رصد19.5 محاولة انتحار في السودان خلال العامين الماضيين ونسبة
حتفل العالم في العاشر من الشهر الماضي باليوم العالمي لمنع الانتحار وتشير التقارير الصادرة من منظمة الصحة العالمية الى أن ما بين 20-60 مليون شخص يحاولون الانتحار وان نحو مليون شخص ينجحون في الانتحار سنوياً في مختلف أنحاء العالم، وكل يوم يتم تسجيل 3000 حالة وفاة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد الى 5.1 مليون شخص بحلول العام 2020م وشهدت معدلات الانتحار في شتى أنحاء العالم زيادة بنسبة 60% خلال السنوات الخمس الماضية خاصة في البلدان النامية وأن الانتحار المبلغ عنه أكثره من فئة الشباب (الفئة العمرية 15-34 سنة) في جميع أنحاء العالم وأن معظم عمليات الانتحار المبلغ عنها تتعلق بالبالغين وعلى الرغم من التماسك الاجتماعي في السودان والعادات والتقاليد السمحة إلا أن ظاهرة الانتحار بدأت في الانتشار حيث دونت دفاتر الشرطة 1905 حالة خلال العامين الماضين
وبعد الاطلاع على الاحصائيات التي أوردتها الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية أردنا أن نتعرف على الدوافع الاجتماعية لانتشار هذه الجريمة فتحدثنا الى الأستاذة سلافة حسين بسطاوي الباحث الاجتماعي والناشط في مجال حماية المرأة والطفل والتي بدأت حديثها بتعريف الانتحار فقالت هو العملية التي يتم فيها تخلص الفرد من نفسه بنفسه بوسائل مختلفة من عقاقيرأو حرق أو سقوط من مكان عالِ أو طعن أو شنق وغيرها من الوسائل التي تنفذ بها الجريمة وأضافت رغم تباين الارقام والأماكن إلا أن الأسباب والدوافع واحدة وهنالك أسباب عديدة أولها المشاكل النفسية من حالات اكتئاب والشعور بالذنب وبعض الاضطرابات النفسية والعقلية والاحساس بالفشل وعدم المقدرة والاستطاعة على مواجهة المشاكل وايجاد سبل لحلها.
ثانياً: ضعف الوازع الديني والارتباط بالله سبحانه وتعالى وعدم الايمان بأن الله سبحانه وتعالى جعل كل مشكلة امتحاناًً لعباده وعدم الايمان بالقضاء والقدر.
ثالثاً: مشاكل اجتماعية أهمها انفصال الوالدين أو الخلافات المستمرة بينهما كما أن الحرمان العاطفي من الأم أو الأب والحرمان من الجو الأسري الآمن سبب مباشر للانتحار وذلك باحساس الفرد بالدونية عن غيره وعدم الرغبة فيه من قبل الآخرين.
رابعاً: بعض الأمراض الوراثية التي تسبب تشوهات خلقية تجعل الفرد يفكر في ذلك.
وأكدت سلافة أن نسبة النساء كبيرة وذلك بسبب التكوين الجسماني للمرأة حيث تعتبر المرأة مجموعة عواطف وأن شخصيتها ضعيفة لذلك عند حدوث أبسط المشاكل.. داخل الأسرة أو فشل أكاديمي أو عاطفي.. تلجأ الى التخلص من حياتها بأبسط صورة ممكنة وقدمت سلافة عدداً من الجرعات الوقائية متمثلة في الرجوع الى الله سبحانه وتعالى في كل الأمور والايمان بالقضاء والقدر والاقتناع بأن الحياة وديعة من الله لايمكن التصرف فيها بصورة غير لائقة وأضافت على الوالدين أن يكونا حريصين جداً على أحاسيس ومشاعر أبنائهما حتى لايكونوا ضحية لخلافاتهم الدائمة.
الانتحار جريمة مستقلة
وفي القانون من يرتكب جرماً في حق الناس يعاقب بواسطة القانون حتى لا يقوم بعمل الجريمة مرة أخرى ولكن في هذه الجريمة الجاني والمجني عليه شخص واحد فهل يعاقب وبأي قانون وما هي العقوبة والعديد من التساؤلات التي نطرحها على قاضي الجنايات الذي فضل حجب اسمه فقال يعاقب مرتكب جريمة الشروع في الانتحار بالمادة 133 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م والتي تنص على (من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأية وسيلة يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة أو بالغرامة أو العقوبتين معاً، وأضاف أن جريمة الانتحار تعتبر جريمة مستقلة اذا تمت فالشخص يموت واذا لم تتم يعتبر شروعاً فيعاقب بالمادة (133)) لذلك لا تضاف المادة (20) من القانون الجنائي والتي تمثل الشروع، ففي كل الجرائم سواء سرقة أو قتل أو غيرها يعاقب الجاني اذا لم تكتمل الجريمة بالمادة المنصوص عليها بالاضافة الى المادة (20) وأكد مولانا أن جريمة الشروع في الانتحار التي تنظر أمام المحاكم بسيطة مقارنة بالجرائم الواقعة على النفس والجسم وأضاف في بعض الحالات التي وضعها المشرع لا يعاقب من يرتكب جريمة الشروع في الانتحار وهي حالات الجنون أو فقدان الوعي أو الصغير حيث أوضحت المادة (134) أنه من يُحرض على الانتحار صغيراً غير يافع أو مجنونا أو شخصا في حالة سكر أو تحت تأثير اضطراب عقلي أو نفسي يعاقب مدة لا تتجاوز سنة فاذا حدث الانتحار نتيجة التحريض يعاقب المحرض بالعقوبة المقررة لذلك فهذا يعني أن من يحرض شخصاً مريضاً نفسياً أو صغيراً أو سكران ونتج عن ذلك التحريض الموت، يعاقب بالاعدام قصاصا فاذا سقط القصاص يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات دون مساس بالحق في الدية.
78.7% من ضحاياه نساء
كشفت الاحصائيات والتقارير الرسمية الصادرة عن الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية عن تزايد جريمة الشروع في الانتحار حيث أوضحت أن نحو 1905 شخص شرعوا في الانتحار خلال العامين الماضيين حيث سجل في العام 2007م (910) حالة كما سجل في العام 2008 (995) حالة بزيادة بلغت (85) حالة بنسبة 9.3% ونالت ولاية الخرطوم نصيب الأسد حيث بلغ عدد الحالات خلال العامين الماضيين 991 حالة بنسبة 52% من جملة البلاغات المدونة في هذه الفترة وأكد ذات التقرير أن نسبة ارتكاب الجريمة وسط النساء أكبر من الرجال حيث شرعت في الانتحار في العام 2007 (632) انثي بينما شرع من الذكور (238) حيث بلغت النسبة 69.4% اناث و26.1% ذكور كما شهد العام 2008م زيادة حيث حاولت الانتحار (784) أنثى و(211) ذكر بنسبة بلغت 78.7% اناث و21.2% ذكور، وبين التقرير أن أكثر الوسائل المستخدمة في ارتكاب الجريمة صبغة الشعر حيث بلغ عدد الحالات 1369 حالة بنسبة 71.8% وتليها وسائل أخرى 227 حالة بنسبة 11.9% اكتشفت (74) حالة بنسبة 3.8% حريق (52) حالة بنسبة (2.7% ، غرق (40) بنسبة (2%) بينما سجل السم أقل حالات (4) فقط بنسبة 2.%
اختلفت الآراء وتباينت حول كيفية التعامل مع جثة المنتحر لذا اتجهنا صوب مجمع الفقه الاسلامي واستفتيناهم عن الرأي الشرعي في المنتحر وأين يدفن وهل يصلى عليه أم لا فأوضح المجمع:
أن الله تعالى نهى المسلم عن قتل النفس ويستوي في ذلك أن يقتل نفسه أو غيره من النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق فقال سبحانه وتعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وثبت عن النبي «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سماً فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) متفق عليه، وفي الحديث الآخر (من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر في شئ لا يملكه)، وروى البخاري في صحيحه قول النبي «صلى الله عليه وسلم»: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعنها في النار والذي يقتحم يُقتحم في النار) وروى الشيخان من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه (أن النبي «صلى الله عليه وسلم» قال كان رجل به جراح فقتل نفسه فقال الله بدرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة) فالانتحار من الآثام العظام والذنوب الكبار التي توعد النبي «صلى الله عليه وسلم» فاعلها بالعذاب الأليم لأنه دليل على ضعف الايمان ورقة الدين والمؤمن حقاً لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا ولأوائها بل يصبر ويحتسب مقتدياً في ذلك بالنبيين صلوات الله وسلامه عليهم مدركاً حقيقة الحياة الدنيا وانها دار امتحان وابتلاء، قال تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) صدق الله العظيم.. ولذلك عد العلماء قتل النفس من كبائر الذنوب قال ابن حجر الهيثمي رحمه الله في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الرابعة عشرة بعد الثلاثمائة (قتل الانسان نفسه) وها هنا جملة أمور لا بد من الاحاطة بها.
أولها: أن وصف الاسلام باقٍ للمنتحر فلا نرميه بالكفر بل أمره الى الله ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه انه هاجر الى المدينة معه رجل من قومه فأجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع به براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيلي بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطياً يديه فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال غفر لي بهجرتي الى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك مغطياً يديك؟ قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدته فقصها الطفيلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم وليديه فأغفر) وقد ترجم الامام مسلم رحمه الله تعالى لهذا الحديث بقوله: باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر فما يعتقده كثير من الناس من كفر المنتحر لا دليل عليه بل الدليل على خلافه.
ثانيها: إنا لا نجزم بدخول المنتحر النار بل هو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له بعموم قوله تعالي (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ومن أصول أهل السنة أنهم لا يشهدون على معين من أهل القبلة أنه من أهل النار إلا من ورد فيه النص عن المعصوم «صلى الله عليه وسلم» بخصوصه.
ثالثها: إنا لا نجزم بخلوده في النار لو دخلها بل يحمل الحديث كما قال بعض العلماء على من فعل ذلك مستحلاً مع علمه بالتحريم فيكون كافرا أو أن المراد بالخلود طوال المدة والاقامة المتطاولة لا حقيقة الدوام كما يقال خلد الله ملك السلطان وذلك لما تواتر في الأحاديث من أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.
رابعهما: اذا علم هذا فان المنتحر تجرى عليه أحكام موتى المسلمين فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويورث ماله ويترحم عليه ويُدعى له وقال مالك في المدونة يصلى على قاتل نفسه ويصنع به ما يصنع بموتى المسلمين واثمه على نفسه قال: وسئل عن امرأة خنقت نفسها قال مالك: صلوا عليها واثمها على نفسها قال ابن وهب وقال مثل قول مالك عطاء بن أبي رباح .أ.هـ وبعض العلماء كابن شهاب الزهري كما نقل عنه النووي في صحيح مسلم تكره الصلاة على المرجوم وقاتل نفسه وبعضهم كره أن يصلى عليه أهل الفضل بل عليهم أن يعتزلوا الصلاة عليه ردعا لغيره أن يقترن مثل هذا الذنب العظيم. والله تعالى أعلم.
هنادي عوض بشير :اخر لحظة