الإعلام الجديد.. هذه الجائحة!!
< مع تسارع الخطوات نحو المؤتمر القومي الثاني للإعلام، بمواصلة انعقاد الورش المتخصصة التي تفضي إلى المؤتمر نهاية الشهر الجاري، تبدو قضايا المؤتمر وموضوعاته في حاجة لتدقيق أكثر ونقاشات معمقة للغاية لخطورة ما تواجهه الساحة الإعلامية من فوضى وتفلت، ولا يشغلنا ذلك وحدنا إنما يؤرق مضجع العالم كله، لما وصلت إليه ثورة الاتصالات من نتائج باتت وخيمة على الدول وتماسكها والأنظمة ووجودها والمجتمعات وترابطها وقيمها وأخلاقها. < ولا تستطيع أية جهة سواء أكانت حكومات أو مؤسسات إعلامية وخبراء على طول وعرض الدنيا وضع حلول تدرأ الخطر الداهم الذي تمثله حالة الفوضى الإعلامية التي يقودها الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي والتدفق الهائل والمهول للمعلومات غير المقيدة بضوابط وقواعد مهنية في نقلها وتداولها، وتعدد أنماط الرسالة المحتوى السابح في فضاء إلكتروني لا ساحل ولا نهاية له ولا حدود ولا فواصل. < كثير من نقاشات الورش المتخصصة لامست هذه القضايا المقلقة، لكنها بالتأكيد لن تجد لها حلولاً في الوقت الراهن، خاصة ما يتعلق بالإعلام الإكتروني وتجلياته الراهنة ومولوده الإعلام الاجتماعي. < ولا بد لفائدة عامة من ذكر حدث مهم تم في عام 2012م في مطلع يوليو بالتحديد، حيث استضافت العاصمة الروسية موسكو «القمة الإعلامية العالمية الثالثة»، وتمت بمبادرة في عام 2009م من كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم ووكالات الأنباء والفضائيات ومنها «رويترز، إيتار تاس الروسية، الأسيوشيتد برس، وكالة الأنباء الصينية، الـ «بي. بي. سي»، وكالة الأنباء الهندية، وقناة الجزيرة القطرية، جوجل، كيودونيوز، طومسون فاونديشن، ونظام تينر الإذاعي ونيو كوريوريشن وصحيفة لوس أنجلس تايمز» وعقدت قمتان سبقت قمة موسكو، شاركت فيها أكثر من مئتين وأربع عشرة مؤسسة إعلامية من كل أرجاء الدنيا وممثلون لـ «102» دولة، أقض مرقدها ما توالد وتكاثر من بكتريا جديدة في الجسد الإعلامي جعلت من الآلام التقليدية مجرد ملاك حائر أمام غول متوحش وشيطان يهجم على كل شيء من قيم وأخلاقيات المهنة وتقاليد المجتمعات، ويفترس المناعة الطبيعية والمكتسبة للشعوب ويعرضها للخراب. < في قمة موسكو الإعلامية، لم يجد الرئيس الروسي بوتين بداً من إطلاق تحذير لكل العالم من خطورة الإعلام الجديد بكل صنوفه وأطيافه، وخطورة ما يبث ويُنشر من معلومات في غياب المسؤولية المهنية والأخلاقية العالية التي كان يتمتع بقدر وافر منها الإعلام التقليدي.. وطالب بوضع معايير أخلاقية لمهنة الإعلام، تضبط السرعة الضوئية لتطور مجال الاتصال والإعلام. < ويتحدث العالم اليوم عن الخطر الماحق وصعوبة ضبطه بالتشريعات والقوانين، لسبب بسيط، أن مئات الملايين من الهواة غير المحترفين تسللوا للساحة الإعلامية وفتكوا بما فيها فتكاً بحرفيتها وضوابطها وقواعدها، وصار بإمكان أي فرد يجلس في أي ركن أو حانة أو زقاق أو في غرفة صغيرة سواء أكان معتوهاً أو عاقلاً أو متربصاً، أن يطلق كماً هائلاً من المعلومات غير المتحقق من صحتها، ويرسل الصور والأفلام والمقاطع الصوتية والمتحركة، لتصيب سهامها المجتمعات في مقتل. < ومع أنه لا يوجد ما يوقف جائحة الإعلام المنفلت وتسلل الهواة والمحترفين، فإن التفكير يجب أن يذهب بعيداً في تخفيف غلواء ما يحدث، فغيرنا من الدول جربت التشريعات والقوانين لكنها لم تجدِ لأنها واجهت عدواً غير مرئي وانتشاراً سرطانياً لا يتوقف زحفه. < ومن هنا لا بد من الاعتراف بأن المؤتمر القومي الثاني لقضايا الإعلام عندنا يمكنه وضع بعض التصورات لمعالجة أدواء الإعلام التقليدي، ولكنه في الغالب سيقف حائراً أمام الإعلام الجديد وهو الأخطر اليوم، ومجتمعنا تهدده مواقع التواصل الاجتماعي واستخداماتها وسرعة تدفق المعلومات التي تصنع التضليل والتشويش والتشويه المتعمد. < قد نجد في مداولات المؤتمر وورشه ما يخفف فقط ولا يدرأ بالكامل، وتلك قد تكون خطوة، لكن من الذي قال إن التطورات الهائلة في عالم الاتصالات والإعلام متوقفة في مكانها.. فهي تتحرك بأكثر مما نتصور وتهاجم بعنف أقوى مما نحتاط.. فلنسأل الله اللطف في القضاء. [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة