الدرب دخل الموية!!

> تتناقض الأقوال لدى بعض المسؤولين الحكوميين، حول الاستمرار في تطبيق الإجراءات الاقتصادية ومعالجة الاختلال في هيكل الاقتصاد، فبينما يدعو البرنامج الخماسي الذي جاء بعد البرنامج الإسعافي الثلاثي في فترة وزير المالية السابق علي محمود، إلى مواصلة العلاج بالكي ورفع الدعم كلياً عن السلع والخدمات، فبالمقابل هناك أصوات اقتصادية مقدرة داخل الحكومة والحزب الحاكم تنادي بضرورة اعتماد سياسة تقشف صارمة وتقليل الصرف الحكومي والتشجيع على زيادة الإنتاج، بدلاً من التعويل فقط على عملية رفع الدعم.
> وتلجأ الحكومات في الغالب إلى أسهل الحلول الممكنة، فترفع دعمها عن السلع، غير مبالية بالكلفة السياسية الباهظة للخطوة، ولا تنتبه إلى الحلول الأخرى الممكنة التي تحتاج إلى أناة وصبر وعزيمة لا تلين في مواجهة حالة التردي والعسر الاقتصادي، فمعالجة جذور الأزمات أفضل ألف مرة من تلك الحلول المشوبة بنوع من التعسف والتعجل.
> مشكلة الاقتصاد في بلادنا مرتبطة في أبسط توصيف لها بقلة الإنتاج، وليس بحجم الدعم الحكومي الذي يذهب لصالح المواطن، فلكل مضاعفاته، لكن أن تشجع الحكومة وتحفز مواطنها على الإنتاج وتفتح الباب للنمو الاقتصادي الطبيعي وتتخذ سياسات مرنة لدعم القطاعات المنتجة، وتصلح من البيئة الاستثمارية لتشجيع رؤوس الأموال في الداخل والخارج، بتحسين التشريعات وتبسيط الإجراءات، وتقليم أظافر البيروقراطية الديوانية في مؤسسات الدولة الاقتصادية مثل وزارات القطاع الاقتصادي والنظام المصرفي.. فذلك هو الطريق الوحيد السالك… فلا سبيل لزيادة الإنتاج لبلد زراعي به قاعدة متخلفة للصناعة وموارد تعدينية ذات عائد كبير، إلا بانتهاج سياسات تحفز وتشجع وتجذب المنتج والمستثمر.
> والواقع يقول غير هذا، فكل القطاعات الإنتاجية تواجه معضلات وعثرات لا حد لها ولا تصغي فيها الحكومة لأحد، فالحاجة الملحة تكمن في إجراءات وقرارات فورية وسياسات فعَّالة تجعل البلاد تجني ثمارها بسرعة وتعالج حالة الركود الراهنة والعوز الاقتصادي.. فكل قطاع من القطاعات الإنتاجية يعاني معاناة كبيرة للغاية، سواء أكان ذلك في الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة أو الخدمة المدنية والقطاع الخدمي، فبدون دعم هذه القطاعات وتذليل العقبات أمامها لن يكون هناك إصلاح حقيقي لحال الاقتصاد.
> فإذا كانت الحكومة قدمت تنازلات مهمة وطرحت مشروعاً للإصلاح السياسي والحوار الوطني، فمن واجبها اليوم قبل الغد، التحرك بالعجلة الكافية نحو الإصلاح الاقتصادي، وهو ممكن ومتاح وبأقل الخسائر، إذا واجهت نفسها بالحقائق الموضوعية، ونظرت في المعالجات المطروحة لتحسين الأداء الاقتصادي وتطويره وزيادة الإنتاج.
> وليس من مصلحة الحكومة الانكفاء على الحل الأسهل، ولن تتحمل البلاد آراء بعض المسؤولين الكسالى الذين لا يرون في العلاج سوى تحميل العبء على المواطن، وزيادة الأثقال على كاهله برفع الدعم عن السلع وزيادة أسعار الخدمات مثل تعريفة الكهرباء والمياه، كما تجرى المحاولات الآن لتسويق هذه الآراء والسياسات.
> صحيح أن الحكومة منذ الإجراءات التي اُتخذت في سبتمبر من العام الماضي برفع الدعم، قالت إن هذه التدابير ستتواصل، لكن في تقدير الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن تلك الخطوة السابقة لم تحقق النتائج المرجوة، بسبب عدم نقصان الصرف الحكومي وتوسع وتضخم الجهاز التنفيذي الذي كان متوقعاً ضموره بالحكومة الرشيقة، لكنه عاد لينتفش وينتفخ ويكاد يقترب مما كان عليه.
> إذا أرادت الحكومة تهيئة الرأي العام من الآن لتمخضات برنامجها الخماسي للإصلاح الاقتصادي وولادة حزمة جديدة من إجراءات رفع الدعم، فإنها تكون مخطئة في جانبين أساسيين: فرفع الدعم لن يكون ذا عائد ضخم يسد العجز والفجوة في الميزانية كما قيل في العام الفائت، واتضح فيما بعد أن المردود ضئيل لا يسمن ولا يغني من جوع، والأهم من ذلك، أن كل حزمة من الإجراءات الاقتصادية الحكومية ينتج عنها غلاء فاحش وارتفاع جنوني للأسعار يفوق طاقة أي مواطن، فينسحق الفقراء ومحدودو الدخل، ولا تمتلئ إلا بطون المترفين والأغنياء والمقتدرين.
> وعلى الحكومة التفكير بعمق في هذه القضية ولا تتعجل، فبالرغم من وجود بعض التأكيدات والأخبار بأنه لا اتجاه لرفع الدعم الآن، إلا أن ما يدور في الكواليس وأروقة القطاع الاقتصادي يشير إلى ذلك، فهناك بدائل أخرى.. وهناك خيارات لم تجرب.. وحلول لم تختبر.. شجعوا الإنتاج فخريف هذا العام مبشر.. والمنتجون في كل موقع ومكان جاهزون.. فقط حسنوا البيئة بالسياسات والتشريعات والتسهيلات المرنة.. ثم اسألوا عن العائد!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة