(حُمى) الحسد..!
وللنجاح ضريبة، على كل ناجح في مجاله أن يدفع ثمنها، سواء بـ(الغمز) او (اللمز) او (إطلاق الشائعات) او حتى إفراد المساحات لنهش تلك النجاحات بأنياب السخرية والتهكم، وبعض الناس لا يطيقون النجاح، ويختنقون بشدة حال اشتمام انوفهم لأي نسمة نجاح، فيعمدون الى خلط الاوراق وقلب الصفحات سريعاً للوصول الى صفحة السلبيات، متجاوزين عشرات الصفحات من النجاحات عن قصد، واظن أن ذلك سلوك طبيعي جداً داخل نفوس اولئك المتدثرين بعباءت الفضيلة والمتلونين حسب امزجتهم المريضة.
وصديق لي يسألني قبيل سنوات ونحن في الجامعة عن ضريبة النجاح، فأقول له وببساطة: (هي مرحلة من حياتك العملية لابد أن تمر بها… هي المرحلة الاصعب… والتى تحدد نوعية نجاحك)، فيسألني مرة اخرى عن تفسير ذلك، فأقول: (النجاح في حد تفسيره انواع…هنالك نجاح مصاب بأنيميا التأثر…وهو الاسوأ…وهنالك نجاح يتمتع بكامل الصحة والعافية…وهو المطلوب)، وبالتأكيد (الصحة والعافية) التى نعنيها هنا، هي الصمود في وجه بعض اعداء النجاح والوقاية التامة من الكثير من اعراض وامراض الحقد والحسد والغيرة المهنية و(اللا مهنية) كذلك.
نعم…اي ناجح مطالب بأن يدفع تلك الضريبة، ومطالب كذلك بأن يكون اقوى بكثير من هتافات الاحباط وهمس الاحقاد، واي ناجح عليه أن يكون مستعداً للسباحة ضد تيارات الانكسار، مستعيناً بنجاحه ذاك، ومستمداً من القوة الكافية التى تعينه على الوصول للضفة الاخرى، واي ناجح ايضاً تتركز عليه الاعين، ويتابعه الكثيرون بشب من الغيظ، المصحوب بعبارات التندر، والتقليل من الشأن، بالرغم من أن قناعاتهم الداخلية تحمل عكس ما يقولون، ولكنها (حمى الحسد) والعياذ بالله.
وتستوقفني هاهنا قصة لشاب كان كل اهل قريته يحسدونه على ما اعطاه الله من علم، بحيث مثل لتلك القرية مرجعية كبيرة في كل مناحي الادب والدين والاقتصاد وحتى السياسة، فيستوقفه ذات صباح احد الحاسدين ليسأله عن كيفية وصوله لتلك النقطة من العلم (برغم صغر سنه)..؟…فيجيبه الآخر ببساطة: (لأنني لا اسأل مثل اسئلتك هذي).!
والحسد في مجتمعنا اليوم يتمدد، والغيرة تتحول من حميدة الى خبيثة، والتهكم والسخرية من النجاح يصبح اليوم من المطلوبات لكسر عظام التفوق، والغمز واللمز تصبح ادوات لقتل الموهبة بعد أن كانت مجرد ادوات (يستخدمنها النسوة مع الميك آب ومستحضرات التجميل في السابق)، واللهث خلف الناجحين بأنفاس متقطعة يرهق الجسد، ويتعب الاعصاب، وينشف الحناجر بالقدر الذى يجعلها غير قادرة على تفريخ حقائق الكلمات بفعل ظمأ النفوس، والمشهد اليوم تتحول الى مسرحية كوميدية بائسة، يلعب ادوار بطولتها (الحاسدين)، وارقام الحاقدين تتمدد في صمت، و…..السنوات تمضي الى ماهو اسوأ.
جدعة:
عزيزي الحاسد على غيرك من الناجحين…لماذا لا تستثمر وقتك وجهدك وطاقتك لكي تصبح مثلهم…؟؟…ولماذا تصر على أن تكون مجرد (ارجواز) تحركه (اصابع الاحقاد)..؟؟
شربكة أخيرة:
إن يحسدوني فإني لا ألومهم … قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم مَا بــي وما بهم … ومات أكثرنا غيظا بما يجـــدُ
أنا الذي وجدوني في صدورهم … لا أرتقـي صدرا منــهم ولا أرِدُ
محمد بن اسحق الواسطي
[/JUSTIFY]
الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة السوداني