تحقيقات وتقارير

الفساد المالي والإداري تحت المجهر


يقول اكثر الناس تمسكاً بالواقعية ان المثالية لا يمكن ان تصمد امام بوابة الحياة الدائمة الإنفتاح وبالعديد من المتغيرات التي تجعل من المثالية مطلباً محال التطبيق، لذلك تكثر حالات الفساد في المجتمعات المختلفة و بأنواع مختلفة ومتباينة ، فتارة فساد مالي وآخر اداري وهنالك فساد اخلاقي وقيمي.
وفي هذه المساحة يفتح المركز السودانى للخدمات الصحفيه تحقيقاً حول موقف المؤسسات العامة بالدولة من الفساد المالي كما يبحث التحقيق عن السبل الناجعة لوضع العلاج المناسب للظواهر السالبة بالخدمة المدنية.

مدير مركز تطوير الإدارة
حيث كثر الحديث مؤخراً عن الظاهرة واصبح الفساد قولاً يطارد الاحرار عبر الوسائط الإعلامية المختلفة مما كان له الاثر السلبي لدى المواطن البسيط صاحب الخدمة والتي تربطة مع المسؤولين ايما رباط، فأصبحت الصورة مهزوزة في ذهنية هذا المواطن من جراء هذه الشكوك. كما ان حالات الاعتداء علي المال العام وفق ما ظهر للعيان من خلال وسائل الإعلام المختلفه ، جعل الصورة سالبة عن حقيقة الاوضاع.

المجتمعات لا تخلو من الفساد
د. يوسف محمد احمد العوض مدير مركز تطوير الإدارة يقول عن ظاهرة الفساد المالى والادارى انه من غير المنطقي ان نبحث عن مجتمع دون هنات وازمات ادارة وان المجتمعات في الواقع لا تخلو من الفساد البتة ، واضاف لا يوجد مجتمع مثالي فالفساد موجود سواء كان إدارياً او اخلاقياً اومالياً . ولكن تقوم الجهات المختلفة وذات الإهتمام بوضع التحوطات اللازمة لضبط سلوك الناس في مختلف مجالات الحياة .
ولخص د. يوسف مشاكل الخدمة المدنية في بيئة العمل والتشريعات والإجراءات وقال : هناك إتهام يوجه دائماً وبإستمرار للقيادة السياسية بانها لم تأخذ بنتائج الدراسات وتطبيقها وهذا تحديداً من الاسباب التى ادت وبصورة مباشرة الى تدهور الخدمة المدنيه .

التسييس والممارسات السياسية

واكد مدير مركز تطوير الأدارة ان عملية التسييس والممارسة التجارية التي تتبعها النظم الحاكمة لها اثر عميق على الخدمة المدنية و صعوبة إدارتها، وليس ذلك فحسب وإنما سياسة الصالح العام وفائض العمالة والتطهير بجلب المواليين للنظام الحاكم للخدمة العامة دون مراعاة الكفاءة من اكثر الاسباب إضراراً بالخدمة العامة وايضاً من اسباب الفساد الاداري . وقال ان التسييس يمنع من تواصل الخبرة و التواصل الإجتماعي والمهني . واكد ان من اسباب التدهور والفساد الإداري ان المجتمع تطور كماً ونوعاً ولا زالت الآليات في ترديها وان التربية والواقع العملي لا يتوافق مع قناعاتنا الدينية .
وحدد د. يوسف العديد من النقاط العملية للخروج من الفساد الإداري وهي : إعلاء قيمة العمل وإحترام الوقت وعلى الدولة ان توفر بيئة العمل والمؤسسية والشفافية ، مؤكدا بان الشئ غير الطبيعي هو ان لا يوجد فساد .

وجود الادلة
اما ريئس لجنة العمل والحسبة والمظالم بالمجلس الوطنى عباس الخضر عندما واجهناه بالحديث الذي يدور عن الفساد المستشري في الخدمة المدنية إدارياً ومادياً، قال : الحديث لا يلقى على عواهنه ولا بد من وجود ادلة ، وقال نحن لا يمكن ان نلقي شبهة الفساد ورغم ذلك لا يمكن تعميم الفساد في الدولة، فضعاف النفوس حتماً موجودون ، لذلك فقد وضح هذا الامر تماماً من خلال تقرير المراجع العام لهذه السنة والذي كشف عن (76) شركة عامه ومؤسسة لم تلتزم بكشف بياناتها الماليه ونحن في اللجنة قمنا بمخاطبة المراجع العام والشركات المذكورة فتضاءل العدد لعشرة ، وبذلنا جهدنا وراجعنا المؤسسات والشركات والآن لا توجد شركة او مؤسسة او هيئة خارج نطاق المراجع العام .

الفساد في الاطراف

عباس الخضر
وقال عباس الخضر ان للفساد انواع كثيرة واكبر ما نعانية من انواع الفساد ما يتعلق بالتعامل مع المال العام مشيرا الى ان هناك إعتداءات كثيرة واغلبها في المناطق الطرفية والولايات وهذه نفسها ضئيلة ولم تكن بالحجم المخيف كما يروج له في وسائل الإعلام . وعزا امر التعدى على المال العام الى ضعف الرقابة المباشرة

الدولة في قفص الإتهام
قال رئيس لجنة الحسبه والمظالم انه لايمكننا ان نضع الدولة في قفص إلاتهام ونقول بان هناك فساد وتعدى على المال العام، مشيرا الى ان الانسان ضعيف بطبعه ويمكن ان يرتكب مثل هذه التجاوزات ولولا ذلك لما وضع الله الحدود .
ويقول الخضر ان بعض الناس يتساءلون عن لماذا لا يقدم وزير واحد في ظل حكومة الوحدة الوطنية للمحاسبة ؟ ويجيب بالقول ، اننا كلجنة للعمل والحسبة والمظالم لا توجد لدينا ادلة ولو قليلة ضد أياً من الوزراء المعنيين في حكومة الوحدة الوطنية بتهم الفساد، ورغم ذلك نقوم بدورنا كاملاً امام القضايا المختلفة التي تثار هنا اما في الجنوب فالامر لا يعنينا ابداً فهناك وحسب اتفاقية السلام الامر بيد حكومة الجنوب .

غياب المحاسبة
اما د. يوسف مدير مركز تطوير الإدارة فيقول ان غياب المحاسبة وارد بنسبة كبيرة وان الجهات المختصة في الحكومة لو انها كانت تقوم بدورها تماماً في المحاسبة لكل من يتجاوز صلاحياته لما كانت هذه الإتهامات والادلة كثيرة هنا، فمثلاً هل تمت محاسبة المهندس او الجهة التي نفذت نفق عفراء وما شهده من إغراق اثناء الامطار التى هطلت بالخرطوم مؤخرا؟ ، بجانب ذلك يظهر غياب المحاسبة المسؤولة في الصراع القائم بين إدارة السدود والهيئه القوميه للكهرباء ، وايضاً الصراع بين مؤسسات التأمين الصحي بولاية الخرطوم ، وبين المعاشات الاتحادية وولاية الخرطوم . ودائماً الناتج عن مثل هذه الصراعات هو ضياع المواطن .

حقائق مجردة

ولكن رئيس اللجنة البرلمانية للحسبة والمظالم وصف الامر بانه قد تم تضخيمه ، وارجع ذلك الى الكيد الحزبي، وقال انه يتحتم علينا ان نوضح الحقائق المجردة للمواطنين ونقول ان الفساد موجود ولكنه نسبي، وان الفساد موجود فى كل دول العالم ، مشيرا الى ان الفساد فى السودان ان وجد فهو ليس على مستوى القيادات وليس سلوكياً او اخلا قياً . كما افاد بذلك تقرير المراجع العام .

هذا هو الحل
من جانبه قال مسؤول كبير بوزارة العمل – فضل حجب إسمه – قال ان هناك مفارقات في التعامل مع الوزارات على حساب المسئوليات وهناك خيارات بينها خاصة في توزيع الميزانيات ، فهناك بعض الوزارات تأخذ اضعاف ما تناله وزارات اخرى من الخزينة العامة ، فعلى أي اساس يتم توزيع الموارد للوزارات؟؟ وهذا برأيي احد دوافع الفساد الإداري إذا وجد ، ولا انكر القول بالفساد الإداري والمالي فكلاهما موجودان ولكن بنسب ضئيلة وليس كما يتصورها الآخرون . ولكن إذا كانت الدولة تتعامل مع الوزارات على طريقة المفاضلات فكيف يمكن للخدمة المدنية ان تنهض والممارسات الخرقاء تعيق مسيرتها ؟؟

وقال اننى ارى انه من الضرورى الخروج من النفق المظلم هذا ولابد من تهيئة بيئة العمل والالتزام بالتشريعات وتنفيذها المباشر للحد من الفساد المباشر ورفع الظلم والغبن الموجود ببعض الوزارات ، فإذا كانت الادارة السياسية ترى بعدم جدوى بعض الوزارات فمن الافضل الغاؤها تماماً بدلاً من الابقاء عليها مهمشة وارى ان إعلاء قيمة العمل واحترام الآخر والتنفيذ السليم من الدوافع لإصحاح جو العمل وبيئته إضافة إلى ذلك التربية السليمة . ولا بد للعمل الذي نؤدية من ان يوافق قناعتنا للخروج من شبهة الفساد . كما ان الإجراءات الرادعة غير موجودة لذاك يكون هناك إغراء لإرتكاب هذا الجرم في حق المال العام .

تراجع حجم الفساد

ورغم ما قيل عن صور متعددة للفساد ورغم ما توصل اليه التحقيق من ان هناك ملامح لفساد طال بعض المؤسسات سواء كان إدارياً او مالياً إلا ان مجلس الوزراء اطلع الصحافة في إجتماعه الاخير مع الاجهزة الاعلامية عن تراجع كبير في حجم الفساد المالي والاداري بالدولة . وقال الناطق بإسمة الاستاذ عمر محمد صالح ان حجم الفساد قد تراجع عن الثمانية مليارات للعام 2006 الى 3,2 مليار للعام 2007 وعزا ذلك الى الاجراءات التي اتبعتها الدولة للحد من حجم الفساد. وقال ان قضايا الفساد المالي كافة تمت احالتها للقضاء للحكم فيها عبر الاجهزة العدلية بيد انه قال ان ما يثار حول قضايا الفساد اكبر من حجمها الحقيقي وقال ان هناك تحسناً كبيراً في إطار خطط ومشروعات القوانين .

من المحرر:-
الملاحظ من خلال مجريات التحقيق والذي بحثنا فيه القصور المالي والاداري للاجهزة والمؤسسات بالدولة وحجم الفساد في كليهما، ورغم ان التحقيق اخذ البحث في واحدة من اعظم القضايا حساسية الا ان العديد من الهيئات التي استهدفها التحقيق تعاملت معه بواقعية وبعضها رفض مبدأ الشفافية في التناول، ولكن وكما خرج التحقيق بان لا مثالية للمجتمعات البتة ولا بد من وجود هنات وعثرات ، فان عثرة الفساد في مؤسسات الدولة لم تكن بالصورة المخيفة والمرعبة كما تصورها بعض الاجهزة الاعلامية. وقد اوضحت الجهات المختلفة التي طرقنا ابوابها سواء كانت بحثية او قانونية او رقابية ان الكرة الآن في ملعب الحكومة ،والتي كشفت من خلال مجلس الوزراء ان خطوات هذا الفساد مسرعة في التراجع عن ما كانت عليه في الاعوام الماضية، اضف الى ذلك تقرير المراجع العام والذي استطاع عقب تدخل البرلمان من اخضاع العديد من المؤسسات بالدولية لكشف بيانها المالي وهو امر كان متنازع حوله مع تلك المؤسسات.

المصدر :smc