الصين .. من أفقر إلى أغنى بلاد العالم .. كيف؟!
في كل مرة نزور الصين نكتشف عظمة هذا الشعب وحكمة تلك القيادة صاحبة الرؤية الثاقبة والاستراتيجية المدروسة.
تجربة عملاقة.. خططت لها قيادة عملاقة.. ونفذها شعب عملاق.. يعرف معنى الالتزام الوطني.. ويعرف ان الاخلاص والجدية في العمل هي من اولويات المواطنة الحقة.
الصين في كل قوتها الكبرى.. تتغير كل يوم وكل يوم تزداد التجربة نضوجاً.. ويزداد الشعب مواطنة وجدية..
القيادة الصينية تمتلك ارادة سياسية غير مسبوقة، وهي قيادة متحركة.. الثابت فيها متحول..
في دولة الصين تجربة نادرة غير مسبوقة في اية دولة أخرى في العالم.. اشتراكية كانت أم رأسمالية أو ليبرالية.. وهي ان القيادة السياسية العليا.. الرئىس ونوابه ومجلس القيادة ومجلس الوزراء وقيادة الحزب الشيوعي الصيني والدبلوماسيين لا يبقون في الحكم اكثر من دورتين.. أي عشر سنوات فقط بعدها ينزلون إلى أجهزة الحزب لتفعيل العمل السياسي والتنظيمي للحزب.. ولا يظهرون أبداً ثانية في أجهزة الاعلام.. ويسري هذا القرار على كل مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية أي كافة الاجهزة التنفيذية تتبدل كلها لتأتي قيادات جديدة، تسير في نفس النهج وهذا من شأنه تجديد الدماء في عروق القيادات والجهاز التنفيذي.. ويعطي الفرصة واسعة للكوادر المتميزة المتقدمة منها والوسطية، هذا عكس ما يحدث في عالمنا العربي والافريقي.. وكل دول العالم الثالث ومعظم دول العالم الاخرى.. حيث لا يتبدل المسؤول مهما كان موقعه.. إلا بالموت أو الانقلاب أو المرض، والكنكشة في بعض الدول النامية احياناً ضرورية ولا بد منها، خاصة إذا كانت هناك معارضة تعمل باجندة الاجنبي وليس لها اجندة.
في الصين ارادة سياسية قوية.. ومركزية قابضة وحزب عقائدي.. الانضباط فيه حديدي وشعب جاد.. خلق للعمل والبناء.. لا يعرف الثرثرة أو التراخي.. وقد وفرت له القيادة السياسية كل وسائل العيش الكريم.. من سكن وعلاج وتعليم وجعلته يتفرغ لعمله فقط.
والشعب الصيني غير مشغول بوسائل الترف البرجوازي.
النظام والانضباط أول شيء يلفت نظر الزائر إلى الصين، عمارات شاهقة وابراج عالية.. وناطحات سحاب.
في شنغهاي أولى محطات زيارتنا.. كنا اكثر من مائتي صحافي واعلامي من دول افريقيا.. دعوة كريمة تلقيناها من الحكومة الصينية.. والمناسبة هي احتفالات العيد الستيني لتأسيس الصين الجديدة، وهو احتفال له مغزى عميق لدى الصين قيادة وشعباً.. لما احدثته الثورة الصينية من تغيرات جذرية في الاقتصاد والصناعة والزراعة.. وفي المجال العسكري، واصبحت تملك ثقلاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً يعمل له الجميع ألف حساب وتواصل الاجيال الذي تحرص عليه القيادة الصينية له دور كبير في هذا التطور وتلك القفزة التي تعيشها الصين الآن.
حتى بداية التسعينيات.. كانت الصين دولة فقيرة ومتخلفة.. ومن بلدان العالم الثالث.. جاء رئىس الدولة آنذاك ووضع مع القيادة خطة لتطوير الزراعة.. ثم التوجيه إلى التصنيع الزراعي.. وبعدها دعا كل الكوادر العاملة في مجال الصناعات والكهرباء وغيرها بجانب العلماء الصينيين المنتشرين في امريكا ودول اوروبا.. واجتمع بهم.. وضاعف لهم مرتباتهم التي كانوا يتقاضونها فى أوروبا.. ووفر لهم السكن والمناخ للخلق والابداع.. واستجاب الجميع لخدمة الوطن ولنداء الرئيس.. ومن تلك اللحظة بدأت الخطوة الأولى للنهضة في الصين وخروج المارد من القمقم.. وبعد العام 5991م ظهرت ملامح النهضة.. وفي العام 0002م اذهل المارد العالم.
في بلادنا فشلنا ان نعيد اطباء السودان المتميزين وعلماءنا من دول المهجر.. ليت الرئىس ونائبه والحزب الحاكم يحاولون مرة ثانية اعادتهم إلى بلادهم.. فقد بنوا عدداً كبيراً من دول العالم.. بعلمهم وبجهدهم..
ونأمل ان توفر الدولة المناخ للعاملين الماسكين على الجمر في السودان والمناخ الملائم حتى يعطوا وطنهم ما يستحق.
المواطن الصيني يعمل ليل نهار وبجدية واخلاص كاملين.. والدولة وفرت له ولاسرته «الصغيرة» ولكل اسرة الحق في انجاب طفل واحد فقط وفرت له العلاج المتطور والتعليم المجاني المتقدم والسكن المريح.. بل وفرت له الحياة السهلة دون متاعب.. لذلك اخلص لدولته ولقيادته ولحزبه ولوطنه.
انها تجربة تستحق الدراسة والتأمل والمعايشة من كل افراد الشعب السوداني.. قيادة وحكومة وشعباً.
الاستقرار السياسي.. هو سبب كل هذه النهضة وعدم التسابق نحو السلطة بأي ثمن.. ليس هناك احزاب .. حزب واحد وقيادة واحدة يلتف حولها الشعب.
ومهما كانت سلبيات حكم الحزب الواحد.. إلا أنه جاء بنتائج مبهرة.. خلقت وحدة وطنية ونهضة صناعية وزراعية مذهلة.. وتنمية متوازنة.
ان قوة الصين.. في وحدتها، ووحدة شعبها والتفافهم نحو حزبهم القائد.. وقيادتهم الملهمة وغياب التناحر الحزبي وسد كل الثغرات التي تحاول امريكا الدخول منها بدعاوى الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من الاساليب التي تحاول امريكا الدخول من خلالها لخلخلة الجبهة الداخلية في كل بلدان العالم وقد فشلت في السنوات العشر الماضية كل محاولات امريكا لشق الصف الصيني وآخرها محاولة خلق فتنة بين المسلمين والقيادة الصينية في شمال الصين.. في تلك المنطقة المكتظة بالمسلمين.. بحجة اضطهاد القيادة الصينية للمسلمين وتهميشهم وغياب حقوقهم، ومركزية القيادة التي تحكم الصين.. وتوحد القيادات من اهم اسباب نجاح التجربة الصينية..
الشارع الصيني منضبط بشكل مذهل.. الشعب كله تم تجييشه دفاعاً عن الوطن والمكتسبات والبناء والتنمية.
قانون المرور في الصين صارم للغاية.. من يقود سيارته وهو مخمور.. تسحب رخصته بعد ضبطه في المرة الثانية وإلى الأبد.. ولا توجد واسطة في الأرض تعيدها له.. وسائق الاجرة التاكسي الذي يتخطى شارة المرور.. تسحب رخصته العامة فوراً.. ويمنح بدلاً عنها رخصة ملاكي لا يستطيع ان يقود بها سيارة تاكسي مرة ثانية.
والشارع الصيني بلا ضوضاء سائقي السيارات وبلا «بوري» عال الصوت.. وبلا أنوار امامية باهرة تسبب الاصطدام .. والسرعة محدودة لا يستطيع كائن من كان ان يتجاوزها وإلا القانون كفيل به.
رأينا البصات التي انفقت عليها ولاية الخرطوم مبدائياً على استيرادها، ولكن السؤال من اين لنا الشوارع التي تسير عليها.
كل السيارات التي تمشي في شوارع الصين خاصة الماركات العالمية صناعة صينية.. والسيارات الصينية ايضاً متوافرة وعمر السيارة في الصين عشر سنوات فقط.. بعدها تمنع من السير في المدن الكبرى.
الدولة توفر العلاج للمواطن بسعر زهيد.. فاكبر الاختصاصيين قيمة الكشف عندهم «5» أيوان أي «051» جنيهاً سودانياً.. وكل الفحوصات باسعار زهيدة.. وهكذا كان عراق صدام حسين.. إذ حددت حكومته في ذلك الوقت قيمة الكشف عند الاختصاصيين الكبار بـ «5» دينار عراقي.. في العيادات الخاصة والاطباء العموميين بـدينارين فقط. وبالله شوف عندنا.. كيف تتم عملية الذبح في العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة.. وحتى الجامعات الخاصة.. وبالمناسبة كمان التعليم مجاني إلى المراحل الجامعية والدولة تصرف على كل اطفال الصين إلى ان يتخرجوا من الجامعة بالله شوف.. كيف.
وهذا كله سببه الاستقرار السياسي.. وتفرغ المواطن للعمل وهكذا دائماً البلدان التي يحكمها حزب واحد أو جبهة تقدمية عريضة.. تحقق كل الانجازات الكبيرة وتحقق كل اشواق الشعب.
اما نحن في بلادنا.. كلنا نريد ان نحكم.. وكلنا نريد ان نصبح رؤساء رغم التجارب الفاشلة السابقة.. وكلنا نريد ان نصبح وزراء ومسؤولين.. واثرياء.. وباية طريقة .. حتى لو تحالفنا مع الشيطان.
فهمنا للديمقراطية خاطئ.. وفهمنا للتعددية خاطئ.. وممارساتنا السياسية كلها خاطئة لان هذه القضايا تحتاج إلى وعي سياسي وثقافي متطور.. وإلى وعى وطني اكثر تطوراً
انها تجربة رائدة وحقاً اطلبوا العلم ولو في الصين.
كمال حسن بخيت :الراي العام