الروس والخبز المخلوط

< وصلنا العاصمة الروسية موسكو مع انتصاف نهار أمس، المدينة الضخمة ملبدة بالغيوم الداكنة مع ارتفاع طفيف لدرجة الحرارة في شهور الصيف الدافئة، وسحب السياسة وتلاطم أمواجها العاتية من أوكرانيا وسوريا والعراق وشمال القوقاز والجوار الروسي تخيم على كل شيء، ومجلس الدوما «البرلمان» الذي يستعد اليوم لمؤتمر برلماني دولي دعيت له خمس وثلاثين دولة من بلدان العالم، يتحفز لخروج الاجتماعات بمواقف ومفاهيم وأسس جدية لعالم ضد القطبية الأحادية وهيمنة طرف واحد على العالم يتحكم في قراراته السياسية والاقتصادية ويصوغ القوانين الدولية التي تكرِّس للهيمنة والاستفراد. < والكل يعلم أن العالم يقف على عتبة جديدة، قوى كثيرة مؤثرة في عالم اليوم بدأت تشعر بالخطر الداهم الذي ربما يقود لصدامات ومواجهات أشد عنفاً من الحروب العالمية السابقة، ولا مناص من مواجهة هذه الحالة الراهنة وصياغة نظام عالمي جديد. < بدأت روسيا منذ الأزمة الأوكرانية وأحداث أخرى سبقتها، تتحسس خطاها وطرقها ولم تجد نفسها وحدها في الساحة الدولية تشعر بخطورة سيادة الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية على القرار الدولي، الأمر الذي يتطلب تحركاً قوياً وتحالفاً مناهضاً له، يعيد التوازن في العلاقات الدولية ويحفظ المعادلة العالمية ويجنب البشرية كوارث محتملة. < ومن بين دول العالم الخمس والثلاثين يجد السودان نفسه في قلب هذه القضايا المضطرمة والأعاصير المتزاحمة، فالروس وجدوا أن السودان من بين عشر دول وقفت معهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما عرضت القضية الأوكرانية واستفتاء جزيرة القرم بعد إعلان شعبها الانضمام إلى روسيا، وهو صوت لا يمكن إغفاله في مناهضة العسف والصلف الغربي، وقد لا نحس ونشعر نحن داخل السودان بقيمة مواقفنا ورأينا في الساحة الدولية بالرغم من أننا نراه ضئيلاً صغيراً خافتاً.. مبحوحاً لكنه في الخارج له دوي وصدى كبير، والدليل على ذلك أن روسيا وهي دولة عظمى جعلته من الآباء المؤسسين للتكتل البرلماني الدولي الجديد الذي سيعلن عن نفسه اليوم من قاعة مركز التجارة الدولي للمؤتمرات في العاصمة موسكو. < وفد السودان يقوده الدكتور عيسى بشرى نائب رئيس المجلس الوطني ومعه د. محمد يوسف عبد الله رئيس لجنة العلاقات الخارجية وتهاني تور الدبة رئيس لجنة التشريع والشؤون القانونية، وسيخاطب د. بشرى المؤتمر العالمي اليوم ويقدم رؤية سودانية خالصة معدة بعناية حول المطلوب عمله في الساحة الدولية من قبل العالم الحر الرافض للهيمنة والطغيان الغربي وسيطرة أحادية باطشة على مقاليد الشأن الدولي، ولأن صوت السودان صار مسموعاً وهامته بين العمالقة، فقد شهدنا منذ وصولنا موسكو الاهتمام الكبير بوفد السودان وأهميته في زحام التحضيرات الجارية ووصول رؤساء ووفود البرلمانات الدولية المدعوة وانكباب وسائل الإعلام الروسية على المنتظر من هذا المؤتمر. < لكن على صعيد آخر.. وجدنا في انتظارنا بمجرد وصولنا إلى الفندق مقر إقامتنا مجموعة من مؤسسات وشركات روسية ومستثمرين من هذا البلد الكبير، للاستفادة من الوقت الضيق في التفاهم والتباحث حول وضع الاستثمار في السودان، وعقد الدكتور عيسى بشرى الذي بدأ مشروعاً يتعلق بالأبحاث العلمية إبان توليه حقيبة العلوم والاتصالات في الحكومة السابقة، عقد اجتماعات مع عدد من رؤساء وممثلي الشركات الروسية التي تعمل في التصنيع الغذائي خاصة شركة «شبيكين» العملاقة التي تستثمر في عدد من بلدان العالم في مجال الصناعة والبناء والتشييد والتصنيع الغذائي، وهي الشركة التي زار مديرها العام ووفد منها الخرطوم لتطبيق أكبر تجربة في العالم عن الخبز المخلوط وتقليل الاعتماد على القمح، ووقعت ولاية الخرطوم اتفاقيات معها لصناعة أكثر من ثلاثة ملايين قطعة خبز في اليوم من مخلوط الذرة والقمح بنسبة متساوية، ولم يتحدث وفد الشركة في الاجتماع عن التصنيع وتجربة الخبز المخلوط، وإنما تناولوا الأبعاد الإستراتيجية للزراعة في السودان وأهمية عدم الاعتماد على استيراد القمح من الخارج والاعتماد على الانتاج المحلي، وقالوا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شجعهم على ارتياد آفاق جديدة في تطبيق هذا الأنموذج الذي عرفته روسيا قبل سنوات وضرورة اعتماد الشعوب على الغذاء المنتج من أراضيها وتقليل الاتكال على الخارج، خاصة أن القمح صار سلعة سياسية. وقال (V.A MCKIEN) المدير التنفيذي للشركة في اللقاء المطول إنهم قادمون للسودان بعد اتفاقهم مع حكومة ولاية الخرطوم، لتوريد المطاحن والخلاطات الضخمة للبدء في تنفيذ هذه التجربة التي ستغير الثقافة والقيم الغذائية في كل إفريقيا وليس السودان. [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة