المجرمين وفضح بؤر الفساد وإزالة كل الغطاءات عنها دون أن تلبس الأمور لبوس السياسة والمصالح المرسلة. < يمكن للبلاد أن تصحح الكثير من الأخطاء والتجاوزات، ولو تضافرت الجهود وتكاملت الأدوار لاستعطنا كبح جماح ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في مواجهة الجنيه السوداني ولانتصرنا على التهريب والمضاربات، فكثير من الإجراءات المتخذة اليوم من الحكومة وأجهزتها هي إجراءات ذات أثر وعائد مؤقت، وتحتاج الحكومة إلى حلول شاملة وعاجلة ومتكاملة حتى تستطيع القضاء على الظواهر الاقتصادية السالبة وهي أس البلاء الذي نعاني منه. < فارتفاع الدولار وكثرة الشكوى والتصريحات الحكومية والبرلمانية حول تصاعد سعره وتذبذبه ارتفاعاً وهبوطاً، ينبغي معالجته بسياسات جريئة وتفكير اقتصادي عميق ليس بالإجراءات الاحترازية وحدها التي ستكون فعَّالة إذا كانت تحت فضاء السياسيات النقدية والأداء الاقتصادي المبرأ من العيوب والثقوب. < من أكثر التحوطات الفعالة لمحاصرة الضائقة الاقتصادية، هو مواجهتها برؤى علمية وتطبيقات عملية صارمة وليست بتقديرات سياسية متعجلة غير منسقة، وبإجراءات حاسمة وحازمة تراعي خطورة التدهور المريع والعمودي للوضع الاقتصادي والمالي للدولة والمجتمع.. فهناك أخطاء لا بد من تصحيحها وهناك فساد لا بد من لجمه. < وهنا لا بد من الإشارة إلى أن نوع القضايا التي تشغل الرأي العام في صورة مصغرة عن الفساد، وتعجيل عرضها على القضاء وسرعة البت فيها، ستجعل الرأي العام على قناعة أن هناك شيئاً ملموساً تقوم به الحكومة ويعضد جديتها، هذا بغض النظر من التخوفات التي تُثار هنا وهناك بتباطؤ الخطوات، والتقهقر الذي نلمحه هنا وهناك يجعل من كل المشهد دائرة مفرغة لا تنتهي عند نهاية معلومة.. والفرصة الآن كاملة غير منقوصة في يد الحكومة، إن استثمرتها نجونا ونجت.. وإن أضاعتها......!! [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة