البيان التحذيري!!
< هل ضاقت الحكومة بالصحافة ذرعاً، بعد أن روت الأخيرة عطشها وظمأها من منهل الحريات وسكرت من خمرها؟ وهل صار عمر هذه الحريات قصيراً إلى هذه الدرجة التي تخاطب بها الصحافة بالبيان الرئاسي التحذيري الذي صدر في وقت متأخر من ليل أول أمس؟ أم أن الأمور ينظر لها من زاوية أخرى وتقييم مختلف؟! < القضية بالنسبة لنا معشر الصحافيين حساسة للغاية، فالقضايا الواردة في البيان الرئاسي التحذيري المتعلقة بالأمن القومي والقوات النظامية والمؤسسات العدلية، لا خلاف حولها والتحذير منها واجب، لكن الشعور بقرب نزع الحرية بعد منحها من الصحف أمر صعب للغاية تحمُّله ولا يمكن أن يستسيغه أي صحافي يمارس مهنته وهو راضٍ عن نفسه وضميره.. لأن الأصل في الممارسة الصحفية الحرية، شريطة أن تترافق معها المسؤولية المهنية والأخلاقية. < حالة الجنوح الصحفي والتجاوزات التي تحدث هنا وهناك، إن لم تستطع السلطة تحملها وتقبلها، ستظل العلاقة كما هي بين الصحافة التي لا صولجان لها والسلطة التي تستطيع أن تفعل كل شيء. لكن ثمة قاسماً مشتركاً بين الطرفين يتجسد في مراعاة مصلحة البلاد العليا، فالجميع شركاء في وطن حكاماً ومحكومين، وإذا تجلت وظهرت الثوابت والمحاذير والخطوط الحمراء وكيفية التعامل معها، فإن التقيد بها واجب لا مناص منه ولا مهرب. < إذا تجاوزت الصحافة هذه المشتركات والخطوط الحمراء المتفق عليها ستوقفها السلطة عند حدها بلا شك، ولو تجاوزت السلطة في المقابل فمن حق الصحافة أن تناصحها وتكشف لها موطن الزلل وموقع الخلل.. فلا ضرر ولا ضرار. < لكن العلاقة بهذا الشكل والحساسية.. وسط واقع متغير باستمرار والأرجل غائصة في رمال متحركة، لن تتقدم وتثمر، ومن الأسلم أن تخرج الصلة بين الجانبين إلى مربع جديد قوامه المراعاة الواجبة لما يشجع على الاحترام ويثير ويهيج كل طرف، الأمر الذي يقوده إلى التصادم مما يستدعي التعامل وإطلاق التحذير. < الصحافة انعكاس لما هو في الواقع اليومي، فكيف ما تكونوا تكون صحافتكم، فإذا كان الواقع مليئاً بالتوترات وأرضه كحقل ألغام، ووراءه عند كل باب تربص وترصد، فالمشي بالنسبة للصحافة يكون أقرب للمشي وسط ممر ضيق امتلأ بالأشواك والمتفجرات.. فأية معركة مع السلطة تخسرها الصحافة، لأنها لا تملك غير وهج الأحبار وأسنة الأقلام ولا تحوذ سلاحاً آخر. < في ظروفنا الحالية لا يمكن التنبؤ مسبقاً بما تفعله الحكومة حيال النشر الصحفي اليومي وبعضه يلامس خطوطها الحمراء ونصال الصحافة تصل اللحم الحي وحدها العظم، فلتجأ الحكومة إلى إطلاق تحذيراتها وإصدار بياناتها منعاً للتصادم ودرءاً للاحتكاك. < فحكومتنا ظهرت لنا بالأمس من خلال بيان الرئاسة التحذيري غضوبة وحازمة، تنذر وتتوعد وتحذِّر من خطورة التجني على أمن الوطن والقوات المسلحة وهيبة الأجهزة العدلية وحماية حقوق أفراد المجتمع من أخذهم بالشبهات وهدم الكيان المجتمعي، وألا يؤخذ شخص بالشبهات دون تثبت، وهذه كلها مبادئ عامة متفق عليها لا يخالفها إلا وامق.. ولا ينبغي لأحد أن يتجاوز هذه الخطوط الحمراء ويتعمد الوقوع في حفرة الخطايا التي لا تغتفر، وبغض النظر عن موقف الحكومة ودرجة غضبها فهي إن بطشت بالصحف تبطش بطش جبار.. فقد تعودنا نحن أهل الصحف على هذه الغضبة ونقبل على بعض متلاومين. < لكن هذه المرة سبقت حكومتنا إجراءاتها بالتحذير وهو أمر يحدث لأول مرة، لقد أُعذر من أُنذر، فويل للصحافة من شر مستطير إن حادت عن الجادة هذه المرة، وكنا في السابق نشاغب الحكومة ونناوشها ونعابثها، لكن يبدو أن جدها اليوم جد وهزلها جد!! [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة