مقدمة الوصاية الدولية
< وافق مجلس الأمن الدولي أول من أمس في قرار بالإجماع على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية، لتوسيع تفويض قوات الأمم المتحدة يونميس بدولة جنوب السودان، وأصبح بعد صدور القرار، من مهام القوة الدولية بدولة الجنوب التي يبلغ عدد أفرادها «12.250» جندياً، حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية والإشراف على دعم تنفيذ الاتفاق لوقف العمليات العسكرية الذي وقع بين الطرفين في التاسع من هذا الشهر بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. < ومدد المجلس مهمة القوات الأممية ستة أشهر أخرى، وهو إجراء روتيني يتم في مواقيته، لكن واشنطون دعت إلى نشر مزيد من القوات الإفريقية من دول الإيقاد «2500 جندي إفريقي» أو قوات أخرى تحت قبعات الأمم المتحدة لتمكين اليونميس من أداء مهامها الجديدة. < قد يبدو هذا القرار الأممي الجديد عادياً للوهلة الأولى ومتسقاً مع مقتضيات الحال في دولة الجنوب وضمن مهمة الأمم المتحدة، لكن خطورته تكمن في أنه يمهد دون أدنى شك لجعل الجنوب محمية تقع تحت الوصاية الدولية بالكامل، وكانت بعثة الأمم المتحدة قبل هذا القرار تقوم بمهام محددة وغير مسموح لها باستخدام كل الوسائل الممكنة كما جاء في القرار الأخير، مما يعني أن التخويل باستخدام القوة وتحويل المهمة إلى مهمة قتالية محضة لفرض واقع معين، هو عين ما ذهب إليه القرار الذي أتاح للقوة «استخدام كل الوسائل الضرورية لحماية المدنيين ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق بشأنها، والمساعدة على إيصال المساعدات الإنسانية، ودعم اتفاق وقف العمليات العسكرية»!! < وما يمكن فهمه أن القوات الأممية أصبحت معنية بشكل مباشر بوضع حد للاقتتال في دولة الجنوب بما أُضيف إليها في مهامها بدعم اتفاق وقف العمليات العسكرية، لأنه لا يمكن تفسير هذه الفقرة بغير التدخل المباشر لفرض الواقع المُراد فرضه في الجنوب، بالرغم من الشكوك الكثيفة حول مدى قدرة القوات الأممية قياساً بحجمها وتسليحها على التأثير في مجرى الحرب ووقفها بين طرفي النزاع. < وسعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع الاتفاق الذي تم تحت ضغوط كثيفة منها، إلى التعجيل بتنفيذ الاتفاق ومنع فشله، ومن لحظة التوقيع عليه دعت الخارجية الأمريكية إلى نشر مزيدٍ من القوات الإفريقية في دولة الجنوب لمتابعة تنفيذ الاتفاق، ويترافق ذلك مع وجود القوات اليوغندية التي تقاتل إلى صالح حكومة دولة الجنوب، وقد تم ذلك بإيعاز من واشنطون ودعمها للخطوات التي أقدم عليها الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني بتدخل قواته المباشر وتورطها في حرب الجنوب الدامية. < ويتضح من كل ذلك أن الأوضاع في الجنوب تتجه إلى مزيدٍ من التعقيد في حال البدء الفوري والعملي في تنفيذ القرار الأممي، وشكت بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان من اعتداءات متكررة عليها من طرفي النزاع الحكومة والمتمردين، كما وُجهت اتهامات من أطراف جنوبية عديدة في مقدمتها الرئيس سلفا كير نفسه، ضد مواقف ونشاطات السيدة هيلدا جونسون ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في جوبا والدور الذي لعبته قوات المنظمة الدولية في النزاع المسلح بين جوبا ومعارضيها. < وخطورة هذه التطورات الجديدة المترتبة على القرار وتحديد المهمة الجديدة للبعثة الدولية، تتمثل في أنها لا تفتح الباب أمام التدخلات الدولية السافرة في هذه الدولة الوليدة فحسب، بل تتعدى ذلك إلى ما هو أكثر خطورة، حيث يجري الآن التحضير لترتيبات أمريكية يكون مؤداها النهائي تغيير التركيبة الحاكمة وفرض مجموعة جديدة أو الطرف الثالث «مجموعة باقان أموم» كخيار لحل الأزمة الجنوبية، وغداة توقيع الاتفاق في التاسع من مايو الحالي قدمت واشنطون مقترحها بتكوين حكومة انتقالية تُسند رئاستها لباقان أموم، وقد اعترض طرفا النزاع في ما يبدو على ذلك أو تحفظا عليه. < ولن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تمرير كل مشروعها في دولة الجنوب، دون أن تجد ذرائع تسهل ذلك وتدابير على الأرض تساعد على تنفيذه، فهذه مقدمة لما ستؤول إليه الأوضاع في الجنوب الذي يتجه بقوة للوقوع في براثن الوصاية الدولية. [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة