عثمان ميرغني

خدمة لله.. يا محسنين

[JUSTIFY]
خدمة لله.. يا محسنين

اتصل بي عصر أمس قارئ يكاد يبكي من ما تعرض له.. قال إن شقيقته الصغرى الشابة، قرر لها الطبيب عملية جراحية عاجلة، وطلب منهم توفير جهاز يحتاجه في العملية، وحدد لهم شخص معين لشراء الجهاز لهم، وبعد أن اكتظت المستشفى بأهل المريضة بالميعاد الذي حدده للعملية وقبيل دقائق من دخول الطبيب لحجرة العملية، أخبرهم الطبيب أن الجهاز ليس هو المطلوب، والغى العملية دون تحديد أي موعد جديد، وعندما احتجَّ الأهل أعلن الطبيب رفضه لإجراء العملية مرة أخرى.
بالطبع لأن القصة وردتني من طرف واحد فهي تحتمل الصواب والخطأ في كل أجزائها أو بعضها.. ومع ذلك الذي استطيع أن أؤكده أننا في السودان نعاني من مشكلة كبرى بين الطبيب ومرضاه.. مشكلة (سوء التفاهم) بل أحياناً انعدام التفاهم تماماً بين الطرفين.
في غالب الأحيان بعض الأطباء ينظرون إلى المريض نظرة اليد العليا لليد السفلى إحساس بالفوقية والمنة والتعالي.. وبالطبع المريض في هذه الحالة تلتف حوله هواجس وظنون حول مصيره.. شح الثقة يجعل المريض في ريب من كل ما يقوله الطبيب حتى ولو كان الأمر من صالح المريض.. رغم أن أول خطوات العلاج الصحيح هي الثقة المتبادلة بين المريض وطبيبه.
لا ادري ما هي المشكلة بالضبط هل هو نقص في تدريب بعض الأطباء.. لا اعتقد ذلك فنفس هؤلاء الأطباء عندما يعملون في الخارج تتلبسهم روح ملائكية تزدحم بالرحمة والشفقة على المريض ويتمدد الود بل أحياناً (الذل).. ولا اقصد بالذل المعنى القريب الذي قد يتخيله القارئ وإنما اعني الآية الكريمة (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)، ما هي المشكلة بالضبط هل هي فجو التعالي يحس بها الطبيب عندما يرى المريض المحتاج يتوسل بعينيه الرحمة.. وينظر للطبيب برجاء المحتاج المنكوب أم هي سياسات الطبية في البلاد التي تجعل المريض دائماً يتوسل الخدمة وينتظرها انتظار الأيتام لموائد اللئام.
في تقديري أننا بحاجة لإصلاح النظام الطبي في البلاد بتوسيع دائرة المسؤولية والمحاسبة.. فالذي ينال رخصة المجلس الطبي ملزم بخدمة المريض وفق معايير غير قابلة للجدل.. وتخضع الطبيب للمسؤولية في حالة فشله في التعامل مع مريضه وكسب ثقته.
ربما تكون المشكلة الأكبر أن السياسات الطبية في البلاد هي من ضمن منظومة وحلقات كثيرة في الدولة تعاني من الاختلال والعطال.. فما يحدث في القطاع الطبي شبيه بما يلقاه المواطنون من معاملة في مختلف دوائر الحكومة فأي طالب ترمي به الأقدار في مصلحة حكومية ينتابه الإحساس بأنه مجرد متسول يمد يده طالباً الإحسان والصدقة.
[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]