داليا الياس

مشغول حاليا

[JUSTIFY]
مشغول حاليا

* كلنا يشعر بتراجع معدلات التواصل الحميم داخل مجتمعنا السوداني لا سيما سكان المدن.. فقد تغولت المدنية اللاهثة على مواطن الجمال والشوق والتراحم والتسامح بأعماقنا حتى كادت القسوة فينا تتمدد لتنال من أقرب علاقاتنا الإنسانية حتى داخل إطارنا الأسري الصغير.
ويقال إن عجلة الحياة هي التي تدور بنا بسرعة وخوف من المجهول، جعلنا نخرج التواصل من قائمة أولوياتنا ونجعل منه أمراً ثانوياً إذا قام به أحدهم مرة في الشهر سقط عن الباقين!!
فمتى كانت آخر مرة قمت فيها بزيارة خالك أو عمتك أو قريب لك في ضيق أو مريض اقعدته علة مزمنة من بني رحمك أو حتى جارك في الشارع الخلفي؟.
أعلم أن كثيرين سيفندون ادعائي هذا ويتشدقون بكونهم على تواصل دائم مع المذكورين أعلاه وقد يكون.. ولكني أتحدث من منطلق مشاهداتي ومعايشاتي وحالاتي الشخصية.. فأنا أعترف بالتقصير الشديد في هذا الأمر وقد لا أجد عذراً منطقياً مقنعاً لكل العاتبين على كون السبب الوحيد المتاح بذريعة الانشغال الدائم والمسؤوليات الجثام والزمن (الممحوق) لا تقنعني أنا شخصياً ناهيك عن بقية الأطراف.
* وبالنظر إلى واقعي المتواضع وجدت أن هذا المدعو (المحمول أو الجوال أو الموبايل أو الهاتف السيار) واحد من أقوى أسباب (جفانا)!!! فقد بدأنا نعتمد عليه كلياً في التواصل.. ونكتفي بمجرد اتصال قصير حالما سمعنا أنباء مفرحة أو محزنة أو طال أمد غيابنا عن أحدهم.. ربما في حالات الحزن وحده يخضع الأمر لشيء من التقدير الذاتي فبعض الأحزان نكتفي فيها بمكالمة والآخر يستدعي تكبد مشاق الوصول شخصياً لموقع الحزن.. وذلك يتوقف على حجم الفقد والألم ودرجة القرابة.
أما الأفراح والتهانئ والأشواق فنكتفي غالباً – ببثها عبر الأثير مع وعد قاطع بزيارة مرتقبة لا يلبث الوعد بها أن يتلاشى في خضم الأحداث اليومية المتلاحقة والمتسارعة.
* إذاً، وبرغم الفوائد العظيمة التي متعنا بها الهاتف المحمول إلا أنه شأنه شأن العديد من أجهزة التكنولوجيا الحديثة أثر بصورة واضحة في أرواحنا وأحاسيسنا وأسلوب حياتنا.. لهذا تجدنا نتفق على أن القرى الوادعة البعيدة نوعياً عن الحداثة لا تزال تتمتع بالكثير من عاداتها وتقاليدها الاجتماعية العزيزة , فتجد أهلها متضامنين كالعهد بهم في جميع المسرات والمضرات.. ويغمرونك بكامل الدفء والمحبة حالما أتيتهم زائراً حتى أنك تشعر بأن روحك أشبه ما تكون بأرض خصبة شققها الجفاف ثم هطل عليها فيض تحنانهم فرواها ورطبها ليفوح منها عبير الطين المنعش.
وكلما اجتهدنا في التحايل على سطوة الاتصالات بمختلف تقنياتها، على علاقاتنا الإنسانية تجدها ترغمنا على النكوص.. بعض العائلات العريقة التي فطنت لاتساع هوة الشقاق بدأت في تحديد يوم معين من الشهر للتلاقي الأسري الجامع داخل أحد البيوت أو خارجها في واحد من الأماكن العامة المفتوحة يكون ملزماً للجميع بالحضور.. ولكن بعض تلك التجارب تبوء بالفشل لأن أعضاء المجموعة يبدأون شيئاً فشيئاً بالاعتذار عن الحضور الراتب لأسباب قاهرة حتى يبدأ ذلك التجمع في التلاشي لتحل محله بعض الاتصالات الهاتفية القصيرة والرتيبة وكأنها لا تتجاوز أداء الواجب..
أما السبب الأكبر في ما يحدثه الجوال من جفوة فأن تتصل على أحدهم فيرن جرس هاتفه مراراً ولا تتلقى رداً.. وبتكرار العملية تصل لقناعة مطلقة بأنه يتعمد تجاهلك ولا تعد تجد له أسباباً منطقية لعدم الرد لا سيما وأنه لم يعد ليتصل بك في وقت لاحق معتذراً عن إنشغاله, وبهذا تستسلم لاعتقادك الجازم بتعمده عدم الرد كونه لا يريد التحدث معك وتقرر عدم الاتصال به مرة أخرى ويتطور الأمر ليتحول إلى جفوة كاملة تشمل البرود في التعامل حالما قدر لكم اللقاء وعدم التزاور والتلكؤ في القيام بالواجبات الاجتماعية وقطع جميع الصلات، وكل ذلك فقط لأنه لم يرد على تلفونه يوم تكرمت بالاتصال عليه!!! خسئت أيها الجوال.
* تلويح:
إيه.. أسباب جفانا؟!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد

  1. [COLOR=#FFFF00][B][FONT=Arial Black][SIZE=2]سلام عليكم ورحمة الله
    ونشكر لك هذا المقال الجميل الذي قد لا يقراءه الجميع
    وثانيا انا واحد من الاشخاص الذين لا يفكرون مجرد فكرة باان اتواصل مع اقاربي وبالاخص مقربين جدا ك الخال او العم الخ.
    لان البعض يرى فينا الدونية والذل اذا قمنا بزيارتهم وهنالك اساسا من لا يفتح لنا الباب.من تجربة شخصية وجدت ان الانعزال عن اقاربي يجعلني اكثر تفائلا بالحياة واقل غضبا لي سنتين تقريبا لم ارى فيها ابناء خالي واحمد الله على هذه النعمة
    الاخت الكريمة اليوم وغدا وفي المستقبل القريب ستظل هذه العبارة في رؤوسنا((صلة المادة اقوى من صلة القرابة))
    تحياتي[/SIZE][/FONT][/B][/COLOR]