التسامح السياسي
< لا يختلف اثنان في أن السودان هو بلد التسامح والعفو بين فرقائه مهما كانت البغضاء الخصماء بينهم والشحناء، خاصة في المجال السياسي، إذ ينقلب العدو إلى صديق كلمح بالبصر ويصبح الصديق مبغوضاً وعدواً قبل أن يرتد الطرف.. ويتقاتل السودانيون ردحاً من الزمن، فلا يلبثوا أن يتفقوا ويتصافوا، وبقدرة مدهشة تكتم الضغائن وتتصافح الأكف، وإن بقي ما في القلوب في القلوب. < هذه المقدمة ليست عن عودة مبارك الفاضل المهدي للبلاد أمس كما حدث بالفعل، لكنها توطئة لما ينبغي أن تكون عليه تعاملات الواقع السياسي في ظل الحوار الوطني والمبادرات والحريات، فدول المحيط العربي والإفريقي التي انهارت ودخلت في نفق مظلم من التناحر والدماء واستعار أوار الخلافات، كان ذلك بسبب غياب التسامح الاجتماعي والسياسي، لقد انهارت دول حولنا وتحولت إلى برك من الدماء بسبب غياب الروح المتسامحة والقدرة على تجاوز المرارات والإحن والمحن. < وسعت كثير من الدول والشعوب، إلى تأطير تعافيها وتسامحها بالقانون والدستور والمبادرات السياسية الضخمة مثل جنوب إفريقيا ورواندا، إلا أن السودان مركوزة في قيم شعبه وتقاليده القابلية للتصالح والمعافاة دون الحاجة لضخ أنزيمات سياسية حتى تهضم الأفكار والآراء والمشاعر الإيجابية التي تقود إلى التصالح والوئام الوطني العام. < فتلقائياً لدى السودانيين طريقتهم في تناسي الماضي وخلافاته القاسية، وطمر الخلاف في مقبرة عميقة وبدء صفحة جديدة، ودلت كل التجارب السياسية في العهود السابقة وعهد الإنقاذ الراهن، على أن الحكمة عندما تكون حاضرة، تتبدد سحب وأدخنة وغبار الخلاف وتنحسر المسافات وتزول الموانع بين المتخالفين وهم في معمعة ولجة الشقاق. < إذا كانت الساحة السياسية تعيش هذه الأيام حالة من التقارب والتلاحم والتوافق والحرية، فإن الوجدان الوطني لا بد أن يعبر عن إشراقاته بقوة، ويتفق الجميع على حصر الخلاف في أُطره الضيقة حتى يتم انكباح الشرور، ويقوى الجسد، ما دامت الروح قوية وصامدة وصابرة وصلدة. < ولذلك لا يبدو غريباً خروج بعض القادة السياسيين مغاضبين وكارهين، ثم يعودون باتفاق أو غير اتفاق، آيبين مسالمين غير محاربين. < وفي هذا الإطار لا بد من تعزيز الحالة الوطنية التوافقية الحوارية العامة، بتجسيدات على الواقع تطمئن البعيد المفارق، وتعيد الثقة للمُنكِر، وعلى الحكومة وحزبها ومن يدور في مداراتها من أحزاب الوحدة الوطنية، أن تقدم تجربة سودانية أصيلة في كيفية تقبل الآخرين والتعاطي معهم وتفهم ما يطرحونه واستيعاب ما يقدمونه من آراء قد تفيد البلاد ويُنتفع بها.. فنصف رأيك عند أخيك. < ونحن أحوج ما نكون في ظل الظروف حولنا في جوارنا الإقليمي ومحيطنا العربي، إلى إشاعة روحنا السمحاء، وغسل قلوبنا من الغل السياسي، والإقبال على بعضنا البعض حتى نجتاز هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا، فالنار المشتعلة في عدة مناطق من البلاد تحتاج بالفعل إلى قوة جبارة لإطفائها وإخمادها وإقناع مشعليها بأن لا جدوى من تطاير شررها وامتداد حريقها. < ويعلم كل من يحمل السلاح ويتآمر على البلاد ويتواطأ مع الأجنبي، أن عظم السودان قوي لا ينكسر بسهولة، وسر قوته تكمن في قيم وفضائل شعبه التي تقدم التسامح على التقابح، فمن يكظم الغيظ وله قدرة على منح العفو والتجاوز، هو الذي يمسك زمام الأمور ويربح في نهاية الأمر. < لماذا لا نشيع هذه الروح بيننا ونقوي منها ما دام أصلها فينا وفرعها في الذرى الشم من حاضرنا ويلوح في مستقبلنا؟ [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة