زيارة السيسي
< قد تعني زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدة معانٍ ودلالات مهمة، لكن في سياق العلاقات الطبيعية بين البلدين، تبدو عادية لا شية فيها الآن ولا أجندة محددة، نظراً لما تمثله دول الجوار لأي رئيس جديد من أهمية له في بادرة حكمه، خاصة في علاقات ذات طبيعة خاصة كالتي تربط السودان بمصر. < ولا يمكن تقييم الأمن القومي المصري دون التفات القاهرة جنوباً، وما يمثله تاريخ البلدين ونهر النيل ومياهه من حقائق تتعلق بحياة مصر ووجودها، وتبدأ العلاقات المصرية السودانية وتنتهي من حيث يتدفق ماء النيل وينتهي، فالمرحلة الحالية من علاقة البلدين التي شابها الفتور نتيجة ما جرى في مصر وما انتهت إليه أوضاعها، تجعل من زيارة الرئيس المصري الجديد رسالة لا بد من تلقيها وقراءتها ومعرفة ما وراءها بدقة، بيد أن كثيراً من الناس ينظر لترتيباتها المتعجلة وعدم الإعلان عنها مسبقاً ومن وقت مبكر، بأنها زيارة ضرورة لازمة في رزنامة علاقات مصر العامة مع جوارها الإفريقي. < والرئيس المصري القادم من مالابو عاصمة غينيا الإستوائية حيث حضر القمة الإفريقية التي دشنت فيها إعادة مصر للبيت الإفريقي، يعلم قبل غيره خطر الرمال السياسية المتحركة في القارة الإفريقية، كما أنه يفهم جيداً أهمية التعاون والحوار بين كل الأطراف الإقليمية لتسوية الخلافات بينها، خاصة موقف مصر الحالي من مبادرة حوض النيل وسوء التفاهم مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة، والسودان عنصر مهم للغاية في هذا الملف المهم بالنسبة لمصر. < لكن من الواضح أنه في الفترة الأخيرة منذ الانقلاب على حكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، يتعرض السودان لحملة تشويه وتشويش من الإعلام المصري لم يسبق لها مثيل، ودق عطر منشم بين الخرطوم والقاهرة في الساحة الإعلامية، ووجدت المعارضة المسلحة السودانية ضالتها في القاهرة التي أزيح فيها الإسلاميون من السلطة، فعادوا إليها وبدأوا نشاطهم المعارض منها ضد الخرطوم. ويوجد تيار سياسي وإعلامي مصري يكيد للسودان ويعمل ضده ويسعى لتأليب الرأي العام المصري والسلطة الجديدة ضد السودان ونظامه. < وللحقيقة لم يُسمع من الرئيس الجديد موقف واضح تجاه علاقات بلاده مع السودان وقضاياه، لكن السلوك الإعلامي وبعض الدوائر السياسية المصرية المؤيدة له، أفصحت بعداء سافر عن مواقفها ضد السودان، حيث يجد كثير من السودانيين أنفسهم في مواجهة حقيقة واضحة هي أن العلاقات بين البلدين يجب أن تتجاوز أغلفة المجاملة السياسية والشعارات، لتصل إلى المضامين الحقيقية والمصارحة والوضوح دون أن تغوص الأرجل والأيدي في العبارات اللزجة والمعاني التي شاخت في الألسن والحلوق. < وتحتاج الخرطوم والقاهرة إلى وقت طويل للحديث ليس في الزيارات العابرة السريعة، فهناك نقاط تحتاج إلى مكاشفة وإفراغ ما في القلوب من هواجس وآراء ومشاعر تتناقض عندما تتباعد الخطى وتتقارب عندما تتلامس المصالح المشتركة وتتم تدفئة الخطوط والمسارات. < فالسودان ينظر لمصالحه وعلاقاته الدولية بمنظار قد لا يتفق مع المنظور المصري، وهناك عوامل فاعلة في المنطقة بدأت تؤثر في طبيعة العلاقة واتجاهاتها، وقد لا تكون القاهرة منتبهة لخطورة ما يجري حولها.. من أقصى جنوب القارة إلى شرقها وغربها وشمالها وما يعتري علاقاتها المائية من داهم، فلو تحسست ما حولها وفكرت في ما ينبغي عليها أن تفعله، فليس لها غير السودان من معين لتحسين علاقاتها مع دول الحوض والاستنصار به وبدء حوار عميق مع دول الحوض حول الحقوق المائية ومستقبل الانتفاع من مياه النيل. ومقابل ذلك فإن الرأي العام السوداني برغم أنه يستقبل الرئيس المصري الجديد، إلا أن قطاعاً واسعاً لم يستوعب بعد المحنة الحالية في مصر والدماء التي تسيل والفتنة التي قسمت الشعب المصري، وللسودانيين حساسية عالية من الجروح التي صارت غائرة في الوجدان الوطني للشعب المصري، فما جرى ويجري له صدى وانعكاس لا يمكن إغفاله، فالسانحة التي تتيحها زيارة السيسي للسودان ولقائه بالرئيس البشير يجب أن تكون لصالح تفكير جديد في بناء علاقة يسودها الاحترام والتقدير والبحث عن مصالح حقيقية وفتح الملفات العالقة التي لم تغلق بعد، ومنها قضية حلايب التي مازالت محتلة من الجانب المصري، ومناطق أخرى في أعالي وادي حلفا. [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة