مقالات متنوعة

فارس قد يأتي أو لا يأتي

فارس قد يأتي أو لا يأتي
لا بد من الاعتراف بأنّ ضرباً من المحاذير والمشاكل الاجتماعية غالباً ما تحرّض على بوحٍ من نوع ما، فلو أخذنا بعض مشاكل المرأة بشكل عام وبدون ضوضاء عرضها الفاضح، فسيتكشف لنا زيف الواقع البائس. ذلك الواقع هو أنّ معظم النساء غير مهيآت لنيل اللقب باعتبار انتظارهن الطويل لوعد لم يتحقق. ولعل الحقيقة بشكلها الآخر تتجه إلى مملكة التخفي التي تغري بشيء من الأمن الاجتماعي وتنزوي بعيداً عن تلصص لغة السرد المعقدة والثرثرة النسائية البسيطة والنشر الفاضح لأسرار تتكوّم خلف خوف الاتهام بنقص في عقل أو قلب. وبهذا يطول اللف والدوران حول فخ توظيف شكوى النساء على أنّه ليس إلّا من ملل الرجل، ونكد المرأة وسوء الحال. غالباً ما تُظهر المشاكل أنّ في العقل الباطن شيئا من واقعية الحياة الزوجية مثل تلك الأقوال الاجتماعية التي صارت مسلّمات لا تقبل الحجج أو البراهين أو تنامي عوامل نسفها. وهكذا الحال حتى استطال عمر القول المجتمعي الأثير، يسيّر المرأة إلى جهات عصية استفتحت أيامها دموعاً ووسعت حدود مآقيها بكاءً. وليغفر الله للكاتب المصري «مصطفى محمود» فقد كان من أكثر المثقفين ترويجاً لأقوال اجتماعية هلامية تتعلق بالحب والزواج في كتابه «في الحب والحياة».
أما خيبة المرأة فكبيرة لأنّ ما تنتظره وتترقبه وتنذر من أجله وقتاً عزيزاً لم يجيء مثلما وعد مصطفى محمود أو غيره. وهي بذلك تسعى إلى افتراض أن تكون المرأة السوبر بأن تصبح غير عادية، ويتمثل ذلك في قلة كلامها وكثرة سمعها، ماهرة طبخاً ولطفاً، مبدعة في صناعة الأحلام، خصبة الرحم، تلد كما وُلدت وسط الأوجاع الملونة بخيوط البخور وأريج الأدعية. امرأة تسترجع حياتها كما ذكرياتها المستعادة عن أخبار جدتها ووالدتها، وتنتج قرابين متجددة لتنهي منامها المستحيل دربه نحو الهلاك البطيء، وهي تستمسك بوثاق أمل الحب الذي سيجيء بعد الزواج مفتاحاً لحياتها لا يصدأ ولا يضيع ولا يكون دليل حتفها.
كما أنّ بعض الأقوال ليست جزءاً من الإنشاء العاطفي الذي تتحفنا به بعض النساء في كتاباتهن، وإنّما اعتراف لنساء أخريات. وحين عرفن خداع هذا القول أدركن أنّ الأرض أكثر خراباً مما ظنن وأقلّ أمناً مما عرفن، فتقدمت الأضداد وتقهقرت براءة القصد والنية واعتذرت النسوة أخيراً عن ثرثرتهن في اللغو الحميم المزيف وغير الحميم الذي يقضّ مضاجعهن في العزلة الباردة. لا شيء في هذه الحياة يدعو إلى تأجيل أحاديث الصراحة والبوح الذي يفعم الحياة الإنسانية. فثقافة الاعتذار مثلاً مفقودة لدينا كمجتمعات عربية، خاصة لو كانت عن هفوة مقصودة لم يلفها النسيان ولم تمنعها الظلمة من الظهور بمظهر الانتهازية ولم يسبقها تاريخ انهيار الزمن. والمرأة لن تقول عسى الإيمان بجهل الهانئين بوهمهم يحمي السلام العائلي لأنها لغة خاطئة، وما تنطق به النساء حتى وإن كان صحيحاً فهو خاضع للمساءلة ورفع الحصانة، أما ما ينطق به الرجل فهو خاضع للإيمان به. وبنفس النزعات الترويجية نرتكب حماقة الإيمان بكلا الوهمين. ما زال بوسعنا رؤية نساء لا يقوين على الوقوف على أرض معاناتهن، ينبشن بأظافرهن حد صرير الصخر، لا يبقين سوى على انكسار مرير لتقوى كبرياء أخرى طاغية لا تغفو نفسها عن سبي حلم غيرها ولا تخجلها مروءة، ولا يغسل ذنبها غفران دائم وسماح حتى تنتهي رحلتها من تعنت إلى قهر ومن انكسار إلى انكسار. هذه صورة مصغرة عن نساء ينتظرن كي لا تصبح أدوارهن البطولية مكرمة وفضل جهاد إن قامت به بعضهن سقط عن الأخريات، وما الأخريات إلّا من عصر حواء الآني. امرأة اليوم لا تيأس، لتمنح عذراً عن تأخر موعد يُضرب سياجه حزام ملل ووحشة. كل ذلك وإلى الآن المرأة هي ضحية السرور والعبوس، البهجة والبكاء، تحيا وسط انعدام الحب وفي بعض الأقاويل «شحّه»، الذي سوف يجيء بعد الزواج.

الكاتب : منى عبد الفتاح