أمينة الفضل

الشيخ أحمد عبد الرحمن يكشف أسرار تُنشر لأول مرة عن أحداث الجزيرة أبا «2»


الشيخ أحمد عبد الرحمن يكشف أسرار تُنشر لأول مرة عن أحداث الجزيرة أبا «2»
[JUSTIFY] كثير من الغموض اكتنف أحداث الجزيرة أبا وبعض من الذين حضروا أحداثها لم يدلوا عنها بالكثير الذي يكشف أسرار تلك الفترة الهامة من فترات السودان، إذ ظلت الجزيرة أبا حكراً على بعض الأشخاص الذين يسردون روايات منقوصة، منهم الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، الذي أثار حديثه عن أحداث الجزيرة أبا وموت الإمام الهادي المهدي كثيراً من اللغط ووصفت معلوماته بالمكذوبة وأنها غير حقيقية، ومحض افتراء وتزوير للتاريخ الذي شهده ثلة من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وفي بحثنا عن الحقيقة المجردة بلا تجميل فتحنا ملف الجزيرة أبا للأجيال القادمة وبدأناه من الشيخ أحمد عبد الرحمن الذي يعتبر مهندس ما دار في الجزيرة أبا فماذا قال؟

حاورته: أمينة الفضل:

< ماذا يفعلون في معسكرات حركة فتح؟ > كانت اتفاقية مع ياسر عرفات أن هذه معسكرات تابعة لفتح لكنها عناصر الحركة الإسلامية العالمية، ولما خرج محمد صالح عمر مغاضباً انضم إليهم في هذا المعسكر ومعه عدد من إخواننا، أذكر منهم زين العابدين الركابي، وبابكر عبد الله من أولاد فداسي، وعبد الله مكي صادق، وعثمان بيلو من أولاد سنجة، ومحمد أبو حريرة من البطاحين، لما جاءنا محمد صالح شرحنا له ما فعلناه، وبدأنا نتناقش مَنْ الأولى فلسطين أم السودان، ودخل الإخوان المسلمون بالأردن في الصورة، أن هؤلاء الإخوة ويعني السودانيين سيخرجون من المعسكر لأن خيارهم الأول أضحى السودان، فكتب لنا مرشد الإخوان المسلمين في الأردن رسالة يوجه لنا اللوم، ويؤكد أن القضية الفلسطينية هي الأولى لا تعلوها أية قضية، وأن الوطن هو الوطن الإسلامي، وأن فلسطين هي الآن جريحة ولا ينبغي تركها، واحد فقط من إخوتنا لم يقتنع أن السودان أولاً فتركنا وذهب إلى اليمن اسمه محمد الباهي.
< ماذا تم بعد ذلك؟ > ذهبنا مع كل تلك المجموعة عدا محمد صالح عمر، ذهبنا إلى الطائف بالمملكة العربية السعودية، وكان معنا الشريف حسين الهندي لنقابل جلالة الملك فيصل لأنني أخبرته أنني لست وحدي، مكثنا ما يقارب الأسبوعين لوجود زوار من بعض البلاد، وفي ذلك الوقت كانت هناك معركة أيلول الأسود، وقضية الأردن وفلسطين، وازدحام شديد على الديوان الملكي وكانوا يصبروننا أننا سنقابل الملك، اخونا نصر الدين ملَّ من الانتظار وقرر الرحيل وعاد للسودان، نحن قابلنا الملك فيصل الذي استقبلنا والتزم لنا وأوفى لنا بكل الالتزامات، وأصبحت مسؤولاً عن العلاقات بين الإخوان داخل وخارج المملكة وهذه المسؤولية أعطتني صلة مباشرة مع جلالة الملك فيصل وكسبت ثقته.
< الخطوة التي تلت ذلك ما هي؟ > بعد أن تم ترتيب الأمور لم نكتف بذلك وعاد الشريف مرة أخرى، اتصل بي وقتها مكي الناس في الجامعة ليخبرني أن الشريف وصل المملكة ومعه السيد أحمد الميرغني، كنت في ذلك الوقت مهموماً بإخواننا الذين يُحالون للصالح العام والذين استغنت عنهم مايو وجاءوا للملكة، كنا نعمل على توفيق أوضاعهم حينما أخبرني مكي بذلك الخبر قال: إنه يريد مقابلة الشريف وبدلاً من أن انتظر للصبح تعجلت وذهبت في ذات الليلة لمقابلة الشريف، وكان هناك عدد من السودانيين يعملون في القصور ولما ذهبت أخبروني بحضور الشريف فقلت لهم: إني جئت منه الآن لكني لم أعرف كيف أصل إليه مرة أخرى. قلت لهم ذلك حتى أعرف مكانه بالتحديد، فرسموا لي خريطة للوصول إلى القصر الموجود فيه الشريف فأخذت معي مكي الناس وذهبنا للشريف واستطعنا الدخول، كانت هناك كبانية داخل القصر، طلبنا من الحارس الاتصال على الضيف، وقبل أن يتحدث الموظف اختطف مكي الناس السماعة وقال للشريف: معاك مكي الناس.
< ماذا كان رد فعل الشريف حينها؟ > ذكر لي الشريف لاحقاً، أنه ما أن سمع اسم مكي الناس حتى ارتجف ولم يظن أنه يمكن أن يأتي إلى هنا، وبعد أن دخلنا عرفت من طريقة السلام أن مكي الناس لم يقابل الشريف خلافاً لما ذكره لي، أنه قابل الشريف ويود مقابلة أحمد الميرغني فقط، جلس مكي مع الشريف وجلست أنا مع الشخص الآخر الذي قيل إنه أحمد الميرغني، كان يتحدث الإنجليزية، سألته مَنْ أنت؟ قال لي إنه ولي الدين الهادي المهدي، وقد جاء به الشريف ليؤكد للسعوديين أن الإمام الهادي معنا في هذه المواجهة، اتصلنا بالملك وأخبرناه الأمر فوافق وبارك لنا الخطوة، وأصبح هناك تفاهك تام بين الديوان الملكي والشريف حسين فيما يتعلق بالعلاقات ودور الدول في المساهمة، وكانت هناك إثيوبيا بحكم علاقة الشريف مع هيلا سلاسي واستطاع أن يحظى بموافقة الإمبراطور على استضافة المجاهدين والسياسيين في إثيوبيا وتوفير كل المتطلبات لمواجهة النظام.
< هل هناك دولة أبدت رغبتها في استضافة المجاهدين غير إثيوبيا؟ > لا، إثيوبيا فقط أبدت رغبتها في الاستضافة، وكان لها دور كبير وتجاوزت حتى عن الذين كانوا يهاجمون الإمبراطور مثل الأخ زين العابدين الركابي الذي كان يهاجم الإمبراطور في صحفنا فطمأناه وذهب لإثيوبيا، المسرح أُعد تماماً لمواجهة النظام والمنطلق إثيوبيا، وكل معسكرات التدريب بإثيوبيا.
< من أين لكم التمويل؟ > كل هذه التفاصيل تم الاتفاق عليها مع الشريف حسين الهندي وإثيوبيا والسعودية «التمويل، السلاح، الأرض للتدريب» وغيرها من متطلبات المواجهة، يعني كل المتطلبات اللوجستية تم الاتفاق عليها، وبدأنا نهتم بالجانب البشري، وكان قوام هذا الأمر الأنصار الذين خرجوا بأعداد كبيرة من السودان خاصة بعد المواجهات التي تمت مع النظام داخل السودان بعد زيارة النميري إلى النيل الأبيض وتحرش الأنصار به، ومن الإخوان أعداد لا تتجاوز الأربعين شخصاً معظمهم من الذين يعملون في السعودية وبعضهم الذين خرجوا من السودان مباشرة إلى المعسكرات بإثيوبيا.
< هل تذكر أول فوج ذهب للمعسكرات؟ > أذكر منهم الشهيد محمد صالح عمر، وزين العابدين الركابي، وأحد الإخوة الذين تم استقطابهم كان يعمل في الكويت اسمه صلاح حسن، له كتاب عن القضية الفلسطينية عنوانه «تسعون عاماً بحثاً عن مخرج» وعثمان بيلو، ومحمد سليمان من أولاد رفاعة
وأبو حريرة، وأحمد سعد عمر عبد المطلب بابكر الذي أصبح فيما بعد سكرتيراً للنميري، وكنت على صلة ببعض الأنصار، منهم مقدم انصاري اسمه آدم
عبد القادر، وأبو بكر السنوسي، وكنت آتي إليهم دائماً بالتعاون مع مدير الخطوط الإثيوبية.
< هل كانت الاتصالات سهلة، وكيف يتم التواصل بينكم؟ > أبداً لم تكن سهلة، استأجرنا منزلاً من امرأة إيطالية وكنا نستخدم هاتفها للاتصالات تسمى «مدام ماريكا» وكان هذا هو سبيل التواصل. بالنسبة لنا أحسسنا بالراحة لأن التدريب كان يجري على قدم وساق ساعدنا الأخ صلاح حسن لأنه في الأصل مدرب رياضي ومعه مدربون إثيوبيون.
< هل تم إدخال سلاح بعد هذا التدريب؟ > بعد الاتفاق على أن يتم التدريب في إثيوبيا، وأن يدخل السلاح للجزيرة أبا حتى يكون قد سبق المجاهدين. تم ادخال السلاح إلى الجزيرة أبا، وكان دخوله بطريقة متخلفة جدًا عبر مجموعة من الأنصار الذين يمتهنون صيد الأفيال، وقد أدخلوا السلاح متأخراً جداً للجزيرة أبا، وفور دخول السلاح للجزيرة أبا بدأ الخبر ينتشر حتى وصل للحكومة، ومنذ أن تم إدخال الدفعة الأولى من السلاح أمر الإمام ـ بعد إدخال الدفعة الثانية من السلاح ـ أن هذا السلاح يكفي وكميته كبيرة، وكانت هذه ضربة كبيرة بالنسبة لنا لأن السلاح كان كثير جداً بالخارج، وكنا نود إدخاله، وتردد الأمام قليلاً، لكنه بطريقة قاطعة أوقف تدفق السلاح، ومنع خروج أي أحد إلى المعسكرات بالخارج.
< من الذي اختار الجزيرة أبا للمواجهة؟ > لا أدري، لكن كل القرارات كانت تتخذ في الموقع وكانت تأتينا الإشارة بالعمل، ولم يكونوا محتاجين أن يتناقشوا مع أية جهة أخرى.
< هل جاء الخيار من الإمام باختيار الجزيرة أبا؟ > أبداً لم يكن له دور في الاختيار، وهو منذ أن رأى السلاح وهو داخل الجزيرة أبا لم يوافق على هذا الأمر لكن الإخوة بإثيوبيا مهدي إبراهيم، وعثمان خالد مضوي، والشريف حسين، قرروا أن يكون التدريب بالخارج والمواجهة بالداخل، والإمام بعد دخول الدفعة الأولى من السلاح رفض إدخال دفعة أخرى، ولم يوافق بهجرة عدد آخر من الأنصار، ولذلك اضطر الإخوان مهدي إبراهيم، ومحمد صالح عمر للذهاب لتدريب الأنصار داخل الجزيرة أبا، ولم تكن الجزيرة أبا مناسبة لمواجهة نظام شرس مثل نظام نميري والتحق بهم من الداخل محمد محمد الصادق الكاروري، وعز الدين الشيخ، وبابكر عبد الله، وبعض الإخوة من الحركة والأنصار.
< ما هي قصة اعتقال أحمد سعد عمر على الحدود الإثيوبية؟ > طبعاً أحمد سعد عمر أمير وحفيد السلطان علي دينار، وهو رجل مهذب جداً كان قادماً للسودان من إثيوبيا، فاعتقلته السلطات الإثيوبية فتحدث معهم باللغة الأمهرية وفيه شبه بالإثيوبيين فتم إطلاق سراحه، واعتقلته السلطات السودانية في الحدود فأخبرهم أنه إثيوبي فاُطلق سراحه وكان هو من المؤثرين في هذا العمل، وهذه الفترة كانت من أصعب الفترات لأن الشريف حسين شعر أن هناك خطورة في الأمر والتدريب تم إلغاؤه في إثيوبيا، لأن المدرب الذي ذهب للجزيرة أبا لم يتركوه يخرج وتم حبسه لمدة ستة أشهر وكان أولاده في الكويت يسألون عنه دوماً.
< ألم تشعر الحكومة بشيء غريب يجري في الجزيرة أبا؟ > جاءت معلومات لحكومة نميري ساهم فيها عدد من الناس وهم أقرب الناس للأنصار ويعملون بالقوات المسلحة بأن هناك سلاح دخل الجزيرة أبا وأن هناك تدريباً يجري هناك، فبعثت الحكومة اثنين من الضباط أحمد محمد أبو الدهب وقد توفي قبل فترة، وحسن أمين متزوج من ابنة أزهري، وهذا بعد أن قطع الأنصار زيارة نميري ولم يتركوه يدخل ورجع من الكوة بالباخرة، فأرسل هذين الضابطين الذين دخلا بعد صعوبة للجزيرة وبعد موافقة الإمام على دخولهما فقد قام الأنصار بتقطيع دبابيرهما وتحقيرهما ورفض دخولهما.
< كيف استقبلهما الإمام؟ > بعد موافقة الإمام دخلا لمقابلته وأخبرهما بعدم رضاه عن الوضع الموجود في السودان ويمكن أن يحدث تفاهم وكتب لهما مذكرة وسلمها لهما، هذه المذكرة فيها أنه يريد الحكم بالشريعة والحريات العامة للناس وإزالة الواجهة الشيوعية.
< هل تم تسليم المذكرة للنميري؟ ــ لا أعتقد لأنني سألت السيد الصادق المهدي فنفى لي الأمر وأفادني بأنه غالباً المجموعة المستهدفة الجزيرة أبا هم الذين حجبوا المذكرة من وصولها للنميري. < ماذا تم بعد ذلك؟ > قررت الحكومة بعد هذه المواجهة بين الضباط والأنصار أن تضرب الجزيرة أبا، ونعلم أن الحكومة استعانت بسلاح الطيران المصري وجاء الطيران ووزع منشورات تطالب الناس بمغادرة الجزيرة أبا حفاظاً على أنفسهم وأرواحهم، وقد حدث قصف لكن لم يكن كبيراً، حكى لي مهدي إبراهيم أنه ومحمد صالح عمر قررا أن يقوما بعمل انصرافي لتوجيه الجيش لاتجاه آخر ويخلقا معركة في غير معترك حتى يتمكن الإمام من الخروج من الجزيرة أبا وبالفعل بدآ في حرق أقطان محلج ربك لكن لم تكن لديهم الخبرة الكافية لتعطيل الكهرباء فتم التعطيل جزئياً وأضرموا بعض الحرائق وتمت مواجهتهم بصورة حادة من جانب الجيش.
< هل استطاع الإمام الخروج؟ > في الوقت الذي تمت فيه هذه المواجهات خرج الإمام ومعه مجموعة من الأنصار وكان خروجه حسب مقدراته في هذا الأمر وكانت ضعيفة وكانت حركته بطيئة بعض الشيء ومعه مجموعة من إخواننا الحركيين واستقلوا لوري ومعه بعض أقاربه ابنه وابن اخته وخاله وكثير من الأغراض التي تخصه وبعض الهدايا ورفضوا أن يأخذوا معهم سلاحاً وتوجه مسار المجموعة المرافقة للإمام نحو الحدود الإثيوبية وتركوا اللوري يرجع أدراجه.
< في الجزيرة أبا كيف سارت الأمور بعد خروج الإمام؟ > تم القبض على الناس في الجزيرة ووضعوهم في معسكرات أقاموها في مدارس منهم مهدي إبراهيم، أخبرني بأن بعض الناس تم دفنهم فيهم رجل مشلخ ويرتدي نظارات وشعره ناعم فاستيقنت أن محمد صالح عمر استشهد في هذه المعركة. بعد أن تكاثر العدد في المعسكرات وجد مهدي إبراهيم فرصته في الخروج من المعسكر وبحكم معرفته بالمنطقة ذهب في الطريق المتجه للدمازين ــ الكرمك ووجد لوريا معطلاً ساعد أصحابه في إصلاح العطل وركب معهم وذهب لصديقه محمد أحمد الشيخ في ربك فأخذه في سيارته وأوصله الحدود الإثيوبية بعدها بيومين وصل لمنزلي بجدة وذلك بعد ضرب الجزيرة أبا بأربعة أيام وكان يبدو عليه التعب والإرهاق.
< في ذلك الوقت أين وصل موكب الإمام؟ > في ذلك الوقت توجه مسار المجموعة المرافقة للإمام ، عز الدين الشيخ وبابكر عبد الله قد اقتربوا من الحدود وتركوا اللوري يرجع أدراجه وهم في طريقهم للحدود الإثيوبية قابلهم لوري من الجهة المقابلة لم يهتموا كثيراً باللوري لأن المنطقة منطقة تهريب، لكن صاحب اللوري حال وصوله للحدود السودانية أبلغ الشرطة والأمن بالمجموعة فتمت مطاردتهم وأثناء المطاردة صوب أحد أفراد الشرطة عياراً نارياً أصاب الأمام في فخذه وترتب عليه نزيف أدى لموته.
< ألم يمت بمانجو مسمومة كما ذكرت رواية هيكل؟ > بالتأكيد لا. لأنهم كانوا في طريق الدمازين الكرمك وحديث هيكل لا أساس له من الصحة وهو محض افتراء على التاريخ.
[/JUSTIFY]

حكاوي – بقايا مداد
أمينة الفضل
[email]aminafadol@gmail.com[/email]