سيف الديون على رقاب الاقتصاد (1)
تمثل الديون الخارجية للسودان هاجسا كبيرا للدولة اذ ان الديون وصلت بنهاية ديسمبر 2008م الي 33,5 مليار دولار تمثل الفوائد التأخيرية حوالى 14,6 مليار دولار والفوائد التعاقدية 4,4 مليار دولار فيما بلغ الاصل منه حوالى 14,4 مليار دولار فى وقت وصلت فيه الدول الدائنة الى حلول مع غالبية الدول الافريقية وتسويات لديونها عبر برامج محددة فيما عدا دولتين لم يتم تسوية ديونهما وهما السودان والصومال ، فيما اعتبر خبراء اقتصاديون امر اعفاء الديون وتسويتها يكمن فى التوصل الى اتفاق وتطبيع العلاقات مع اميركا،اضافة الى ان تراكم الديون يكمن وراءه عدم قدره السودان علي سداد ديونه فى الفترة المحددة رغم اعادة جدولتها وذلك ايضا يرتبط بان الجدولة نفسها لم تتضمن أي اعفاءات فى الاصل او الفائدة الامر الذى ادى الى عجز عن السداد وقاد الى تطبيق شروط الفوائد الجزائية عليه.
ودعا خبراء اقتصاديون الى ضرورة الوصول الى تحسن فى عملية السداد بتسويات معينة ، وحددوا فترة زمنية تصل الى ثلاث سنوات وفقا للمعايير والمقاييس الاقتصادية مرتبطة فى الاساس بتطور الاوضاع المالية ، ويرى اخرون ان تداخل الاجندة السياسية تلعب دورا اساسيا فى تفاقم الديون حيث استمرت حالة الفتور بين السودان ومؤسسات التمويل العالمية مما دفع الخرطوم الى التوجه والاقتراض من الدول العربية والصين، وكثير من المنح والمساعدات المالية وجدت طريقها الى السودان من الدول العربية والاسيوية ولايكاد يوجد للغرب اثر فى تلك المنح والقروض الخارجية ، ولكن يؤكد بعض المهتمين بضرورة اعداد سياسة شاملة لمساعدة الحكومة على معالجة ديونها وتقوية القدرة النوعية فى كيفية ادارة الديون بكفاءة وفاعلية عبر وضع قاعدة للتحرك لتمكين السودان من شطب ديونه على الاقل لتقليل موقف وضع السودان خارجيا .
وفى السياق يرى الخبير الاقتصادى والمدير السابق لوحدة الدين الخارجى ببنك السودان عمر ابراهيم الطاهر، ان الدولة ظلت تسعى للحصول على دعم الدائنين لاعادة الثقة على شطب المتأخرات وبالتالى تصل تدريجيا الى عملية تطبيع العلاقات الاقتصادية والتمويلية ومساعدة الحكومة على تكوين مجموعة الدعم والتفاوض للحصول على تخفيض اكبر من خلال آلية خفض وجدولة الديون بنادى باريس فى اطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون ،مشيرا الى حاجة السودان الى بناء قدرات وتوفير التدريب للموظفين المعنيين وتطوير اطار وهيكل كافٍ باجراءات مؤسسية لادارة الديون بكفاءة وفاعلية ، وقال هذا من شأنه اعادة الثقة فى حل مشكلة الديون، مشيرا الى وجود خطة واستراتيجيات عامة تم وضعها لحل الديون والتى تلزم السودان بدفع متأخراته لكل الدائنين حيث يتم سدادها فى اطار البرنامج الاقتصادى متوسط المدى الذى تم اقراره من قبل صندوق النقد الدولى ، ونبه الى اهمية تجنب السودان للمعاملات التفضيلية مع أي دولة فى الاطار الثنائى، داعيا الى ايجاد آلية سياسية لحل مشكلة الديون ، وان يلتزم السودان بعد الحصول على أي قروض اجنبية غير ميسرة الا فى حالة الضرورة القصوى ، كما من الاهمية بمكان ان يسرع السودان فى مفاوضاته مع الدائنين من المؤسسات المالية الدولية لايجاد وسيلة يتفق عليها لسداد المتأخرات الحالية، مؤكدا ان التقيد بتلك الاستراتيجية يدفع السودان الى الايفاء بخدمة الديون للمؤسسات المالية الدولية وبعض الدول الدائنة الاخرى لمحاولة لتشجيع التدفقات المالية الجديدة .
وقال ان الدين الخارجى للسودان وصل بنهاية ديسمبر 2008م الى 33.5 مليار دولار وحتى الان لم تحل هذه الديون وهى فى تزايد ، وبدأت محاولات معالجة المديونية منذ اكتوبر 1999م ، حيث ان صندوق النقد الدولى وافق على معالجة ديون السودان بعد ترميم العلاقة مع امريكا، لكن مازالت العلاقات الامريكية يشوبها التوتر، مبينا انه حتى لو تم التخفيض يكون ذلك وفق برنامج اقتصادى محدد يتم مراقبته بواسطة صندوق النقد والبنك الدوليين.
وفى ذات الاطار يقول الدكتور حسن بشير محمد نور الخبير الاقتصادى استاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، ان الديون والتي اصبحت تشكل عبئا كبيرا علي الاقتصاد السودانى مصدرها ليس واحدا، وان صندوق النقد الدولى يقوم بالرجوع الي الممولين الحقيقيين حتى يتمكن من اتخاذ الاجراء الخاص بتقسيط الديون ويمكن ان يحفز بعض الدائنين لتخفيف مديونيتهم علي السودان في مقابل مزايا استثمارية، ويري انه من الاجدى التفاوض مع الجهات الدائنة وربطها بالمنح التي يجب ان يستلمها السودان وفقا لاتفاقيات السلام ، مشيرا الي ان المانحين اذا ما اوفوا بالتزاماتهم سيخفف ذلك العبء الواقع علي السودان كثيرا مما يساعد في اعادة الاعمار واحداث التنمية وانعاش الاقتصاد،علما بان تكاليف السلام تكاليف ايجابية لاتساوى شيئا مقارنة بتكلفة الحرب التي تهدد الموارد البشرية والمادية وتعطل عمليات التنمية، فالآن ربما تتكبد الحكومة تكاليف اكبر في دارفور وليس في الجنوب حيث ان هنالك قسمة ثروة بالنسبة للاخيرة تتضح في عوائد البترول والتي يتم تحويلها الي حكومة الجنوب وهي بالتالي تخرج من تصرف الحكومة المركزية.
وبالرجوع الى مشكلة الديون نجدها تعوق انفاذ برامج السلام والتي تختص بالتنمية واعادة اعمار ما دمرته الحرب وهي تحول دون تدفق القروض والمنح بصورة كبيرة تلبي خطط التنمية الاقتصادية ومعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوداني والتي تحول دون ارتفاع مستوى المعيشة وتفرز اثاراً مالية فيما يتعلق بمكافحة الفقر وتدني مستوى التنمية البشرية وتطبيق برامج رفع القدرات لمواكبة اشتراطات اتفاقيات السلام في بناء تحول ديمقراطي واتباع سياسة الحكم الرشيد ومكافحة الفساد والنهوض بمعدلات المؤشرات الاقتصادية مثل معدل النمو الاقتصادي ومعدل البطالة ومعدلات التضخم ومعدلات التجارة الدولية والتبادل التجاري وغيرها، وهنالك اثر سالب آخر لمشكلة الديون حيث ان تفاقمها يمنع من استدامة الدين اي التمكن من الاقتراض مرة اخرى لتمويل الانشطة الاقتصادية التنموية حيث نجد ان نسبة اجمالي الديون الخارجية في السودان الى الصادرات من السلع والخدمات بلغت اربعة اضعاف النسبة القياسية العالمية، وقد كانت في عام 2003 ثمانية اضعاف تلك النسبة القياسية العالمية.
ومن ناحية اخرى فان نسبة اجمالي الديون الخارجية الى الايرادات تمثل ثلاثة اضعاف النسبة القياسية في عام 2003 واربعة اضعاف النسبة في عام 2002 وهذه المؤشرات تعني ان السودان من الدول الفقيرة والتى يجب ان تدخل ضمن مبادرة الدول المثقلة بالديون « الهيبك» الا ان الاجندة السياسية الرامية الى حصار السودان ومنعه من التقدم والتطور تحول دون ذلك ، وينبغي على صناع القرار الاقتصادي عدم التعويل على هذه الوعود التي اطلقت وارتبطت بتحقيق السلام، ولكن مثل ما حدث في مقررات مؤتمرات المانحين التي عقدت لمساعدة بعثة السودان في تمويل تنمية واعمار المناطق المتأثرة بالحرب او انفاذ مشروعات الجام المشتركة يجعل من ينتظر هذه الدول كباسط كفيه الى الماء او كالمرتجي ظل الغمامة كلما تهيأ منها للمقيل اضحملت.
نظرة صندوق النقد الدولي في استراتيجية الديون
لقد وضع صندوق النقد الدولي منذ العام 2002م ورقة عن المواضيع الاساسية لحل مديونية السودان ومتأخرات المديونية، ومن خلال اجتماع مجلس التنفيذيين بصندوق النقد الدولي في العام2005م اوصى المجتمعون على ان يراعي السودان عدة جوانب عند تعاطيه لمسألة استراتيجية الديون.
وذكر مدير وحدة الدين الخارجى بالبنك المركزى الاسبق عمر ابراهيم الطاهر أن التحدي الماثل للسودان نحو دائنيه يمثل نقطة حرجة نسبة لتراكم متأخرات المديونية الخارجية والتي بلا شك في حاجة الى جهد مكثف من كل الدائنين للمساعدة في قيادة المفاوضات المستقبلية، ولذا فقد شعر التنفيذيون بضرورة تحديث استراتيجية العام 2002م لتشمل المواضيع الاساسية لحل المديونية الخارجية ومتأخراتها.
وفي هذا الاطار يقول ان الدخول في مفاوضات تفصيلية يتطلب استراتيجية إطفاء المتأخرات بينما رأى البعض الآخر من التنفيذيين ضرورة وضع خطط اساسية لتناول تلك الموضوعات.
وعموماً رأى بعض التنفيذيين على أن حل مشكلة المديونية الخارجية يتطلب تحقيق تقدم في حل مشكلة دارفور وتنفيذ متطلبات اتفاقية السلام.
وفيما يختص بموقف الدفعيات لصندوق النقد الدولي شدد بعض التنفيذيين علي ضرورة تشجيع السلطات المحلية بزيادة الدفعيات خلال العام 2006م التي تدفع بتحسن مقدرة السودان على خدمة ديونه، بينما شعر البعض الآخر بأن موقف الدفعيات الحالية يظل مناسباً في ظل حاجة البلاد لتنفيذ متطلبات السلام فيما يتصل بحاجة البنيات الاساسية، وايضا يرى بعض التنفيذيين باهمية الحصول على المعاملة المماثلة لكل دول العالم الثالث .
وفيما يتصل بحجم الاقتراض الخارجي عبر مجلس التنفيذيين عن عدم رضائه عن حجم الاقتراض الخارجي غير الميسر، قائلاً رغم ان حاجة السودان تعتبر ملحة يتطلب من السلطات تخفيض القروض غير الميسرة لتجنب تفاقم الديون الخارجية والتي ربما تصعب من عملية مفاوضات الجدولة في اطار دول نادي باريس.
وفيما يختص باستراتيجية الديون الشاملة ومجموعة الدعم يقول البروفسور علي عبدالله علي إن الطريقة العملية للسودان مع المؤسسات المالية الدولية تتطلب منه إطفاء المتأخرات، والتي تحتاج الى استراتيجية شاملة ومتسقة بواسطة كل الدائنين، تعقبها عملية تخفيض كبيرة لمواكبة سقف الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون في نهاية العام 2006م.
ونتيجة لتعقيد مديونية السودان وكبر حجم المتأخرات يطالب الدكتور سيد علي زكي وزير المالية الاسبق بضرورة وضع حلول جذرية ومعالجات للديون الخارجية عبر تقسيم الديون الخارجية وتفصيلها ، مشيرا الى الحاجة فى تكوين مجموعة دعم غير رسمية للسودان لتشمل أكبر الدول الدائنة لتساعد في التفاوض وتطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية وتعزيز المشاركة في حل مشكلة مديونية السودان، علماً بأن مجموعة الدعم ليست لها أية علاقات رسمية لأية مؤسسة أو مجموعة من الدائنين، لكنها يمكن ان تصمم وتنفذ منهجا متسقا وشاملا للتطبيع المالي وحل المديونية في زمن مناسب، موضحا ان الاهداف وشروط مجموعة الدعم تتطلب تأكيد تفهم مشكلة ومسببات مديونية السودان الخارجية وتراكم متأخراتها وبناء الفهم الموحد بين المشاركين في مجموعة الدعم والمساعدة في إنشاء علاقات مميزة مع كافة الاطراف المشاركة، مشيرا الى ان وجود قائمة لاعفاء الديون لكنها تشترط محاربة الفقر وقيام الانتخابات وحل مشكلة دارفور ، وشدد على ضرورة التفاوض مع الدول الثنائية لاعفاء وجدولة وخفض ديونها على السودان .
رجاء كامل :الصحافة