نواب.. عَيْنَة
في برنامج إذاعي حواري مباشر مع الجمهور.. سمعت المذيع يعلن للمستمعين أن موضوع حلقة اليوم سيكون عن (الإحباط).. وقال إنه نسبة لأهمية موضوع (الإحباط) فإن الحلقة ستخصص كاملة له.. ويبدو أن بعض المستعمين (خاصة في القرى البعيدة) جاهزون في انتظار فتح خط الهاتف في مثل هذه البرامج.
اتصل مستمع من إحدى قرى ولاية متاخمة للخرطوم. وقال: “الليلة موضوعكم جميل والله.. “الإحباط” حاجة جميلة نتمنى أن يعم كل السودان”.. لم يستطع المذيع التحكم في غضبه فقاطعه في الحال قائلاً: “والله في بعض المستمعين ما عندهم شغلة.. وبتصلوا بينا عشان يسمعوا صوتهم بس”..
بصراحة شعور هذا المذيع انتابني أمس وأنا أقرأ في الصحف خبراً عن جلسة البرلمان أمس الأول.. والتي شن فيها بعض النواب هجوماً قاسياً على الإعلام.. يقول الخبر: “… إلا أن أحد النواب حمل الإعلام مسؤولية تدهور أوضاع الدولة ووصفه بغير المنضبط، حيث قال كيف يتحدث الإعلام عن الفساد ليهرب منا المستثمرون؟ مضيفاً أن الإعلام بهذه الطريقة سيجعل الشعب يفقد الثقة في نفسه وفي قيادته. ثم طالب البرلمان بعمل ميثاق شرف مهني يضبط الإعلام”.
أجدني مثل ذلك المذيع أردد: “والله في نواب ما عندهم شغلة.. وبيتكلموا في البرلمان عشان يسمعوا صوتهم بس..”.
بالله عليكم.. هل يهرب المستثمر بسبب (الحديث!!!!) عن الفساد.. أم بسبب (الفساد)؟
ليت هذا النائب المحترم أرهق نفسه باستقصاء بسيط سهل.. ليسأل خمسة فقط من المستثمرين الهاربين: (لماذا هربتم؟؟).. عندها سيسمع القصص والحكاوي المثيرة.. ليس من بينها قط (مانشيتات) صحف الخرطوم.. أو تحقيقاتها عن الفساد.. وراء كل مستثمر هارب.. قصة (فساد) وليس (حديثا!!) عن الفساد.. يستحق أن يسمعها عضو البرلمان المحترم..
وأي فساد..!
الفساد هنا يتعدى السطو على أموال المستثمرين وتجريدهم من المخيط والمحيط برسوم ابتزازية.. بل يصل ويرتقي إلى (فساد الإجراءات).. أطنان من الأوراق والشهادات والمستندات والأختام والتواقيع تقف في طابور طويل تنتظر المستثمر.. لا لشيء إلا لتجعله بين خيارين.. خيار (درب السلامة للحول قريب).. وهو خيار قد لا يصل حتى بعد (الحول).. وخيار الدرب الأخضر.. مفروش بالدولار الأخضر.. يسلك الـ(Fast Track).. وهو خيار خارق حارق.. خارق لكل الروتين لكنه حارق للمال.. وأيضاً قد لا يصل.
لفائدة العضو البرلماني المحترم.. قصص حقيقية جاهزة لمستثمرين (هاربين) يمكنه الاتصال بهم هاتفياً.. ليسمع أسباب الهروب.. ولن يجد بينها إشارة واحدة للإعلام والصحافة.. فوراء كل مستثمر عظيم.. قصة هروب عظيمة..
نحن نضيع الوقت مع سبق الإصرار والترصد.. الحلال بيَّن والحرام بيَّن.. الاستثمار يحتاج لبيئة أول بند فيها هو (سيادة القانون).. وثانيها (الشفافية).. هل تتوفر هذه المعطيات في بيئة بلادنا الاستثمارية؟ الإجابة أتركها لضمير البرلماني الغاضب من الإعلام.
وعلى رأي الشاعر الكبير نزار قباني:
“ما جدوي فراديسي
ولا إنسان يدخلها؟.!!”
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]