أزمة جيش الأمة .. (إنفراج مؤقت)
بعد (52) يوماً مرت على إعتصام العائدين من جيش الأمة بدار الحزب بام درمان ومن ثم إحتلال الدار بشكل معلن، أعلن المحتلون من العائدين رفع الإعتصام لأجل غير مسمى، وإفساح الساحة لمبادرة أطلقها مولانا محمد بشارة دوسة رئيس مجلس الأحزاب السياسية لحل الأزمة القائمة بين الحزب والعائدين. وقد أستعرض دوسة في مؤتمر صحفي أمس، ملامح المبادرة التي يبدو أنها تم وضع خطة تفاعلية لإنجاحها، فهي تحمل خطاً رئيسياً يقر بحق جيش الأمة الذي قيل إن (دمه تفرق) ما بين الحزب ومفوضية نزع السلاح الـ DDR))، بينما ترك شيطان تفاصيل هذا الحق للجنة رباعية يمثل فيها مجلس الأحزاب صاحب المبادرة والحزب كطرف في النزاع والعائدون كطرف ثان بجانب الـ (DDR).
قبل العائدون من جيش الأمة وباركوا كما قالوا مبادرة مسجل الأحزاب التي جاءت بشكل (ودي) من دوسة الذي قال إنه وقف في زيارة له لدار حزب الأمة (المحتل) في وقت سابق، على الحالة الصحية للعائدين والتي تدهورت بعد إعلانهم الإضراب عن الطعام، ومن ثم إنطلق في التخطيط لمبادرة أكد أنه يريد منها الحل الجذري والنهائي لأزمة الجيش.
أشار العائدون الذين تحدث ممثلهم في المؤتمر الصحفي، الى أنهم رفضوا من قبل مبادرتين الأولي منهما كانت من قبل معتمد محلية أم درمان، وأنهم قبلوا تلك المبادرة في بادئ الامر حينما قيل لهم إن السيد المعتمد تقدم بها من واقع وظيفته التنفيذية وليس بوصفه قيادياً بالمؤتمر الوطني، إلا أنهم قالوا: رفضنا مبادرة المعتمد حينما حاول إغراءنا بالمال ووجدنا بياناً مكتوباً باسم رئيس لجنة العائدين معد من المعتمد للتوقيع عليه من العائدين، وأضافوا لو كنا نريد المال فقط لقبلنا بهذا العرض ولكننا نهدف للتأسيس لحقوقنا بالطرق المشروعة. وأوضحوا انهم رفضوا مبادرة ثانية من قبل تحالف الأحزاب المعارضة (لأن تلك الأحزاب ليست طرفاً محايداً وان حزب الامة نفسه جزء من هذا التحالف)، وأضافوا جاءت قيادات التحالف للمرة الثانية وقالت في حق الإمام الصادق المهدي (ما لم يقله مالك في الخمر) ووعدت بتشكيل لجنة لحل أزمة العائدين إلا أنها حتى الآن لم تأتنا بجديد ولم تفعل شيئاً. وأشار العائدون الى أن بعض قيادات حزب الأمة كانت (تحت تحت) تساند موقفهم. وقالوا: لم تستطع تلك القيادات أن تجاهر بموقفها خوفاً من الإمام ولكننا نشكر لهم مساندتهم لنا.
وتابعوا قبلنا بمبادرة مولانا محمد بشارة دوسة بوصفها جاءت من جهة محايدة ومختصة بشؤون الأحزاب والممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات الحزبية، بينما أكد دوسة صاحب المبادرة أن مبادرته لم تِعد العائدين بأية التزامات مالية،غير أنه قال: نحن لا نحمل لهم سوى الصدق في النوايا لإيجاد حل دائم لقضيتهم التي أقر -اى دوسة- بمشروعيتها وعدلها. والمح الى أن مبادرته ستأخذ مسارين الاول الطابع الودي الذي تمنى أن يكون فيه الحل للقضية وقال: بما أنني حضرت من وازع وطني وإنساني للإطلاع على قضية العائدين لا بصفتي الوظيفية أريد أن تسير الأمور بهذا الطابع الى أن تحل وإلا فإن هنالك مسار آخر قانوني يمكن أن يلجأ له العائدون لأخذ حقهم. وإعتبر دوسة أن قضية جيش الأمة أصبحت قضية أمن قومي يستدعي تدخل الدولة (هذا الأمر لا يعني أن حزب الامة خارج من هذه القضية وإنما هو جزء أصيل من الأزمة)، ودوسة الذي إستشهد بمثل كثيراً ما كان يردده السيد الصادق المهدي رئيس الحزب ( حلاً بالأيد ولا حلاً بالسنون)، قال: إن للعائدين حقاً يجب أن يأخذوه وهذا الحق مؤمن عليه من قبل الحزب ومن قبل الـ (DDR)ودعا العائدين للوقوف وراء حقهم على غرار (ما ضاع حق ورائه مطالب) ولكن وفق النظم القانونية.
ويرى مراقبون أن قبول العائدين وترحيبهم وثقتهم بمبادرة دوسة جاءت لعدة دوافع أهمها أن إحتلالهم لدار الحزب الذي طال أمده لم يجد التجاوب المتوقع من قبل الحزب وانما تجاهل أمر الإحتلال وأصبح يدير حاله من عدة بوابات ومنابر خارج الدار، وأصبح العائدون في حاجة لإيجاد سبل جديدة للضغط على قيادة الحزب، ومن ثم اصبحوا كذلك في حاجة لجسر يخرجهم من الدار بصورة تحقق لهم بعض المكاسب (السياسية والمعنوية)، وكذلك من دوافع قبول مبادرة دوسة وفقاً لمراقبين ستخرج العائدين من حرج الإتهام بأن حزب المؤتمر الوطني هو المحرك والممول للإعتصام الأمر الذي دعاهم لرفض مبادرة معتمد ام درمان خاصة وأن الأستاذ يحيى ساتي رئيس لجنة العائدين قال: ( إن العائدين من جيش الأمة يعتبرون المؤتمر الوطني وحزب الأمة شركاء في أزمتهم وإن الوطني طرف في ظلم العائدين). ويقول المراقبون: إن مبادرة دوسة جاءت في الوقت الذي يناسب رفع الإعتصام وإجلاء الدار، خاصة وأن حلول عيد الأضحى المبارك سيضطرهم للسفر الى ولاياتهم المختلفة، وفي هذا الجانب برز سؤال التمويل مرة أخرى (من الذي سيمول سفر وتفويج العائدين)، ويقول مسئول إعلام جيش الأمة في هذا الشأن، نحن حينما قررنا رفع الإعتصام تحسبنا جيداً لهذا الأمر، وأضاف: إن سفر العائدين مقدور عليه لأننا سنستقطب دعماً من عدد من المنظمات وعلى رأسها منظمة أصحاب الإمام الخيرية والتي تكفلت بـ (70%) من مصروفات الفترة الفائتة. ونفى دور مجلس الأحزاب في تقديم الدعم المالي لسفر العائدين.
وبالرغم من الإتهامات التي جدد العائدون توجيهها لحزب الأمة بالتهرب من مسئولياته التنظيمية والأخلاقية والإنسانية و المالية، إلا ان الفريق صديق محمد إسماعيل الأمين العام للحزب أكد أن حزب الأمة ملتزم بمسئولياته الأخلاقية والإنسانية والتنظيمية تجاه العائدين. وقال: نحن لا ننكر أن للعائدين حق ولكن هذا الحق في إطار عمل ومسئولية مفوضية نزع السلاح. وأبدى صديق ترحيب حزبه بمبادرة دوسة وقال: (إن ما قام به دوسة يصب في خانة المجهود الوطني الذي يريد أن يحفظ به ماء وجه السلطات التنفيذية التي ظلت عاجزة عن بسط سيادة القانون) وأضاف، حاول المسئولون الإلتفاف على الحقائق رغم وضوحها الأمر الذي جعلنا نعتقد أنهم المحرضون لهذه الجريمة. وأكد صديق أن حزبه سيمد لدوسة كل أذرع التعاون لتمكين كل صاحب حق من أخذ حقه -بالوسائل المشروعة – على حد قوله.
ضياء الدين عباس :الراي العام