احتقار البحث العلمي!!
< توافق تحذير البرلمان من كارثة وشيكة بالبلاد بسبب ضمور وقلة التمويل المخصص للبحث العلمي، مع مقال جدير بالقراءة كتبه في «الإنتباهة» في عدد الأمس، الدكتور هاشم حسين بابكر حول هذه القضية المنسية والمهملة، حيث يقع البحث العلمي في بلادنا عند أخمص قدمي الدولة وفي أسفل سلم اهتماماتها!! < وليس ذلك في السودان وحده بل في العالم العربي وإفريقيا، حيث لم تستطع الحكومات والأنظمة التعامل مع حقيقة أن البحث العلمي هو المدخل الحقيقي للتنمية والنهضة والرفاهية والتقدم، ولم تحقق الدول المتقدمة نجاحاتها إلا عن طريق البحث العلمي وتطبيقاته في المجالات المختلفة العلمية والاقتصادية والصناعية والزراعية والتقنية وغيرها. < ومن المؤسف أن يكون نصيب البحث العلمي في السودان أقل من «0.02%» وهو جملة ما يصرف على هذا المجال المهم من جملة «1%» خصصتها رئاسة الجمهورية من الدخل القومي كالتزام وطني وإقليمي. < وكل حديث عن النهضة والبناء والتقدم في بلادنا يظل أكذوبة كبيرة إذا كان البحث العلمي والعلماء والخبراء وأهل المعرفة، هم آخر ما تفكر فيه الدولة وتخصص له جعلاً من المال يفي بأغراض البحث والدراسة والعلم والتكنولوجيا، مما تساعد في النهوض بالحياة وصنع الرفاهية وإسعاد الإنسان، وتلك هي الغاية من العلم والمعرفة. < وبالرغم من أن الدولة خصصت وزارة للبحث العلمي والتكنولوجيا قبل سنوات، إلا أن الناتج العملي لا يرقى إلى حاجتنا إليها، وبالسودان علماء أفذاذ وباحثون لا يشق لهم غبار وخبراء كبار في شتى المجالات، لديهم قدرات معرفية ودراية وعلمية، لو وجدوا ما يعنيهم على تجسيد نتاجات عقولهم لقفز السودان إلى مقدمة الدول الناهضة ولاستطاع حل الكثير من مشكلاته الراهنة وإزاحة التخلف التنموي والإنتاجي، وهذه الثروة من العلماء والمختصين لا تقدر بثمن، وإهمالها هو أكبر أخطاء السياسة وأهل الحكم في مختلف الحقب الوطنية!! < وغني عن القول أن الدول التي نهضت ظلت تخصص للبحث العلمي ميزانيات تساوي أضعاف أضعاف ما نخصصه نحن في العالم العربي وإفريقيا، فإسرائيل تصرف وتخصص ما يقارب « 30.6%» كدعم من الحكومة و 52% من القطاع الخاص للبحث العلمي من جملة الناتج الإجمالي، وقد أُنشئ المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا والبحث العلمي عام 1925م، قبل قيام إسرائيل بثلاث وعشرين سنة، ومعروف أن عالم الفيزياء المعروف البرت أنشتاين وهو يهودي كان أول من رُشح لرئاسة دولة الكيان الصهيوني واعتذر بحجة تفرغه لخدمة إسرائيل عبر البحث العلمي، وتم اختيار حاييم وايزمان عالم الكيمياء الحيوية ليكون هو الأب المؤسس للدولة. وتحتل إسرائيل المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان في البحث العلمي والتكنولوجيا في شتى المجالات. < إذا كان البحث العلمي هو بوابة الدخول إلى التقدم والازدهار الاقتصادي والتقني ويعني الإمساك بدفة الحياة نحو المستقبل وجسر العبور إلى النهضة الشاملة، فإنه يتعين علينا إعادة النظر في كل أولويات الدولة والمجتمع والقطاع الخاص، وتوجيه مواردنا إلى حيث النفع والاستفادة من عقول أبناء هذا الشعب ومفارقة وهاد التخلف والجهل والفقر والمرض. < وتوجد قناعة لدى كثير من العالمين ببواطن الأمور، بأنه لا سبيل لمعالجة القضايا التي يعاني منها السودان إلا بتطوير البحوث العلمية وجعل مؤسساتها والجامعات والمعاهد العليا منارات علم وبؤر تفكير وبحث تعالج القضايا التي نعاني منها وتؤسس قاعدة علمية للإصلاح الاقتصادي والمعرفي والتربوي والدفاعي، ويقود كل ذلك إلى تغيير الحياة. < إذا كانت هذه أزمة في محيطنا العربي والإفريقي، فإنها لدينا أكبر بسبب حاجتنا إلى التقنية وتوطينها، وإلى دقة البحث العلمي للاستفادة من الفكر العلمي الموجود في السودان لتطوير الموارد وفتح الآفاق نحو بناء جديد للدولة السودانية عن طريق العلم والعلماء. < وبما أننا غارقون في تبديد الأموال في ما لا يفيد، فإن ثقافة جديدة لا بد أن تسري في المجتمع والدولة بأهمية البحث العلمي، ولا بد من إرادة وطنية شاملة تقود هذا الاتجاه، فنحن نعرف لماذا تخلفنا ولماذا نعاني ونعرف أيضاً أين هو الطريق.. فالدولة مطالبة اليوم قبل الغد وكذلك القطاع الخاص بدعم البحث العلمي وتخصيص أضخم الميزانيات له حتى نلحق بمن سبقنا في دول العالم وشعوبه المختلفة.. لدينا العقول والخبرة والعلم فقط نريد المال!! [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة