استغلال نفوذ
مسلسل غريب الأطوار جرى أمس.. لبينا بمقر وزارة العدل دعوة لمؤتمر صحفي يترافع فيه مولانا عصام الدين عبد القادر وكيل وزارة العدل.. عن الاتهامات التي أثارتها ضده الزميلة (الصيحة)..
مولانا عصام قدم إفادة (معقولة)!.. قال إن قطع الأراضي التي ظهرت في ثنايا الخبر (كانت) مملوكة له (بالتتابع).. إذ أنه استثمر حصيلة خمس سنوات من الاغتراب في السعودية لشراء قطعة أرض من السوق (باعها له أحد معارفه).. ثم توسع في القطعة المجاورة بالشراء المباشر من مالكها.. وباع القطعتين ليشتري بهما قطعة ثالثة .. وهكذا.. خلاصة حديثه أنه امتلك القطع المشار إليها بالتوالي (التتابع) وليس بالتوازي..(عدا قطعتين استثمارتين اشتراهما عبر نافذة البيع المباشر من مصلحة الأراضي).
انتهى المؤتمر الصحفي بسلام ورجعت مكتبي.. فإذا بهاتف من الأخ ضياء الدين بلال رئيس تحرير الزميلة (السوداني) يخبرني بأن د. ياسر محجوب رئيس تحرير الزميلة (الصيحة) أُلقى القبض عليه في مباني وزارة العدل مباشرة بعد المؤتمر الصحفي.. ونُقل إلى نيابة الصحافة ومنها إلى القسم الشمالي لشرطة الخرطوم حيث أودع الحراسة..
هنا تتغير القضية تماماً.. ذكرتني هذه الواقعة بما حدث لي في صحيفة الرأي العام قبل عدة سنوات عندما كتبت مقالاً بعنوان (الهمبول) فاعتقلت من داخل مقر الصحيفة نهار يوم (الخميس) ونُقلت إلى مقر نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة.. ورغم وجود وكيل النيابة المختص (مولانا محمد فريد).. وزميله وكيل النيابة الذي فتح البلاغ ضدي.. إلا أنهم وضعوني في حجرة منفصلة لعدة ساعات دون تحقيق.. ثم نقلت إلى حراسة شرطة المقرن.. لكي أقضي عطلة نهاية الأسبوع ..حتى الأحد.. في الحراسة دون تحقيق.. ثم استمر التحقيق معي عشرة أيام كاملة.. في مقال واحد.. استغلال سافر للنفوذ تحت شعار (من يملك السلطة.. يملك القانون)..
هذا بالضبط ما حدث لزميلنا ياسر محجوب أمس.. الإجراء العادي الذي يُتبع مع كل الصحفيين هو فتح بلاغ لدى نيابة الصحافة التي تتتحرى مع الصحفي دون حاجة لقفله في الزنزانة.. ويطلق سراحه بالضمان الشخصي لحين صدور قرار النيابة في التهمة الموجهة للصحفي..
الطريقة التي تصرف بها مولانا عصام الدين عبد القادر حولت الأنظار من اتهامات صحفية موجهة له .. إلى وقائع (استغلال نفوذ) سافر لا يقبل التأويل ولا الحجج والمبررات.. لأنه استغل وضعه الوظيفي كونه وكيلاً لوزارة العدل ليستخدم الإجراءات بصورة (تعسفية) ضد الأخ ياسر محجوب ..
إذا فشل وكيل وزارة العدل في (العدل) ضد خصمه.. فاستغل نفوذه بصورة سافرة.. فإن ذلك يعني أن وزارة العدل ليست في أيد أمينة.. طالما أن (العدالة) رهن الهوى الشخصي..
قلنا كثيراً أن (التغيير) الذي بادر به حزب المؤتمر الوطني في القيادات.. لم يثبت حتى الآن أنه امتد لتغيير العقلية والمنهج الذي ظلت تدار به البلاد فأفضى للواقع الكائن اليوم.. واقع الأزمة..
ولن يتغير السودان.. ما لم تتغير عقلية (سيد القانون) بدلاً من (سيادة القانون.
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]