العلاج بالخـارج لماذا ؟!
لماذا يسافر السودانيون للعلاج فى الخارج؟هل لقصور فى الطب السودانى؟ام الممرض السودانى؟ ام الخدمة المقدمة؟ الا توجد معدات تشخيصية وعلاجية كافية ومتطورة ؟الا يشكو المرضى من ارتفاع اسعار العلاج فى المستشفيات الخاصة ؟اليس هناك شكاوى من المستشفيات بالخارج وسمسرة فى العلاج ومتاجرة بالمرضى السودانيين ؟ماهو دور الدولة فى توطين العلاج بالداخل؟ ماهو دور التأمين فى الحد من سفر السودانيين الى الاردن ومصر وغيرها من الدول ؟ مجموعة اسئلة طرحها للنقاش بروفسير مامون حميدة رئيس جمعية اختصاصيي الطب الباطن السودانية امام جمع كبير من الاختصاصيين السودانيين العاملين داخل وخارج السودان فى ندوة نظمتها الجمعية امس بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات شهدت صعود احد المرضى الى المنصة حاملا مجموعة من الاوراق قائلا للاطباء «اريد السفر للعلاج بالخارج لاجراء عملية واذا اقنعتمونى بنجاحها فى السودان لن اسافر .! ».
رأي الحكومة
دعا وكيل وزارة الصحة الاتحادية د.كمال عبد القادر الى ان يكون العلاج بالخارج خيارا وليس ضرورة واجاب على سؤال لماذا العلاج فى الخارج بقوله لانه ليس له وجيع فى الداخل وليس له وجيع فى الخارج، وقال كمال من الصعب منع العلاج بالخارج، واضاف حتى الامريكان والانجليز يتعالجون خارج بلادهم، وعن الفرق بين الاطباء بالداخل والخارج قال كمال نحن لسنا اشرارا وهم ليسوا ملائكة، ولكن عدد المرضى الذين يعودون للسودان احياء اقل من الموتى، مؤكدا ان الذى يوطن العلاج بالداخل هو القطاع الخاص وان الدولة يمكن ان تدعمه باعطاء اراضى مجانية وتيسير القروض، داعيا القطاع الخاص للاستثمار فى المستشفيات الموجودة، مشيرا الى نجاح تجربة مستشفى الخرطوم الجنوب،ى ومستشفى البقعة بام درمان، كما طالب المستشفيات الخاصة بتقديم فرص تدريب لنواب الاختصاصيين واطباء القطاع العام للاستفادة من امكانياتهم ، واعتبر كمال ان المؤسسات الحكومية التى ترسل منسوبيها المصابين بامراض عادية الى الخارج تهدر مال الدولة.
القطاع الخاص …نحن هنا
البروفيسر سليمان صالح فضيل استشارى الباطنية والجهاز الهضمى وصاحب مستشفى فضيل ممثل القطاع الخاص فى الندوة، قال ان سمعة الطبيب السودانى لاتزال طيبة وتجد الاشادة خارجيا خاصة فى مجال امراض وجراحة الجهاز الهضمى، مشيرا الى حالات مرضية زائرة من دول مجاورة وجدت العلاج فى السودان ولم تجده فى الاردن، وقال فضيل ان مشكلة العلاج بالخارج يتسبب فيها الأطباء الجدد لان اعدادهم كبيرة مع عدم توفر الأمكانات التعليمية والأساتذة والتعريب وتوقف البعثات كذلك للاطباء القدامى دور بعدم مواكبتهم وظروفهم المالية الصعبة وعدم تحويلهم للحالات المستعصية الى تخصصات اخرى ما اسماه بـ «الكنكشة » اضافة لهجرة التخصصات الدقيقة، وقال فضيل ان الدولة تساهم ايضا فى المشكلة بالضرائب والعوائد وعدم دفع المرتبات.ومنافسة القطاع الخاص والسياسات المتقلبة والمطالبة ببنوك الدم فى المستشفيات الخاصة، واستعرض فضيل عبر البروجيكتر مانشيت لصحيفة سودانية قال انه يؤثر سلبا، وقال ان الصحف تعمل على التهويل والاشاعات وعدم المصداقية فى تناولها للصحة وعدم الأشادة بالانجازات الطبية في القطاع الخاص والعام وترصد الاخطاء الطبية الموجودة حتى فى امريكا، وقال فضيل هناك اذرع لسماسرة العلاج بالخارج داخل مؤسسات الدولة وبعض الصحف، وعن دور المواطن فى المشكلة قال ان البعض يؤمن ايمانا قاطعا بالطبيب الاجنبى ويعتبر كل الأطباء السودانيين واحدا ولا يطالب بحقوقه في الداخل والخارج، واعترف فضيل بوجود قصور فى تخصصات نادرة كجراحة المفاصل والشبكية والقلب وقال امريكا لها دور بعقوباتها المفروضة على السودان.
واقترح فضيل على الدولة تقوية التأمين الصحي والالتزام بالرعاية الأولية و تشجيع الأستثمار الطبي والتعاقد مع القطاع الخاص في التخصصات النادرة
،واقترح على القطاع الخاص تكوين نقابة فعالة وعدم محاكاة المراكز الطبية القديمة والاستثمار فى تخصصات مختلفة مع الالتزام الصارم بالمعايير العالمية والصدق في ذلك والمشاركة في التعليم الطبي وتخفيض الأسعار وتخصيص جزء من الأرباح لعلاج الفقراء بمشاركة ديوان الزكاة.
القمسيون : 12.072,120 دولارا فى عام واحد
د.محجوب مكى على رئيس القمسيون الطبى، قسم المرضى الى 4 فئات ، الأولى لا يتوفر العلاج لها بالداخل فعلاً نسبة لعدم توفر المعدات والأجهزة اللازمة لإجراء العمليات، وعدم توفر الكادر المؤهل والمدرب لإجرائها.
وعدم توفر معينات المعمل والتشخيص والمعينات اللازمة لمتابعة الحالة خاصة بعد العمليات الدقيقة والحرجة.
اما الفئة الثانية وهى التى تمثل الاكثرية هي التي يمكن أن يتم علاجها داخلياً ولكنها ترغب في العلاج بالخارج لعدم توفر الثقة في الكادر الطبي او ان المريض لدية الإمكانات المادية التي يمكن أن يستغلها للعلاج بالخارج او لان بعض المؤسسات تدفع مالا لمنسوبيها إذا تم العلاج بالخارج ولا تدفع إلا بقدر محدود إذا كان بالداخل.
والفئة الثالثة فئة يمكن علاجها بالداخل ولكن قد تحتاج الى مراكز متطورة فى احدى مراحل علاجها.
والفئة الرابعة وهى الفئة التى وصلت مرحلة ميئوس من شفائها .
ولتنظيم وتسهيل العلاج بالخارج قام القمسيون بإلغاء النظام السابق للجان الثلاثية الذى يمكن اى ثلاثة اطباء من كتابة تقرير يسمح للمريض بالسفر
وتكوين لجان طبية فنية تتصف بالكفاءة والصدق والامانة والخبرة وعدم التحيز من المدركين للامكانات المتوفرة للعلاج داخليا وتم إعداد موجهات لنموذج موحد لتقرير العلاج بالخارج أعدته لجنة من الاستشاريين بقرار وزارى يلتزم بها الاختصاصى المعالج وإعداد قوائم بالامراض و الحالات التى تتطلب العلاج بالخارج وإعداد استمارات للتغذية الراجعة تملأ بواسطة الاختصاصى المعالج بالخارج كما تم إنشاء وحدة للمتابعة والتقييم للمرضى الذين تقرر علاجهم بالخارج و تعيين مستشارين طبيين فى كل من مصر والاردن والبدء فى إعداد استمارة وموجهات لاعتماد المستشفيات والمراكز العلاجية بالخارج وفق موجهات الجودة.
القومسيون تقف فى طريقه معوقات كثيرة ابرزها التعاقدات المباشرة لبعض المؤسسات والتكلفة العالية لبعض العمليات بالداخل كما ان الدعم المقدم من الدولة للعلاج بالخارج دون المطلوب مقارنة بالتكلفة
واللجان الطبية الفنية لا تقوم بملء استمارة العلاج بالخارج بصورة كاملة، وضعف الدعم المقدم للقطاع الخاص لان العلاج بالخارج يتم فى القطاع الخاص والسلوك السيئ من مقدمى الخدمة وعدم التزام الاختصاصيين المعالجين بكتابة التقاربر الطبية الوافية .
واوصى القمسيون بإخضاع ادارة العلاج الموحد لاشراف وزارة الصحة حيث انها الجهة المسؤولة عن العلاج بالداخل والخارج والاستمرار في مشروع توطين العلاج بالداخل لدعم الفقراء والمساكين و الاستثمار في إنشاء المؤسسات العلاجية ذات الجودة عن طريق الشراكات مع هيئة الموانئ البحرية وبنك السودان وشيكان والجمارك والسكة حديد وغيرها .
متوسط التكلفة المالية للعلاج بالخارج لعام 2008 وفقا للتقديرات المرسلة من السفارات السودانية بلغت 12.072,120 دولار حيث بلغ عدد الحالات المحولة عن طريق القمسيون الطبي 1396 حالة .
السفارة ضد السماسرة
الاستاذ بيرم صاحب اشهر مكتب علاج بالخارج ظل يسهل سفر السودانيين للاردن لمدة عشرة اعوام ويتعامل مع جهات حكومية عليا وشركات خاصة كبرى قال فى مداخلة طريفة بالندوة ان بعض المرضى يسافرون وهدفهم «شوفونى » ، واضاف ان السفارة السودانية بالاردن تعتبرنى عدوها الاول رغم اني اعمل بطريقة مشروعة وادفع الضرائب، واتهم السفارة بالعشوائية وقال ليس لها دور الا زيارة المرضى ومطايبتهم فقط .
المستشار الطبى بسفارة السودان بالاردن منى عبد الرحمن رصدت بعض المشاكل التى تواجه السودانيون بالاردن وكانت ابرزها الثقة العمياء التي ادت الى حالات النصب و الاحتيال واصطياد المرضى الذين لا يتصلون بالسفارة بواسطة سائقي التاكسي و سماسرة العلاج الذين يوجهونهم بالاتجاه غير الصحيح وتنقلهم من مستشفى الى مستشفى الامر الذي يزيد الفاتورة واعادة الفحوص المختبرية و الاشعاعية التي اجريت في السودان ونفاذ مبالغهم قبل اكمال العلاج و الغرامات المتكررة من شركة الخطوط الجوية الاردنية بسبب تأجيل السفر لعدم دقة التقديرات المالية الاولية لتكلفة العلاج والتجول في مراكز الامن ووزارة الداخلية لتجديد الإقامات، واجراء بعض المستشفيات لعمليات جراحية لاداعي لها مع عدم وجود قانون خاص بالمساءلة الطبية في حالة حدوث خطأ وتتم المعالجة بصورة شخصية بين اعضاء السفارة و المستشفى وفي الغالب لاتكون في صالح المريض وتلقي المريض للعلاج بسعر اعلى من المريض الاردني.
سفارتنا بالاردن وضعت بعض المعالجات والحلول منها تكوين لجنة طوعية من اطباء و بعض ابناء الجالية يتعاملون مباشرة مع السفارة الاردنية ومكتب الخطوط حيث تقوم السفارة بمنح التأشيرة مجانا للمرضى و تخفض الخطوط التذاكر وتم فتح مستشارية طبية للتعامل مع هذه المشاكل على ان يكون هناك تنسيق مسبق بين السفارة و القمسيون وضرورة الاشراف الكامل لوزارة الصحة على سفر المرضى ومراجعة اداء المكاتب وكلاء المستفيات في الخرطوم.
للعلاج بالاردن مزايا كثيرة اهمها توفر اطباء الاختصاص و كوادر التمريض الممتازة في التخصصات الدقيقة و تواجدهم داخل المستشفيات بصورة مستمرة مع تجهيزات طبية عالية تضاهي مثيلاتها في امريكا و بريطانيا وانخفاض تكلفة العلاج بالمقارنة مع الدول المجاورة و الدول الاوروبية وانخفاض تكاليف السفر و الاقامة .
السلاح الطبى والتحدى
بالرغم من ان قيادة القوات المسلحة تدعم السلاح الطبى دعما مقدرا باستجلاب المعدات والكوادر لكن الصرف على سفر منسوبيها الى الخارج يشكل تحديا كبيرا لهم فقد اعلن الفريق طبيب أحمد بن ادريس مدير الخدمات الطبية بالسلاح الطبى عن زيادة فى عدد مرضى المؤسسة العسكرية المسافرين الى الخارج، وقال خلال عام 2009 بلغ عددهم 79 فى كافة التخصصات وان كان معظمهم فى الباطنية وجراحة العظام والمخ والاعصاب.
الفريق ادريس وضع حلولا كثيرة لتقليل سفر السودانيين الى الخارج منها بناء وتوفير مؤسسات صحية متكاملة الخدمة وفق معايير عالمية وحث الدولة لزيادة الدعم والتمويل المقدم للقطاع الصحى اسوة بالدول الاخرى وفق معايير منظمة الصحة العالمية وتشجيع الدولة للقطاع الخاص للاستثمار فى القطاع الصحى من خلال دعم الكهرباء وتوفير التسهيل للتمويل البنكى وخفض الضرائب وتفعيل القوانين واللوائح التى تنظم السفر للعلاج بالخارج وتفعيل قوانين محاسبة ومراقبة الدولة للقطاع الصحى بشقيه العام والخاص وحث الاطباء والاختصاصيين على خلق تواصل مع مرضاهم بصورة تمكن من تمتين الثقة بين المريض والمعالج وتقليل تكلفة العلاج بالداخل من خلال القوانين التى تحد من الجشع وتوفير ظروف معيشية افضل للكوادر الطبية مع تسهيل تدريبهم فى الدول والمؤسسات ذات السمعة الطيبة .
مداخلات ومقترحات
رئيس المجلس الطبى السودانى بروفسير الزين كرار وعد بتحسين صورة الطبيب السودانى داخليا وخارجيا وحسم كل من يتساهل ويرتكب الاخطاء الطبية وتطوير البيئة الطبية فى الجامعات والمستشفيات، ولكنه قال ان الحال لايمكن ان ينصلح الا اذا تغيرت نظرة الدولة تجاه القطاع الصحى .
واقترح د.عبد العظيم كبلو أمين عام الجمعية على جهات الاعلام تسليط الضوء على الخدمات الطبية الممتازة والنجاحات الكبرى للاطباء السودانيين داخليا وخارجيا والتى اشادت بها المنظمات العالمية وعكسها للمواطن .
كذلك اقترح د.عبد الله حسين ممثل التأمين الصحى الدخول فى شراكة بين القطاع الخاص والتأمين الصحى لانشاء مستشفيات متطورة يكون العلاج فيها ببطاقة التأمين الصحى، مشيرا الى النجاحات التى حققها بتغطية شاملة وصلت 30% ، مشيرا الى وصولهم لنسبة 100% بحلول عام 2016م.
نقيب الاطباء بروفسير عبد العظيم كبلو دعا الى انشاء مستشفيات تابعة لكليات الطب المنتشرة بالبلاد ، وقال ان حديث الدولة عن تشجيعها للقطاع الخاص لتوطين العلاج بالداخل منافٍ للواقع وضرب مثلا بتشجيع الرئيس المصرى جمال عبد الناصر للاطباء وقال انه قام باعفائهم من الضرائب والجمارك .
نشر ثقافة السياحة العلاجية
د. صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان قال ان الاستثمار فى مجال الخدمات الصحية وانشاء مستشفيات علاجية مطابقة للمواصفات العالمية من شأنه تنشيط الاقتصاد السودانى وجلب عائد مالى ضخم فى زمن السياحة العلاجية ، موضحا ان المال الوارد افضل من الصادر، و اعترف صابر بوجود مشاكل في النظام المصرفى السودانى تؤثر سلبا على القطاع الصحى، وقال ان النظام المصرفى ورث آلية السداد بالضمانات التقليدية المعروفة ، مع مدة تمويل قصيرة لا تزيد عن ثلاث سنوات، ودافع صابر عن المصارف وقال ان القطاع المالى فى السودان يتكون من مصارف تجارية ويفتقد للمصارف الاستثمارية والاسواق المتطورة، وتقوم المصارف التجارية بدور هذه المؤسسات الغائبة ولاتستطيع التمويل فترة طويلة، مؤكدا سعيه على تغيير هذه السياسات الخاطئة عبر طرق مختلفة وحث المصارف على اعطاء القطاع الصحى الاولوية فى التمويل لاستيراد البنيات الاساسية وانشاء مستشفيات عالية الجودة ووعد بمتابعة توصيات ندوة العلاج بالخارج مع وزارة المالية.
محمد شريف :الصحافة