حديــــث كرتـــي.. مهزلـــة انتخابات.. الحـــوار الوطني.. وأضغـــاث مدينـــة
حديث كرتي
نفت وزارة الخارجية في تصريح صحفي لها ما نشرته الصحف نقلاً عن حوار أجرته صحيفة «الحياة» اللندنية مع الوزير.. تناول فيه العديد من القضايا خاصة علاقات السودان بمحيطه العربي وإيران.. وجاء في حديث الوزير كثير من النقاط والإفادات المثيرة للجدل اهتمت بها صحف الخرطوم سواء أكان النقل غير دقيق أو صحيحاً، لكن لا يمكن أن يقال أن الصحف المحلية حورت وبدلت وسعت لتأويل حديث السيد الوزير عن رفض السودان إقامة منصات صورايخ دفاعية إيرانية في أراضيه قبالة البحر الأحمر.. وجاء في الحديث المنسوب للوزير أنها لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، وفي بعضها.. في مواجهة أو لمواجهة السعودية!! والحديث كان عن حادثة مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م. ونقلت الصحف بـ «النص» عن الحياة اللندنية التي أجرت الحوار مع السيد كرتي خلال زيارته الأخيرة للسعودية.
ما ورد في حديث السيد علي كرتي في سياقه العام صحيح ويتسق مع الحالة الراهنة لعلاقات السودان العربية والدولية، وربما يكون هو صريح أكثر مما يجب، لكن علي الوزارة ألا تتحسس مما ينشر، فما نشر ليس من فراغ ولا يمكن أن تخترعه الصحف وتصنعه من خيالها.. ومن غير المتوقع أن يثير أية ملاحظات هنا أو هناك أو تأخذه بعض الدول على محمل الجد، خاصة أنه لصالح الرؤية الكلية للسياسة الخارحية وليس عليها وضدها.
ولا نريد من توضيحات وزارة الخارجية أن تكون وكأنها ردود على ما يرد في الصحف، عليها تصويب المعلومات دون أن تثير حساسية مع الصحف!!
مهزلة انتخابات
يجمع كل من تابع وراقب الانتخابات المصرية المعروفة نتيجتها قبل الاقتراع وعدد الأصوات، أنها لم تصل أبداً إلى المعايير والمواصفات الدولية وكانت مجرد مهزلة لا غير.. وانتهت إلى هدفها المطلوب بجعل عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر بشرعية مشكوك فيها وبفوز أسوأ من الهزيمة!!
قالت صحيفة أورشليم بوست الإسرائيلية التي كانت تعلق آمالاً كبيرة على نجاح السيسي وتأييد الشعب له، إن المزاج العام للشعب المصري لم يكن مؤيداً للسيسي ولا لإجراء الانتخابات نفسها، في إشارة واضحة من أكثر حلفاء الانقلاب في مصر إلى أن الشعب المصري بنسبة كبيرة جداً قاطع الانتخابات الرئاسية المصرية التي فضحها حتى أصحابها والإعلاميون المصريون والقنوات الفاضائية التي جعلت من أيام الانتخابات الثلاثة بيوت عزاء على انتصار كان مكفناً بالفشل.
هذه الشرعية المنقوصة أو المفقودة للرئيس الجديد في مصر في ظل الانقلاب، ستعيق أي إصلاح حقيقي في مصر، ولن تساعد على تهدئة الأوضاع التي زادت بتعمق الانقسام المجتمعي، وخلو وفاض الرئيس الجديد من تأييد أكبر وأهم شريحة في المجتمع المصري وهي الشباب الذين عافت نفوسهم المشاركة في الانتخابات وأبتها نفوسهم مثل جيفة متحللة.
فما الذي سيفعله رئيس جديد لا يحظى بتأييد شباب بلده وهم حاضره ومستقبله، وهم قادة التغيير الذي حدث وأفضى إلى ما عليه مصر اليوم.. تتحول الأوضاع المصرية من أزمة سياسية بلا حل، إلى أزمة سياسية اجتماعية يصعب التعامل معها وتجاوزها، خاصة أن المرشح الفائز لم يقدم برنامجاً ولا مشروعاً لمعالجة الأزمة المصرية كلها.. فقد اختصره محمد حسنين هيكل أحد عرابي الانقلاب بأنه «مرشح الضرورة».
الضرورة في كل حالاتها لا يمكن أن تضع مخارج وحلولاً فهي لا تنتج إلا أزمة تلد أزمات.. ولن تستطيع مصر عبور ما عليه اليوم في ظل الشقاق والانقسام الحاد والتردي الاقتصادي والعزلة الدولية، ولا يظهر أن الرئيس الذي سيتولى سلطة في محل اشتباه شرعي ولا يعترف بها غالب الشعب المصري لديه ما يمكن أن يقدمه من حلول تنتشل بلده مما هي فيه، فالشعب حين صمت وقاطع قال كلمته.. والأيام حبالى يلدن كل جديد!!
الحوار الوطني
لا نفهم ما تفعله الحكومة في قضية السيد الصادق المهدي.. ففي الوقت الذي تعلن فيه ويبح صوت حكومتنا بأن قضية رئيس حزب الأمة القومي قانونية لا علاقة لها بالشأن السياسي ويجب ألا تكون.. تعمل الحكومة نفسها على حقن هذه القضية بمصل وجرعة سياسية كبيرة لتسييسها!!
ففي إطار الحوار الوطني سمحت الحكومة لوفد من أحزاب المعارضة وناشطين سياسيين بزيارة السيد الصادق المهدي في محبسه بسجن كوبر لاستجلاء موقفه من قضية الحوار الوطني والتي أعلن السيد الصادق نفسه تمسكه بالحوار والوفاق وهو عضو في آلية الحوار التي تم تكوينها.
إذا كانت الحكومة تبحث عن مخرج لقضية السيد الأمام فلتفعل وبمقدورها وفق القانون والدستور والسلطات المخولة لوزير العدل أن تجمد البلاغات ويتم الإفراج عن رئيس حزب الأمة المحبوس.. ولتفعل ذلك دون البحث عن غطاء سياسي، فلا معنى لزيارات السياسيين وممثلي أحزاب الحوار لموقوف في قضية لا علاقة لها بالسياسة وفق المواد التي حررت ضده فهذا تناقض غريب!!
لكن مع ذلك فإن أفضل ما فعلته الحكومة هو منعها للسيد ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التي تتولى الوساطة في مفاوضات المنطقتين، من مقابلة السيد الصادق، خلال زيارته الأخيرة، حتى لا تستغل حوائط السجن لتكون مزاراً سياسياً وحائط مبكى جديداً.. فالسيد أمبيكي يريد التمدد على حساب قضايانا الداخلية، فهو صاحب تفويض محدد لا يجوز له أن يتجاوزه.
أضغاث مدينة
في حياتنا السودانية وتفاصيلها ونشأة المجتمع المديني والهجرة من الريف للحضر، مقاربة للعمل الروائي الضخم للروائي العراقي عبد الرضا صالح محمد، «أضغاث مدينة» وهي تتناول في سرد بديع ولغة رشيقة نابضة، وروي وحكي متقن، الانتقال من الريف للحضر، من القرية للمدينة، من البداوة إلى العصرنة والحداثة المدينية، عبر تتبع سير وقصص شخصيات متعددة من هجرتها من قراها إلى بغداد أو المدن الكبيرة.
نفس الملامح والقطع الصغيرة كما الفسيفساء في حياتنا السودانية تجدها في ثنايا الرواية وشخوصها، نفس أسباب الهجرة ودوافعها ثم المعاناة في العيش والسكن والإقامة مع الأقارب ثم الانقطاع الكامل عن الموطن الأصلي والحنين الذي يضعف لمراتع الصبا مع الزمن.. من أراد هذه المقاربات بين واقعنا والحياة العراقية كما صورها عبد الرضا فليقرأ هذا الفن البديع.. فهي رواية جديرة بالقراءة.. لأن فيها براعة السرد القصصي وإدهاش اللغة التصويرية الراقية.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة