تحقيقات وتقارير

النازحون يطالبون بتوفير الأمن والعدالة في توزيع الخدمات

عندما نشبت ازمة دارفور التى دامت لاكثر من ست سنوات، تمخضت عنها العديد من القضايا، اولها القضية الانسانية التى أرقت الجميع من خلال معاناة النازحين بالمعسكرات، فبحث الكثير من الناشطين بمنظمات ومؤسسات المجتمع المدنى، لايجاد الحل المناسب وأسهل الطرق للتخفيف من معاناة النازحين.
وكانت العودة الطوعية للنازحين اولى الطرق والمشاريع التى فكرت فيها الدولة، الا انها قوبلت بالرفض من قبل النازحين، بحجة ان الوقت غير مناسب لعودتهم نسبة لانتشار السلاح.
ولما كانت العودة الطوعية مشروعا ضخما تبنته الدولة، واستنفرت له كل مؤسساتها، وخصصت له مليارات الجنيهات فى سبيل تدعيم هذا المشروع الذى اصبح حلما يراود النازحين بعد أن ظهر استياؤهم من حياة المعسكرات، ظهرت عدة عوامل اصبحت عقبة امام انفاذ مشروعات العودة الطوعية، منها عدم توفر الأمن بمناطق العودة والتعويضات الفردية وغيرها، وليست هنالك قرية نموذجية صممت بالمواصفات التى تضمن عدم رجوع النازحين مرة اخرى الى المعسكرات، حسب النازحين، علاوة على ظهور عامل ثالث تمثل في التصريحات التى تصدر من هنا وهناك من قبل المسؤولين تجاه العودة الطوعية ونظرتهم للمعسكرات التى اصبحت وصمة عار فى جبين الدولة حتى تجد الطرق للتخلص منها، فكانت فكرة عودة النازحين بعد مضى اكثر من ست سنوات منذ نشوب الازمة بدارفور وحتى الآن.
وقد تغيرت ملامح الحياة بالنسبة للنازحين واختلفت تماما عما كانت فى السابق، فالحياة كانت تتسم بالبساطة والعفوية فى التعامل بين سكان القرى والفرقان التى لا تعرف الحواجز او الحدود فى العلاقات الاجتماعية التى تقاس بمستوى الرفاهية، اما الوضع بالمعسكرات وما صاحبه من تقديم خدمات مجانية من تعليم وصحة ….الخ، جعل النازحين مرتبطين بالتمدن بحكم مجاورتهم للمدن التى تتوفر فيها معظم الخدمات، فأصبحت مسألة العودة الطوعية للقرى امرا شبيهاً بالمحال، وفي هذا الخصوص يقول العم احمد محمد من نازحى «معسكر كلمة» إن حياتهم كانت تختلف تماما، والحديث عن العودة الطوعية ليس واردا في ظل هذه الظروف، خاصة أن هنالك بعض قرى العودة الطوعية لا تتوفر فيها كافة مسلتزمات الحياة رغم صغر حجمها، والقرى لم تعد قادرة على استيعابهم مرة اخرى، لأن النازحين تمدنوا بالمعسكرات، واصبحت كافة وسائل الحياة من اتصالات وغيرها فى متناول يدهم. ومضى الحاج أحمد الى انه من المستحيل عودة الناس لتعيش نفس الحياة التى كانت قبل خمس أو ست سنوات، وأردف قائلاً: «الناس ماشين لى قدام تانى رجوع لى وراء مافى! » مشيرا الى ان هنالك رغبة فى العودة الطوعية من النازحين، لكن تختلف عن أية عودة تمت فى السابق، على سبيل المثال لا بد من أن تكون القرى مبنية بمواد ثابتة، وبها جميع الخدمات فى مقدمتها الامن، وعلى الحكومة بدل العزف على وتر العودة الطوعية بدون التزامات واضحة، ان تكون جادة فى الاعمار ولو بقرية واحدة بكل المواصفات، وان تعمل على تجميع القرى المتباعدة الموجودة فى منطقة واحدة فى قرية نموذجية وتشييدها بالمواد الثابتة، وتوفير بعض مشاريع الدخل للاسر العائدة لضمان استقرارهم. ويرى نازح آخر من ذات المعسكر في هذا الجانب، ان مسألة العودة للقرى وبشكلها الحالى مرفوضة حتى لو تم توفير خيام او مشمعات. ودعا الحكومة الى العدالة في تقديم كافة الخدمات للمواطنين، مشيرا إلى أن مسألة إعمار القرى بالمواد الثابتة ليست ذات تكلفة عالية بالنسبة للحكومة، وهى قادرة على بنائها بدلا عن المؤتمرات والمفاوضات التى تصرف فيها المليارات، كما أن أمر التمدن بالنسبة للنازحين اصبح حاجزا لهم فى كيفية التأقلم مع حياة الريف التى فارقوها لسنين مضت، معربا عن عدم توفر الثقة بين الطرفين.
ويبدو من هذه الآراء أن أمر العودة يتطلب الاجابة على عدد من الأسئلة على شاكلة، هل هنالك اعتمادات من مفوضية العون الانسانى لسياسات جديدة بشأن التعامل مع معسكرات النازحين بدارفور، خاصة الخطة الجديدة التى أعلنها المفوض العام للمفوضية حسبو محمد عبد الرحمن المعنية بتحويل اموال الاغاثة الى برامج خدمات لتأهيل القرى بالانتقال التدريجى الى مراحل الاعمار؟ وهل من شأنها أن تعيد الثقة المفقودة مع النازحين؟ وهل تسعى بعض الجهات لتهدئة الأوضاع فقط وإرجاء الحل النهائي لتهيئة المناخ للاستعداد لعودة النازحين فى ظل الهدوء الذى تشهده دارفور خلال هذه الايام؟ ام تعمل الحكومة على انفراد دون اتباع حسن النوايا الذى ابداه النازحون من خلال نظرتهم للعودة الطوعية بعد الفترة التى مضت وتغيرت فيها كافة امور حياتهم؟ ام ان الامر يظل حلما دون اية فائدة يجنيها هذا الطرف او ذاك؟
ويجيب على هذه الأسئلة المفوض العام للشؤون الانسانية، حسبو محمد عبد الرحمن، إذ يقول في تصريحات صحفية: «إن أعمال الاغاثة للعام المقبل ستتحول تدريجيا الى تأهيل واعمار، واوضح أن المفوضية وضعت خيارين للنازحين هما العودة الى قراهم، أو أن يخطط لهم في المدن الثلاث، مشيرا الى أن ولاية جنوب دارفور قامت بتخطيط «8» آلاف قطعة سكنية للنازحين، إضافة الى «6» آلاف قطعة سكنية في شمال دارفور، و«6» آلاف قطعة سكنية في الجنينة، بجانب التخطيط لـ «850» أسرة بنيالا، واصفاً البقاء بالمعسكرات «بالمضر». ونفى بشدة وجود أية أمراض وبائية بمعسكرات النزوح، بينما يرى نازحو دارفور هذا الامر تهديدا لهم وارغاما على العودة دون رغبتهم، مطالبين الحكومة بضرورة التريث فى التعامل مع مسألة العودة الطوعية، اما الحديث بأن العام القادم لن يشهد تقديم أية خدمات بالمعسكرات، فهذا التوجه يجب ألا تتعامل به الدولة مع النازحين، خاصة انهم ابدوا الرغبة فى العودة الى قراهم مما يتطلب اتباع الطرق الاكثر سهولة عبر التشاور مع كافة النازحين فى كيفية ايجاد فرص العودة، حتى لا تتأثر العملية، مع الكف عن التصريحات التى لا تخدم القضية.
ومن جهته يضيف مفوض العون الانسانى بجنوب دارفور سبيل أحمد سبيل: «لكسر الحاجز وازالة اسباب عدم الثقة بين النازحين والحكومة وخاصة نازحى كلمة، قامت المفوضية بفتح مكتب لها بمركز صفر بالمعسكر لتلقى كافة الشكاوى والبلاغات من النازحين، بغرض تقريب وجهات النظر وجعلهم يشعرون بأنهم ضمن المنظومة الاجتماعية المكونة للولاية». وقال سبيل إن المكتب سيسهم فى معالجة الاشكالات السابقة والحالية، مشيرا الى ان اول الاشياء التى بدأ بها المكتب اعماله هي النظر فى مسألة الشكوى المقدمة من النازحين ضد منظمة كير المبعدة. وقال سبيل إن المفوضية وضعت في الخطة المقبلة لعام 2010م القادم جملة من التدابير لتلافى كافة الاشكالات السابقة المتعلقة بمسألة العودة الطوعية للنازحين بالولاية، مشيرا الى انه بالنسبة للنازحين الذين يفضلون السكن بنيالا فسيتم تخطيط اربعة مخططات سكنية لاستيعاب اكثر من 30 الف اسرة، ويتم تمليكهم القطع السكنية مجانا، مع توفير كافة الخدمات الاساسية. وقال سبيل ان هنالك التزاما واضحا من المنظمات ووكالات الامم المتحدة والمانحين بتوفير كافة المستلزمات الضرورية بمناطق العودة للذين يودون العودة الى مناطقهم. ويرى سبيل ان مسألة تغير ملامح الحياة بالنسبة للنازحين هذه حقيقة، نسبة لوجودهم باطراف المدينة، وان الحياة اختلفت بالنسبة لهم، ولهذا فإن الخطة القادمة ستراعى كافة هذه الجوانب، مشيراً الى ان المناطق التى شهدت عودة طوعية لهذا العام قد وُفرت بها كافة مستلزمات الحياة، منوها الى ان كافة القرى التى نزحت الى المعسكرات كانت تفتقر للخدمات الاساسية، ولم يكن بها ممرض واحد، وبعد العودة وفرت الخدمات، اذ يوجد اختصاصيون واطباء. وعزا سبيل عدم إعمار القرى بالمواد الثابتة لعزوف النازحين عن العودة، مشيرا الى ان بعض مناطق العودة شيدت بالمواد الثابتة خاصة منطقة مرايا جنقى وعدوة. واضاف «ان المانحين لا يقدمون خدمات فى مناطق خالية من السكان» مما يحتم على النازحين ان يكونوا واقعيين، فالمجتمع الدولى ملتزم بإعمار القرى فى حال عودة أصحابها من خلال التنسيق الذى يتم مع حكومة السودان.
وبشأن الأمن يقول سبيل ان الحكومة بدأت باجراء جملة من المصالحات الاجتماعية بين المجموعات السكانية للإسهام فى تأمين استقرار العائدين، مشيرا الى ان حكومة الولاية وضعت خطة لاخذ افراد من القرى العائدة لتدريبهم فى الشرطة، مع تمليكهم كافة الوسائل اللازمة لتوفير الحماية، فعلي سبيل المثال تم تدريب حوالى 36 شرطياً وتسليمهم عربة بمنطقة عدوة، وهذه تجربة ناجحة، مضيفا ان هنالك التزاما واضحا من مدير عام الشرطة الاتحادي بالتصديق بتدريب اكثر من 2000 الف شرطى بمناطق العودة الطوعية والاولوية لابناء النازحين العائدين الى قراهم. وبشأن المواد البديلة للاستقرار يشير مفوض العون الانساني الى التعاون مع وكالات الامم المتحدة والمنظمات الاخرى لتعويض النازحين بمشاريع بديلة ووسائل استثمار وفق متطلبات اية قرية فى مجال العمالة اليدوية والزراعة والصناعات الحرفية وتربية الحيوان وغيرها. وفي هذه الخطة لم تعمل الحكومة بمعزل عن وكالات الامم المتحدة والمنظمات الانسانية خاصة منظمة الهجرة الدولية iom العاملة فى مجال العودة الطوعية بتفويض من الامم المتحدة، حيث تقسم الخدمات الى نوعين، جانب يختص بالغذاء وآخر يختص بمجال البناء والتأهيل للقدرات والتنمية. وقال سبيل إن المفوضية وخلال خطتها من ابريل وحتى اكتوبر من هذا العام، استطاعت أن ترجع حوالى 20 الف اسرة الى 53 قرية، كما تم تقديم الخدمات الزراعية وغيرها لهم، مشيرا الى اعمار قرى كاملة بدعم من الهلال الاحمر التركى بقرية عدوة بمحلية الوحدة بجنوب دارفور، بجانب تشييد حوالى 250 منزلا بقرية شطايا بمحلية كأس بدعم من الهلال الاحمر الالمانى، و9 مراكز صحية و7 شبكات للمياه بقرى العودة بدعم من الهلال الاحمر السعودى، بجانب إنشاء عدد من المدارس بقرى العودة الطوعية، واعمار قرية بابا باكملها بدعم من جامعة الدول العربية، واعمار كامل لقرية مرايا جنقى بمحلية السلام، بجانب تشييد 35 منزلا كاملا بالمواد الثابتة، ومركز صحى ومركز شرطة ومسجد ومدرسة. وقال سبيل هناك دعم شهرى يأتى من مفوضية العون الانسانى الاتحادية يصل الى 1.800 مليون لجنوب دارفور لتوظيفها فى مشروعات المياه واصحاح البيئة، فضلا عن وجود حوالى 26 طبيبا بالولاية للعمل بالمعسكرات وقرى العودة الطوعية من قبل المؤسسة الصحية الوطنية. واستبعد سبيل وجود خطة لإعمار المعسكرات أو تخطيطها بغرض تقنين وجودها، ولكنه أشار إلى توفر خطط إسكانية حول المدن الكبيرة لاستيعاب النازحين، فيما ستكون الخدمات بمناطق العودة. لكن بعض النازحين يصفون إصرار المفوضية على تقديم الخدمات بمناطق العودة الطوعية بأنه توجه قسري. ويقولون إن ما تقوم الحكومة من إعمار للقرى غير مرضٍ بالنسبة لهم، مطالبين بضرورة أن يكون إعمار القرى بدارفور بذات النهج في مناطق أخرى بالسودان، واتباع ذات وسائل التعويض، فى اشارة الى ان دارفور ليست بعيدة عن مناطق السودان الأخرى، وهى جزء أصيل من السودان، والمواطن هو ذات المواطن.
عبد الرحمن ابراهيم :الصحافة