نحن ومصر!!
< في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن قد مضى على عمر الإنقاذ سنتان أو ثلاث، كانت الحملة الدعائية الضارية ضد السودان من قبل الإعلام المصري على أشدها وفي هيجانها الطائش، عقب دخول الجيش المصري مثلث حلايب واحتلاله بالكامل وإقامة حواجز ترابية وأسلاك شائكة عند خط العرض «20» درجة، وفرض إجراءات مشددة لدخول السودانيين في أراضيهم التي تم احتلالها ويجري تمصيرها، وكتب يومئذٍ الدكتور سليمان عثمان أستاذ الإعلام بعدد من الجامعات ومدير جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بعد ذلك بسنوات، مقالاً شغل صفحة كاملة في صحيفة «السودان الحديث» ثانية اثنتين من الصحف في ذلك الأوان، واختار له عنواناً شديد الدلالة والظلال «عندما يفكر البعض بعقلية الخديوي إسماعيل.. يفكر البعض الآخر بعقلية المك نمر»!! < وأثار ذلك المقال جدلاً واسعاً بعد نشره، بحسبانه يناقش العلاقة بين السودان ومصر بالصراحة المطلوبة، وينشر ما طوي في الصدور حول المسكوت عنه في هذه العلاقة التي لم تحقق في كل عهودها أدنى شروط وخصائص ما توصف به بأنها أزلية وأخوية. < ومن اللائق أن يُتخذ من عنوان د. سليمان عثمان، منصة ومنطلق ومعيار للتعاطي مع الشأن المصري في هذه الأيام وجنوح الإعلام في الجار الشمالي وتجنيه على بلدنا، والغوص في عمق العلاقة بين البلدين ببعدها السوسيولوجي ــ السياسي، فلم تكن العلاقة في أي وقت من الأوقات إلا تعبيراً عن حالة الشعبين والبلدين وهما تحت الطقس السياسي حين تتلبد سماؤه بسحب الخلاف.. ويتجلى في الغالب ما في الأغوار الاجتماعية والثقافية والعوامل التاريخية، وتعمل على توجيه المشاعر، وتعصف رياح السياسة لتملأ أشرعة الكلام المباح الذي يملأ الأثير ويسود الصحائف. < وكثير من الناس يظن وهم على حق، أن ما يبث وينشر في وسائل الإعلام المصري هو صدى لمصر الرسمية، وتثقل رسالته بمحمول نهج السلطة السياسية في القاهرة في تقييمها لعلاقتها بالخرطوم في راهناتها الماثلة، والصحيح أيضاً أن بيئة العداء للسودان والقابلية لأبلسته ودمغه بكل ما هو مشين وجعله من المحتقرات، نتاج عقلية وذهنية ثقافية ــ اجتماعية تمت صياغتها وتكثيف توجهاتها عبر حقب طويلة قد تمتد لأمدية بعيدة في تاريخ البلدين، وليس أدل على ذلك من الإحساس الطاغي عند الإخوة المصريين من المثقف والسياسي إلى رجل الشارع العادي، بأن السودان ما هو إلا ضيعة تابعة لمصر!! ويستشهدون بوهدة تاريخية شديدة الضيم، بأن الملك فاروق هو ملك مصر والسودان، كأن بعانخي العظيم والأسر النوبية من سحيق التاريخ لم تحكم مصر حتى بلاد الآشوريين، وذلك مدعاة للمباهاة إن أرادها السودانيون وادعوا فيها تبعية مصر لبلدهم واعتبروه حقاً تاريخياً لا يزول من وجه الزمن والتاريخ مثل الحق الذي يعطونه للملك فاروق وأبيه فؤاد الأول، ولم تكن مصر سوى وصيف مستعمر جاء في معية الاستعمار الإنجليزي، وهذا ضدها وليس لها. الإعلام المصري الرسمي والآخر المملوك للقطاع الخاص، لم يتفق على شيء مثل توافقه واتفاقه على مهاجمة السودان وتحميله الكثير من الذي تتوهمه مصر من ظنون تحسبها تهديداً لأمنها المائي أو القومي، وصار السودان هو بؤرة القلق والخوف للمصريين، يجب التخويف منه والتشويش عليه والتحذير من خطره.. وتلك حالة الوهم المبالغ فيه والوسواس القهري الذي يعاني منه الإعلام المصري من دون أن يتبصر الحقائق ويدرك أين تكمن مصلحة مصر الحقيقية؟ < إن السياسة ومقتضياتها جعلت البلدين في وقت من الأوقات خلال الحقب الماضية تتطابق رؤاهما السياسية وتوجهاتهما في التعاون والتعاضد، وكان كل ذلك لمصلحة مصر وليس السودان، فإن الوقت قد تبدل، ولن يربط السودانيون في كل الأحوال مصيرهم بجارهم الشمالي، ولا مصالحهم بمصالحه التي قد تتعارض وتتقاطع وتتناقض في كثير من الحالات والظروف. ومن حق السودانيين شعباً وحكومةً، النظر إلى مصالح بلدهم العليا وعدم ربطها بأي طرف آخر سواء أكان جاراً يحتفظون له بما توجبه قيم التقدير والاحترام، أو صديقاً بعيداً تُقيَّم علاقاته بمعايير تبادل المنافع. < وعليه فإن مصر وإعلامها الرسمي والخاص، حين تنظر للسودان بعين السوء والتوجس سواء أكان ذلك يتعلق بمياه النيل أو أي شأن آخر، ويتم استفزاز مشاعر السودانيين والتقليل من شأنهم، وتعتقد دوائر الإعلام المصري أن ذلك حق لها في التعامل بهذه الكيفية بعقلية الخديوي إسماعيل باشا، فما الذي يمنع السودانيين من التعامل بعقلية المك نمر؟! كما كتب د. سليمان عثمان!! [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة