ظاهرة غير صحية تتفشى داخل مؤسساتنا العلاجية .. معاينة المريض بالدول الأوروبية تستغرق نصف ساعة، وفي السودان نصف دقيقة
عادة غير صحية اعتبرها الكثيرون بأنها سيئة تفشت في المجتمع السوداني و قالت وزارة الصحة انها من أسباب السفر الى العلاج بالخارج. فحكاية «محمد أحمد» تؤكد على ذلك عندما ذهب الى أحد المراكز الصحية وحرر له الطبيب روشتة علاج دون إجراء الفحوصات المعهودة أو حتى إخطاره بمرضه فقام بتمزيف الروشتة وقرر السفر الى الخارج.. حالة «محمد أحمد» عانى جراءها الكثيرون في السودان، فالطبيب دائماً يترك المريض في صمت أو يحيله الى العنبر في صمت. فما هو سر صمت الأطباء بعد معاينتهم للمرضى؟ وماذا عن العلاقة بين الطبيب والمريض، ولماذا لم يتم تطبيق وثيقة حقوق المريض التي أصدرتها وزارة الصحة الإتحادية أخيراً؟ وكيف نعيد الثقة في الطبيب السوداني؟
غياب الشفافية
حاجة الإنسان للخدمة الصحية ملحة ومن حقوقه الأساسية وعندما يذهب المريض الى المؤسسات الصحية يتوقع ان يُعامل بصورة تحفظ له حقوقه، ولكن من الملحوظ هنا في السودان أن العلاقة بين المريض والمؤسسات العلاجية تكاد تصل الى فقدان أو انعدام الثقة، فالطبيب في أغلب الأحيان لا يملك مريضه المعلومات المهمة عن مرضه ومضاعفاته، فقط يكتفي بالوصفة الطبية، فيقوم بقياس نبضه ويجري له بعض الفحوصات بعد ان يحكي له المريض الأعراض أو مرافقه «إذا كان في حالة غيبوبة»، فيبدأ الطبيب في كتابة الروشتة ويغادر المكان في صمت، أو يحيل المريض ومرافقه الى العنبر في صمت أيضاً، وقد يطول مشوار العلاج أو يقصر، وفي حالة اللجوء الى طبيب آخر يتكرر ذات السيناريو ويضع الطبيب الأوراق التي وضعها المريض أو المرافق بين يديه وبالرغم من أنها من طبيب مثله وغالباً يقلل من قيمتها ويواصل عمله في صمت. سألت عدداً من المواطنين عن سر صمت الأطباء في السودان فأجابوا بأنها عادة سيئة تفشت منذ فترة طويلة وبسبب الصمت سافر الكثيرون للعلاج بالخارج، وقالوا إن بعض الصمت بسبب عدم معرفة الطبيب للمرض ويتفادى الاعتراف بعدم «المعرفة» ويلوذ بالصمت و«تطنيش» الأسئلة المتدفقة من المريض أو المرافق، وأضافوا أغلبهم لا يرغبون في النطق بجملة «لا أعرف حتى الآن» فغياب الشفافية في التعامل بين الطبيب والمريض وعدم تمليكه المعلومة الخاصة يتسبب في فقدان الثقة في الطبيب السوداني.
سر الصمت
«د. عادل عبدالرحمن البوشي» اختصاصي أمراض القلب بمستشفى الشعب ومدير المركز القومي لأمراض وجراحة القلب والصدر كشف عن سر صمت الأطباء قائلاً: سر الصمت يُعزى الى عدم الوصول الى التشخيص بصورة سريعة باعتبار ان التشخيص شيء مهم ويجب على المريض ان يتعرف على مرضه، وهذا حق من حقوقه، ولكل داء دواء، فالثقة ما زالت موجودة في الطبيب السوداني بالرغم من كثرة المرضى الذين يتلقون العلاج بالخارج، كذلك يوجد تعامل بين المريض والطبيب في حدود، فالعملية المهنية للطبيب تحتم عليه وجود هذا التعامل، لذا، لإعادة الثقة لابد أن يخبر الطبيب المريض بتفاصيل مرضه لكي يتجاوب مع العلاج.
ويرى د. عمر الجيلي – إختصاصي أمراض الصدر بمستشفى الشعب أن الطبيب السوداني يعمل لمدة «24» ساعة في الوحدة أو الحوادث ويأتي آلاف من المرضى ويفترض ان يعطي الطبيب «نصف ساعة» خلال الكشف ولكن الموجود هنا في السودان خلاف ذلك فعدد الأطباء قليل مقارنة مع عدد المرضى، مثلاً في إنجلترا يقوم الطبيب بمعاينة «6» مرضى فقط خلال اليوم.
ويضيف: كذلك من أسباب إنعدام الثقة عدم توافر المعينات اللازمة خاصة في المستشفيات العامة فنجد أن الطبيب يطلب من المريض إجراء عدة فحوصات خارج المستشفى. وأجمل «د. نزار محمد إدريس» – نائب مدير عام مستشفى الشعب- الأسباب في الحكومة والأطباء والإعلام، فالحكومة بسبب عدم تهيئة بيئة العمل مما جعل الثقة مفقودة في المستشفيات، وفي ظل هذه الظروف الصعبة يقوم الطبيب بمعاينة عدد كبير من المرضى وبالتالي الطبيب لا يعطي المريض الزمن الكافي ولا يشرح له مرضه، أما الإعلام فروج للعلاج بالخارج.
ظاهرة غير صحية
يقول «د. كمال هاشم» اختصاصي أمراض العيون: من حق المريض ان يعرف مرضه وعلاجه والآثار الجانبية للمرض إلا إذا تنازل عنه، فالطبيب السوداني الضغط عليه كبير خاصة في المستشفيات العامة، فهو مؤهل ومتميز في تخصصات عديدة فعدم الثقة بسبب سوء الفهم وما تم نشره من الأخطاء الطبية عبر الوسائل الإعلامية، ففي جانب عمليات الشبكية فهي موجودة في السودان وتم إجراء «500» عملية شبكية معقدة وبالرغم من ذلك يوجد من يسافر لها بالخارج.
الصراحة ضرورة
أما «د. إبتسام احمد علي» إختصاصي أمراض القلب بمستشفى أحمد قاسم- فترى ضرورة وجود الصراحة بين الطبيب والمريض، ولابد ان يعرف المريض تطورات مرضه، فعدم وجود علاقة بينهما في السودان بسبب إنشغال الطبيب أو بسبب عدم معرفة المريض بحقه، فهو لا يسأل الطبيب في أغلب الأحيان وهذه ظاهرة غير صحية وغير مقصودة، كما لابد ان تكون هنالك قنوات إتصال بين الطبيب والمريض وهنالك نظام معين موجود في المستشفيات كفريق كرة القدم.
علاقة مفقودة
وحسب رأي الفريق طبيب «احمد بن إدريس» – مدير إدارة الخدمات الطبية فإن العلاقة بين المريض والمؤسسات العلاجية مفقودة لعدة أسباب منها أن الطبيب لا يعطي المريض الزمن الكافي الذي يكسبه الطمأنينة ويشعره بأنه محل إهتمام الطبيب أو المؤسسة، وفي أغلب الأحيان لا يملكه المعلومات المهمة عن مرضه فقط يكتفي بالوصفة الطبية، بجانب أن مسار الخدمة في المؤسسات الصحية معقد ويستهلك من زمن المريض وإحساس المريض بعجزه عن الوصول لأحكام عادلة فيما يتعلق بالأخطاء الطبية، لذا لا بد من حث الأطباء والإختصاصيين على خلق تواصل مع مرضاهم بصورة تمكن من تمتين الثقة بين المريض والمعالج.
إرهاق للمريض
بينما ذهب «هشام محمود محمد»- رئيس الجمعية الخيرية لمرضى سرطان الدم الى أن الطبيب السوداني لا يقتنع بتشخيص غيره من الأطباء، ومن ثم المطالبة بإجراء فحوصات جديدة مما يرهق المريض مادياً ومعنوياً، وهناك عدم تواصل بين المريض والطبيب حيث ان إعطاء المريض رقم هاتفه المحمول يعتبر من المحرمات ولا يتسنى للمريض مقابلة الإختصاصي إلاّ في عيادته، ومن أسباب عدم الثقة في الطبيب السوداني عدم الشفافية في التعامل وعدم تمليكه المريض لحالته الصحية، والحل يكمن في تقوية العلاقة بينهما وزرع الثقة واللطف في المعاملة وعدم التعالي في المعاملة مع مواكبة لآخر ما توصل اليه الطب وأساليب العلاج المتطور.
وثيقة الحقوق
وفي ذات الإتجاه أصدرت وزارة الصحة الاتحادية وثيقة حقوق المريض والتعامل مع متلقي الخدمة، وذلك في إطار سعيها لتطوير مؤسساتها وتحسين الخدمة، هذه الوثيقة توضح حقوق المريض ولتوعيته وتبصيره بحقه وواجبه في الرعاية الصحية، كما توضح دور المؤسسات العلاجية ومقدمي الخدمة نحوهم، وتعتبر الوثيقة خطوة مهمة في تحقيق رضاء المرضى وجودة الخدمات الصحية، ومن أهم بنودها حصول المريض على معلومات كافية عن طبيعة مرضه من ناحية التشخيص والعلاج والنتائج المتوقعة من العلاج والأعراض الجانبية من الأدوية، لذا تطالب الوثيقة جميع المؤسسات الصحية الالتزام بها وتنفيذ بنودها.
وفي ذات السياق طالب د. كمال عبدالقادر وكيل وزارة الصحة الإتحادية في ندوة العلاج بالخارج التي نظمتها جمعية إختصاصيي الطب الباطن أخيراً الأطباء بضرورة إخطار المرضى بحالاتهم المرضية باعتبار أن ذلك من أسباب العلاج بالخارج، ودعا الدولة لإتخاذ بعض السياسات لسد الثغرات وتوفير كل المعينات والمقومات التي تساعد على توطين العلاج بالداخل بمنح الأراضي مجاناً وتخفيض الضرائب.
وأشاد الوكيل بدور الطبيب السوداني وكفاءته في عدد من التخصصات، وأضاف: بالرغم من سفر الكثيرين الى الخارج إلا ان ذلك لا يعكس سوء الوضع الصحي في السودان، فخلال السنوات الأربع الماضية تم صرف «46» مليون دولار لتأهيل البنيات التحتية لعدد من المستشفيات.
?? أخيراً ??
لماذا لم يتم تنفيذ بنود وثيقة حقوق المريض بتلبية حاجاته ونيل رضائه؟ فهل هي بسبب عدم معرفة المريض لحقوقه أم ماذا؟
منال حسين :الراي العام