قلــيل مـــن التفـــاؤل كـثير مـــن التســاؤل!!
وسائل الإعلام المصرية استلت ما تريده من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخرطوم، واعتبرته كأنه خبر محلي يتسق مع ما قاله كبير مصر إن السودان جزء من مصر!!
ودائماً ما تفسد وسائل الإعلام والصحف المصرية وبعض الكتابات المتشنجة الأجواء بين البلدين وتصنع صورة مغايرة تماماً لما يحدث بين البلدين، ولم يحتف الإعلام المصري بالزيارة بمثل ما فعلنا نحن هنا، حيث تبارى البعض في الحماس والتفاؤل بالزيارة كأنها تشطب وتكشط ما هو موجود وقائم، وتجب ما قبلها!! لكن بالعكس، حيث تلقي هذه الزيارة القصيرة العديد من الأسئلة على ملف العلاقة بين البلدين في الوقت الراهن مع التحولات المتسارعة في المنطقة، وبالفعل مازالت مصر تواجه مشكلات متعددة في محيطها الإفريقي في دول حوض النيل وتتعامل معها بعض الدول الإفريقية بحساسية بالغة.
فجنوب إفريقيا ظلت منذ عهد مبارك في تنافس مفتوح مع مصر في كل المحافل القارية والدولية، وظلت خمس دول إفريقية لعقدين تتنافس على تقوية نفوذها القيادي وسط القارة، وهي نيجيريا وجنوب إفريقيا والجزائر وليبيا القذافي ومصر، ومع تراجع الدور المصري وصعود نجوم جدد، حاولت جنوب إفريقيا ونيجيريا في عهد أوباسانجو وقبله ساني أباشا وإبراهيم بابنجيدا والآن إثيوبيا، العمل على ملء الفراغ الذي خلفته منذ السبعينيات مصر بعد أن كانت شخصية جمال عبد الناصر خلال حكمه الذي امتد لثمانية عشر عاماً طاغية في الفضاء الإفريقي مع الآباء المؤسسين نكروما وجوليوس نيريري وبارتريس لومامبا وأحمد بن بيلا وليوبلد سنغور وأحمد سيكتوري وجومو كنياتا.
فإذا كانت مصر تريد العبور إلى إفريقيا وردم الفجوة التاريخية، وفليست هناك قنطرة مناسبة خلاف الخرطوم، ومن الملاحظ أن التفاهم الذي ورد في البيان المشترك المصري الإثيوبي عقب لقاء الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة الإفريقية في غينيا الاستوائية، حوى عبارات فضفاضة غير محددة ولا تعني أن الخلاف بين البلدين قد تم طي ملفه ووضع بعيداً عن الطاولة.. فالخلاف المصري الإثيوبي حول سد النهضة سيظل قائماً ولن تختفي الهواجس المصرية حول سد النهضة، ولا يمكن أن تتراجع حدة التعبئة الداخلية التي تمت للشعب المصري ضد السد الإثيوبي بمجرد صدور البيان المشترك ولقاء القيادتين على هامش القمة، ولن توقف إثيوبيا مشروعها الذي ساهم فيه كل مواطن بعد أن وصل تنفيذه إلى ما يقارب 35%.
وفي هبوط السيسي في الخرطوم، يجب النظر الى ما تمخض عملياً عن هذه الزيارة الخاطفة ووضعها في مكانها المناسب من ناحية تقييمها، فزيارة عبد الفتاح السيسي للخرطوم القصيرة هي بادرة لكنها لا تساوي على الإطلاق عمق العلاقة بين البلدين ولا التفاؤلات التي يتحدث عنها الناس ولا التاريخ الطويل المشترك، ولا يمكن لعلاقة قديمة بين السودان ومصر، أن تختزل همومها وقضاياها الملحة في ساعات قليلة، دون أن تفتح فيها كل الملفات ويتم التوصل لتفاهمات، فالزيارة التي يمكن التفاؤل بها والتعويل عليها عندما تكون تسمى في العلاقات الدولية زيارة دولة.. وفيها يمكن أن تناقش القضايا بشكل مباشر وصريح حتى يتمكن الطرفان من وضع الحلول الملائمة والمرضية ونزع بؤر التوترات المستمرة، وتستقر العلاقات دون شوائب ومهيجات من فترة لأخرى.
فقبل الإسراف في التفاؤلات لا بد من النظر في الحقائق المجردة، فالطريق مازال طويلاً جداً على السلطة الجديدة في مصر حتى تكسب ود ورضاء مجالها الإقليمي والدولي، فالواقعية في التعامل مع السلطة القابضة على تلابيب الحكم عقب الانقلاب في مصر، لا تعني أن نطوي صفحات الخلاف ونتحدث عن صفحة جديدة دون أن نتوصل لحل نهائي في صفحات الخلاف السابقة.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة