تحقيقات وتقارير

خيارات مواجهة جنون السوق


دفعت حالة الغلاء اللافتة في السلع الاستهلاكية بالأسواق إلى ارتفاع الأصوات بضرورة إعادة سيطرة الدولة على الأسواق، مع مطالبات ملحة بزيادات جديدة في الأجور على الرغم من أن موازنة العام 2010م المطروحة الآن على منضدة البرلمان لم تشر بصورة واضحة إلى نسب زيادة الأجور، بيد أن محللين اقتصاديين يخشون من أن تشجع أية زيادة في الأجور إلى رفع الأسعار، ويرون أن الحل الأمثل في تطبيق مبدأ إزالة الفوارق في الأجور.
في هذا الخصوص يقول مسئول شؤون الولايات بالاتحاد العام لنقابات عمال السودان آدم فضل ان المقترحات التى تقدم بها الاتحاد لموازنة العام الجديد 2010م تهدف للمحافظة على حقوق العاملين السابقة وذلك عن طريق تطبيق المنشورات التى صدرت فى الفترات الماضية والمتعلقة بزيادة الرواتب وتنفيذ موجهات رئيس الجمهورية القاضية بتعميمها على كافة الولايات دون تميز ، إضافة إلى ووضع برامج لزيادة الانتاج والانتاجية وبناء القدرات بهدف مكافحة الفقر ، وتفعيل البرامج الأخرى مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي والمعاشات.
وقال مسئول شؤون الولايات بالاتحاد انه منذ العام 1989 م تمت 23 زيادة فى الاجوركان آخرها العام 2007 م بلغت 5 % مضمنة فى الموازنة واجازتها من مجلس الوزراء وعرضه على البرلمان الذى اجمع اعضاؤه بان زيادة الاجور 5% كما وردت في الميزانية قليلة جداً ، مشددين على اهمية رفع هذه النسبة حتى تتماشى والظروف الاقتصادية للبلاد ، مشيرا ان الزيادات التى اقرت والتى تصل بالراتب الى 200 جنيه لا تساوى شيئا نظرا الى الظروف المعيشية القاهرة التى يمر بها المواطن، وقال إن الاتحاد يسعى إلى أن تكون الزيادة اكثر من ذلك ورأى أن يكون الحد الادنى للمرتب 500 جنيه وزاد نحن نطالب بزيادة جديدة فى المرتبات نسبة للظروف الراهنة التى تتطلب قدرا كبيرا من المراعاة، مشيرا الى الاستراتيجية التى تم وضعها والمتمثلة فى مرور المرتبات بمرحلة الكفاف ثم الادخار وصولا الى الرفاهية تمتد إلى عشرين عاما، لكن واجهتها مشكلات، موضحا أن ما يتصل بمفارقات الأجور فان الاتحاد طالب من ضمن اهدافه بازالة المفارقات فى هيكلة عام 2004 م . اما موازنة العام 2010 م فتتطلب العديد من الموازنات التى تدخل فيها الاسعار بصورة مباشرة، مؤكدا سعي اتحاد العمال الى أن تكون خالية من اى زيادات فيما يتعلق بالوقود والكهرباء ، وان تستمر الدولة فى اسكان العمال على ان لاتكون الزيادة فى الاجور اقل من 70% لمقابلة غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار.
من جهته، فإن الخبير الاقتصادي محمد الناير يرى في معالجة أزمة الغلاء إحداث توازن في المرحلة الأولى من خلال إزالة التفاوت فى مرتبات الولايات ، وتطبيق الزيادات التى تمت فى المركز وتعميمها على كل الولايات ، معتبرا أن الاجور فى السودان بها عدة اشكاليات من ضمنها تباين الاجور من مؤسسة لاخرى ومن موظف لآخر داخل مؤسسة واحدة ، بجانب تعدد العلاوات والحوافز التى يتم صرفها بصورة منتظمة تفوق فى بعض الاحيان حجم الراتب الاصلى.
ويدعو الناير الى اتخاذ قرار يجمع كل المخصصات السابقة لتصبح فى شكل مرتب شهرى من شانة القفز بالحد الادنى للاجور مايقارب 400 جنيه بدلا من 150 جنيه ، مبينا ان ذلك لايكلف الدولة اموالاً ولكنها قد تلغى عبئاً على الدولة فيما يختص باستحقاقات المعاشات والتأمينات ، وفي حال تم ذلك ستتضح رؤية الاجور فى القطاع العام بشكل واضح .
وتطرق خبير اقتصادى فضل عدم الاشارة الى اسمه الى المقترح فى موازنة العام الجديد بزيادة الاجور بنسبة 9% ، ودعا الى المقارنة بنسب الزيادات التى تمت فى الفترات السابقة والاستدلال على ذلك بالزيادة التى تم اقرارها فى العام 2006م التى تم تطبيقها على كافة المستويات وكانت بنسبة 20% اعتمدت فيها زيادة غلاء المعيشة ، وبلغت الزيادة فى اقصاها 155 الف جنيه وادناها 25 ألف ، موضحا أن المقارنة تظهر ان الفترات السابقة لم تلازمها ارتفاع الاسعار وكانت الى حد ما متقاربة مع المستوى المعيشى للمواطن ، اما اذا نظرنا الى الوضع الحالى الاقتصادى نجد ان الحاجة ليست لزيادة الاجور وانما ضبط حركة السوق التى تسير الى اعلى بصورة جنونية خاصة فيما يتعلق بالسلع الاساسية التى يعتمد عليها المواطن ، داعيا الدولة الى القيام بدور آخر تساعد من خلاله تقليل حدة الاسعار واعادتها الى ما كانت عليه فى السابق على ان يكون التدخل بصورة غير مباشرة دون المساس بسياسة التحرير ، واشار الى ان تدخل الدولة فى الوقت الراهن افضل من وقوفها مكتوفة الايدى اتجاه فوضى السوق والاسعار ، معتبرا أن زيادة الاجور ستؤدى الى زيادة معدلات التضخم.
وحذر الخبير الاقتصادي من استمرار ارتفاع الأسعار الذى سيؤدى فى آخر المطاف الى خروج المنتجين من الاسواق وبالتالى سيؤدى ذلك الى ندرة المنتج وما يترتب على ذلك خطورة على الغذائي في البلاد والعودة الى مربع الاغاثات.
وبالإشارة إلى ما تم من زيادات وحصر للمتاخرات من العام 1998م نجداعتبارا من العام 2004 م، فقد قررت الحكومة ازالة الفوارق فى الاجور لكل الولايات وجدولة بقية المتأخرات، وشددت فى ذات الوقت على صرف المرتبات مهما كانت الظروف فى وقت بلغت فيه متأخرات الاعوام 98 – 99 – 2000 م بلغت فى جملتها 800 ألف جنيه كما بلغت متأخرات الهيكل الراتبى للعام 2003 م 152 الف جنيه. رغم التفاؤل الذي صاحب صدور هيكل الأجور لعام 2004م للقطاع العام، والاتفاقية الجماعية على العاملين بالقطاع الخاص لعام 2004- 2005- 2006م .
وكان مجلس الوزراء قد اصدر قراراً بان يبدأ التنفيذ بهيكل الاجور اعتباراً من الاول من ابريل 2004م، وتتلخص اجراءات تنفيذ الهيكل الجديد في تعديل الحد الادنى للاجور بالاضافة الى ازالة المفارقات، ووحد كل العلاوات والبدلات في علاوة واحدة، وتم اعتماد علاوة غلاء المعيشة وبدل السكن وبدل الترحيل، على ان تكون مع الاجر الابتدائي للاجر الاساسي لكل درجة. ونصت الإجراءات أيضاً على أن يتم استيعاب العاملين الجدد وفق هيكل الأجور الجديد، وتم تعديل الحد الأدنى المعفي من ضريبة الدخل الشخصي من 2160 جنيه الى 9090 جنيه، ليصبح مرتب وكيل الوزارة معفياً وكانت افضل المزايا متمثلة في تعديل قاعدة احتساب المعاش على الاجر الاساسي «الاجر الابتدائي+ علاوة غلاء المعيشة+ بدل السكن+ بدل الترحيل.»
ولكن مع ذلك فقد ظهرت بعض الصعوبات في التطبيق، حيث أدى تطبيق العلاوات الشخصية الناتجة عن الفرق بين الاجر السابق والاجر بعد تطبيق الهيكل، الى حدوث مفارقات، واصبح أجر العامل في الدرجة (17) يفوق اجر الموظف المعين في الدرجة التاسعة بعد تطبيق الهيكل. ونتج عن التطبيق في بعض الوحدات عند الترقي في الدرجات نقص في الاجر، وذلك مرده الى ان العلاوة الشخصية تزول بالخروج من الدرجة التي كانت مصاحبة لها، ويصبح العامل الذي يليه اعلى منه اجراً اذا لم يشمله كشف الترقي. ومن المفارقات التي ظهرت ان الغاء عدد من العلاوات السنوية من جدول الاجور، ادى الى ادخال مجموعة من العاملين في فئة واحدة، مما يؤهلهم جميعاً للمنافسة للدرجة الاعلى، علماً بان سنوات خدمتهم مختلفة، واضطرت بعض المؤسسات والهيئات والوزارات التي كانت تتمتع بشروط خدمة خاصة، للتصرف في ميزانية الفصل الثاني، لخلق مكاسب مادية خاصة الوحدات الايرادية. واوصت دراسة اللجنة باستمرار عملية المراجعة الدورية للحد الادنى للاجور في القطاعين، ووضع أسس الهياكل الرفدية في القطاع العام مع الموجهات العامة للقطاع الخاص، مع ضرورة مراجعة المعايير التي حددت بموجبها طبيعة العمل لفئات العاملين، وانفاذ مقتضيات العدالة بين العاملين، بالاضافة الى وضع وتنفيذ مشروع جديد لوصف وترتيب وتقويم الوظائف للخدمة العامة، وإجراء دراسة تفصيلية للامتيازات الوظيفية للوحدات الحكومية، لإزالة المفارقات على مستويات الأجور، مع الاخذ في الاعتبار تطبيق الضوابط المقدرة باللوائح المتصلة بهذا الشأن
و اجاز مجلس الوزراء فى تلك الفترة برئاسة البشير تقرير اللجنة الفنية الخاصة بالاجور والاصلاح الادارى متضمنا توصيات بزيادة الحد الادنى للاجور من 75 جنيه الى 125 جنيه فى العام الذى يليه حتى يصل الى 200 جنيه خلال العام 2006 م حيث اشار وزير المالية الى ان الزيادات جاءت لازالة المفارقات وقال ان الجهات ذات الحد الادنى ستحصل على زيادة فى المرتبات خلال ثلاث مراحل.
وبدأت وزارة المالية والاقتصاد الوطنى فى انفاذ زيادة الاجور للعام 2006م اعتبارا من ابريل من العام نفسه ووجهت بتكوين لجنة من المالية وديوان شئون الخدمة والمجلس الاعلى للاجور واتحاد العمال لدراسة استيعاب الزيادة المرتقبة واشارت المالية الى ان الزيادة ستتم على كافة المستويات الحكومية بالمركز والولايات بنسبة 20 % وفقا للموازنة حيث اعتمدت اللجنة الزيادة فى غلاء المعيشة كزيادة معيارية فى تعديل الاجور مستقبلا وبلغت فى ادنى فئاتها 25 جنيه وفى اقصاها 155 جنيه. واعتمدت الموازنة مبلغ 29 ألف جنيه لمقابلة الزيادة الناجمة عن تحسين الأجور.
المصدر :الصحافة