تعديلات قانون الانتخابات.. دول الحوض.. مصر والمعارضة السودانية
تعديلات تفتح الباب
انشغلت الأوساط السياسية منذ نهار الخميس، بالتعديلات التي أجريت على قانون الانتخابات وتوقيت تقديم الحكومة للقانون وإجازته في مجلس الوزراء تمهيداً لعرضه على البرلمان، وانقسمت الساحة الحزبية حوله، فبعض الأحزاب المؤيدة له ومنها المؤتمر الوطني ترى أن القانون وتقديمه وإجازة تعديلات عليه سيضفي عليه مسحة حيوية من النقاشات والحوارات بين مكونات العمل السياسي ويدفع بالكثير من الطمأنينة والثقة، باعتبار أن تعديلات القانون أكسبته تطويراً مهماً، وقد شاركت كل الأحزاب في مناقشة التعديلات في ورشة مشتركة للأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وبعثة الأمم المتحدة وعدد من الخبراء، الأمر الذي يعني مشاركة الجميع في صياغة وقبول هذه التعديلات.
بينما ترى أحزاب المعارضة أن تقديم القانون في هذا التوقيت لا يخدم قضية الحوار، ويحاول المؤتمر الوطني استباق الجميع وتفصيل القانون على مقاسه وفرض الأمر الواقع وتغييب الجميع، وترى بعض أحزاب المعارضة هذه ضرورة تأجيل الانتخابات وإتاحة فرصة أكبر للاستعداد لتمكين المكونات الحزبية من التحضير للعراك الانتخابي وهي على صهوة أحصنتها!!
ومهما كانت المواقف من القانون وتعديلاته في ست عشرة نقطة، فإنه في حد ذاته خطوة للأمام تشير إلى أن مسألة الانتخابات سواء تمت في مواقيتها المعلومة في أبريل من العام المقبل أو أجلت، هي الخيار الوحيد لتداول السلطة ومعرفة الأوزان الحزبية وتحقيق مقصد الحرية الذي ينادي به الجميع، والملاحظ أن القانون شمل تعديلات ذات طبيعة فنية محضة لا تضير القوى السياسية شيئاً إن تمت الآن أو بعد عام أو عامين، وقطع مولانا دوسة وزير العدل قول كل خطيب بقوله لبرنامج «مؤتمر إذاعي» بهنا أم درمان أمس، إن التعديلات فنية ولا تغلق ذلك الباب أمام أي اتفاق أو تفاهمات سياسية، فالقانون لا يعيق الحوار ولا إجازة تعديلاته ستنسف النقاشات الحيوية الجارية بين الحكومة ومعارضيها للتوافق حول مستقبل الحوار الوطني وكيفية تنقية الأجواء السياسية.
فمثلاً ماذا يضير الأحزاب المعارضة وماذا سيكسب المؤتمر الوطني، إن زادت الدوائر الجغرافية أو نقصت؟ أو ارتفع عدد الدوائر في القوائم النسبية أو قل؟ وهل زيادة نسبة تمثيل المرأة من 25% إلى 30%، والتناصف بين الدوائر الجغرافية والنسبية في صالح جميع القوى السياسية أم مناقض لفرصها في الكسب الانتخابي؟
بالعكس القانون قبل تعديله كان يمكن أن يقال عنه أنه مفصل في صالح هذا الحزب أو ذلك، لكن التعديلات الحالية تتيح لكل الأحزاب من صاحبة الوزن الثقيل أو وزن الريشة، أن تدخل البرلمان عبر القوائم النسبية خاصة بعد أن أصبحت النسبة المؤهلة «0%» بعد أن كانت «4%» مما يعني أن أي حزب صغر أم كبر يمكنه المحاولة والدخول في البرلمان بسهولة، ليتشكل برلمان من كل الطيف السياسي وتتكون التحالفات في داخله مع الحكومة أو المعارضة، وهذا يضيف للتجربة السياسية والنيابية الكثير.
وكذلك ما يتعلق بالترشح لرئاسة الجمهورية، فقد تم تسهيل وتذليل كثير من الشروط التي توجد في القانون بتعديل يتيح لكل من يحصل على تفويض خمسة عشر ناخباً من كل ولاية أن يترشح لرئاسة الجمهورية، ومضت التعديلات إلى خطوة جريئة للغاية بعد جعل الدوائر النسبية ولائية لضمان قومية التمثيل من جانب الأحزاب التي ستحاول تمثيل كل أهل السودان في قوائمها القومية.
إذا كان القانون وتعديلات نحت إلى مثل هذا المنحى.. فما الخلاف سواء أجيزت اليوم أو غداً، فالحوار الوطني سيمضي بلا شك ومن بين قضاياه إجراء الانتخابات، فإذا توافق الجميع على قيام الانتخابات في موعدها فالقانون جاهز بتعديلاته وعلى المفوضية القومية للانتخابات أن تحدد المواعيد وتشرع في خطواتها العملية لإجراء الانتخابات، وإذا لم تتوافق أحزاب الحوار الوطني حول مواعيد الانتخابات، فلا يمكن استمرار الحكومة الحالية إلا بشرعية يحددها الدستور، فولاية الحكومة والرئيس تنتهي في أبريل المقبل، فالتجديد للحكومة والرئيس يجب أن يكون بسند دستوري متفق عليه .. ففي كل الحالات على الأحزاب وخاصة المعارضة أن تنظر بعمق إلى ما فيه مصلحة البلاد وليس هناك أفضل من انتخابات في مواعيدها!! إلا إذا كانت هذه الأحزاب المعارضة تريد فترة انتقالية تشارك في حكومتها وتأخذ نصيبها من كيكة السلطة وتنعم في ترابها دون شرعية انتخابية!!
دول حوض النيل
عقد اجتماعات دول حوض النيل في الخرطوم الخميس الماضي بمشاركة دول الحوض، يلقي مسؤولية كبيرة على السودان في توفيق الواقف وتلطيف الأجواء بين دول الحوض، وفتح مسارات جديدة في تناول الخلافات والاتجاهات الجديدة في الانتفاع من مياه النيل ومعالجة أسباب التنازع بين دوله خاصة مصر وبعض دول الحوض.. ويتعين على دول الحوض وهي تحتضن نزاعات عزيزها في باطنها، أن تولي اهتماماً كبيراً للمصالح التي تجمعها وكيفية تسخير مواردها وإمكاناتها في التنمية وصناعة السلام والاستقرار.
إذا كان الخلاف الإثيوبي المصري حول بناء سد النهضة قد خيم على الاجتماعات أو بعض المواقف من مبادرة حوض النيل واتفاقية عنتبي، فإن الحوار ومواصلة التواصل بين الجميع هو السبيل الوحيد لطي أي خلاف.
دول الحوض في حاجة إلى تعزيز تضامنها والاستفادة من الخبرات المشتركة والتعاون البناء في ما بينها من أجل تكامل الموارد المائية واستخدامتها في التنمية وتوليد الطاقة والزراعة، ولو قام مشروع ضخم مشترك بين كل دول الحوض في المجالات المذكورة كثمرة وعنوان وأنموذج للتعاون الخلاق بين هذه الدول ستختفي الخلافات تدريجياً وتقل الهواجس والوساوس.
مصر والمعارضة المسلحة
لا يخفي على أحد أن السلطة الجديدة في مصر، بدأت في استقطاب ودعوة الحركات المسلحة في دارفور والجبهة الثورية للتوافد عليها، وتسعى أجهزة ودوائر استخبارية مصرية في ترتيب أوضاع هذه الحركات والمجموعات المتمردة على أراضيها، وتوجد مكاتب لهذه الحركات في مصر منذ عهد مبارك، لكن الخطوة الأخيرة هي الأكثر خطورةً في تاريخ البلدين، حيث يجري تنسيق عمل هذه الحركات ونقل مكاتبها من العاصمة اليوغندية كمبالا إلى القاهرة.. وستجد مصر نفسها تلعب بالنار، لأن أمن مصر القومي سيكون أول ضحية لهذا التحالف المشبوه مع الحركات المسلحة المتمردة التي تتحالف مع الأعداء الحقيقيين لمصر. ولن تستطيع أية قوة إقليمية مهما كان حجمها وقوة تأثيرها تغيير الأوضاع في السودان بالقوة والدعم العسكري والمالي لهذه الحركات وما يسمى الجبهة الثورية، ولو كان ذلك ممكناً لنجح فيه معمر القذافي الذي قدم كل إمكانات ليبيا لهذه الحركات ولم يحصد إلا الخيبة في نهاية الأمر.
إذا كانت مصر تريد خيراً للسودان فعليها أن تتحول إلى عنصر إيجابي في صناعة السلام والاستقرار، وإلا فإن النار التي تريد إشعالها في السودان بسبب سياسات طائشة غير مفحوصة ومدروسة، ستحرق أصابع مصر قبل أن تشتعل في وسط الخرطوم.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة