مـن يحاسب مـن ؟!
فعل ورد فعل اعادا قضية المساءلات والمحاسبات عن أخطاء الماضي،ما يعرف بالحقيقة والمصالحة، الى دائرة الضوء من جديد، الفعل نص بيان مؤتمر جوبا الختامي على ) ان هناك مظالم تاريخية لحقت بالجماعات والإفراد بمناطق كثيرة فى السودان خاصة الجنوب ودارفور منذ الإستقلال ومن الضرورى ان تسجل هذه المظالم ويتم الإعتراف بها والإعتذار عنها كمدخل للمصالحة الوطنية الصادقة) ورد الفعل قول نائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع في مؤتمره الصحفي في الاول من امس متسائلا (من يحاسب من في السودان) معتبرا الحقيقة والمصالحة من الأفكار المستوردة والمستقاة من تجارب دول لا تشبه ظروفها احوال السودان .
وظهرت المطالبة باعمال مبدأ الحقيقة والمصالحة في الحياة السياسية السودانية منذ وقت قريب، ويؤرخ لها البعض بمذكرة الدكتور فاروق محمد ابراهيم التي بعث بها من داخل السجن العمومي بالخرطوم بحري بتاريخ 29/1/1990, لرئيس الجمهورية وعاد وجددها في نوفمبر من العام 2000 مقترحا اعتماد النموذج الجنوب أفريقي في تسوية حالات انتهاك الحقوق ، لتتدافع بعدها سيول المطالبة باعمال النظر في التجارب الشبيهة في الجزائر او المغرب او امريكا.
والاخذ والرد في مسألة الحقيقة والمصالحة كمدخل في تحقيق التعافي الوطني بين حكومة المؤتمر الوطني ومعارضيها كانت تأتي من ناحية تحديد التاريخ لبدء المحاسبة ، فبينما يرى الانقاذيون ان المساءلة يجب ان تكون منذ فجر الحكومات الوطنية وتقول بالمحاسبة بأثر رجعي ، ويدفع خصومها انها اولى بالمحاسبة لعظم ما ارتكبت، كما يقدرون. وان العبء الاكبر يقع على النظام الحاكم لان مقاليد الامور بيده ولديه كل الاليات التي بموجبها تتم عملية المصالحة من اقامة للمؤتمرات وتمويلها وآليات تنفيذها، اصبح الجدل الآن في موقع آخر حيث تم الاتفاق تقريبا على ان بداية المحاسبة ستكون منذ فجر الاستقلال بعد ان قالت الاحزاب المجتمعة في جوبا في خاتمة اعمال المؤتمر بتكوين لجنة مستقلة للحقيقة والمصالحة تكون مهمتها هى تقصى الحقائق فى كل التعديات والإنتهاكات لحقوق الجماعات والافرد منذ الإستقلال وإتخاذ الاجراءا ت اللازمة لرد المظالم والحقوق سواء كان بالمحاسبة القانونية او التعويض المادى والمعنوى مما يعين على التعافى والتسامح وإزالة المرارات من النفوس وإبراء الجراح، وقال الامام الصادق المهدي في مؤتمر جوبا بضرورة تكوين هيئة قومية للحقيقة والمصالحة ورفع المظالم تتناول كافة التجاوزات منذ استقلال السودان،اصبح الحديث يتجه الى من يحاسب من. حيث يقول الدكتور نافع ان الفكرة مستوردة (وان بعض القيادات السياسية تستورد الافكار حتى وان كانت لا تنطبق عليهم ، وينعق بها كثيرون دون ان يقفوا ليتبصروا في القضية ان قضية المحاسبة والاعتذار مستقاة من جنوب افريقيا وما حدث في جنوب افريقيا من البيض الذين استعمروا جنوب افريقيا لا يشبه ماحدث في السودان).
وفي مؤتمره المشار اليه يرد الدكتور نافع النقاش حول الموضوع الى تاريخ آخر ويقول انهم تناولوا الامر في نيفاشا كثيرا مع الدكتور جون قرنق وغيره وفي تمسك بالموقف الانقاذي يقول (يجب ان ننزل القضايا على واقعنا السودان، فاذا كانت مزايدة وكأن المحاسبة للانقاذ فان الانقاذ لا تبالي من المحاسبة فلنبدأ من الاستقلال) ويضيف (بعد نقاش وحوار في نيفاشا قلنا ان هذه المسألة بهذه الكيفية غير عملية).
ولكن مدير معهد أبحاث السلم بجامعة الخرطوم وخبير فض النزاعات بالأمم المتحدة الدكتور الطيب حاج عطية يرى ان العنف هو من طبائع الاجتماع البشري، ويقول في ندوة كانت نظمتها مؤسسة اتجاهات المستقبل للدراسات الاستراتيجية والحوار، بعنوان »مفاهيم وبني وآليات النزاع« إن مجهودات فض النزاعات تعمل جهدها للوصول بالمجتمعات إلى حالة من السلام الاجتماعي، وشدّد أنه حتى يحدث ذلك لابد من توفر العدالة والاكتفاء بأنواعه المختلفة ثقافي، واجتماعي وسياسي واقتصادي مشيراً إلى ان كل المجتمعات ترغب في ان تجد اعترافا بها وبثقافاتها ورأى ان ذلك يمكن معالجته عبر مدخل حقوق الإنسان التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية المختلفة ويؤكد د. حاج عطية ان هذه العهود اعتنت بشكل جيد بقضايا التعدد والتنوع بأشكاله المختلفة.
وبعد ان يؤمن على ان الحقيقة والمصالحة مفهوم قابل للتطور والتشكل واعادة التفسير وهو ليس بنهائي، يرجع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة امدرمان الاسلامية البروفيسور صلاح الدومة اقتراح اعمال مبدأ الحقيقة والمصالحة الى المؤتمر الوطني ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ان أول من طرح مسألة الحقيقة والمصالحة هو المؤتمر الوطني نفسه وضرب وقتها مثالاً لذلك بجنوب افريقيا والمغرب وطرحه بخصوص قضية دارفور وقال بعد تداعيات المحكمة الجنائية انه لا داعي للاصرار على العدالة وقال بضرورة تحقيق السلام أولاً ثم العدالة، ويشير الدومة الى ان طرح الفكرة في مؤتمر جوبا كان القصد انها واحدة من وسائل تحقيق الوحدة الجاذبة ليكون نوع من الاعتراف بالذنب من قبل الشمال تجاه الجنوب ومن ثم بقية الاقاليم المهمشة للاقلاع والتعرية وعدم التكرار. ويصف الدومة ما حدث في مؤتمر جوبا بأنه جزء من الاقرار بالاخطاء وقبول المحاسبة وهي خطوة في اتجاه الحقيقة والمصالحة، ويقول (سواء حدث ذلك عفوياً أو بشكل مخطط له، أو كانت مسرحية بين القوى التقليدية والحركة الشعبية فإن القوى السياسية التي تعرضت للمساءلة والمحاسبة في مؤتمر جوبا وقبلت ذلك واعترفت بارتكاب اخطاء، والصادق المهدي أسماها صواريخ) ويدعو الدومة المؤتمر الوطني قبول المساءلة اولا ثم ليسأل (من يحاسب من ) بينما يدافع نافع عن موقف الانقاذ ويقول ( لا تعتقدوا انها _ المحاسبة _ سيفا مسلطا على الانقاذ لان الانقاذ لا تعرف سيفا مسلطا عليها فهي لم تفعل شيئا لم تستطع ان تقول فيه قولا فصلا مهما كان ذلك وانا لست مترددا في يوم من الايام للحساب اذا كان حسابا صريحا وواضحا ولكن ينبغي عدم المزايدة) ويجزم نافع ان هذه المسألة ما هي الا للاستهلاك السياسي.
التقي محمد عثمان :الصحافة