صافرة البداية..!!
أصدرت الحكومة السودانية، قراراً مفاجئاً بإغلاق مكاتب المستشار الثقافي الإيراني في المركز والولايات، وامهاله (72) ساعة لمغادرة البلاد، وكانت في الأشهر الماضية نشطت حملة قادها خطباء المساجد والعلماء تحذر من تنامي التبشير الشيعي في السودان.. وطالت الاتهامات بعض البارزين فاتهموا بالانتماء أو الارتماء في أحضان المذهب الشيعي وتحول الجدال إلى ما يقرب من الحرب الباردة التي توشك أن تتحول إلى خلافات عاصفة.
لكن في تقديري أن كل ذلك لم يكن سبباً في صدور القرار. صحيح قد يكون من ضمن الحيثيات لكن القشة التي قصمت ظهر البعير تصريحات مصورة وموثقة لأحد قادة المذهب الشيعي في أوروبا ذكر فيها أن عدد الشيعة في السودان تعدى الـ(12) ألف وإنهم يزدادون يوماً بعد يوم، ثم قفز فجأة في حديثه من المنصة الفكرية إلى الهاوية الأمنية إذ وجَّه حديثاً مباشراً للشيعة في السودان طالبهم فيه بالثورة على الحُكم الحالي، وذكر اسم الرئيس البشير بالاسم.. وكان حديثه تحريضاً سافراً يحمل المواجهة إلى الحيز الأخطر وهو انقسام المجتمع السوداني إلى سُنة وشيعة.
يبدو أن الحكومة التفتت الآن إلى الوجه الذي ربما غضت النظر عنه في الماضي لأسباب تتعلق بالعلاقات الثنائية مع إيران التي ظلت عقدة السودان في علاقاته الدولية الأخرى.
نشاط الملحق الثقافي الإيراني لم يكن سرياً وتوغل في أعماق الريف السوداني، عن طريق شيوخ الصوفية خاصة الذين ينحدرون من الشجرة النبوية الشريفة، فالمدخل إليهم نفسياً وروحياً سهل جداً يزيد من قوته العطايا والهدايا. وتمدد نشاط الملحق الثقافي للبعثات الطلابية إلى إيران والتي تهيء فرصة جيدة للتأثير على الشباب له مستقبل واعد في السودان.
صحيح أن دول الخليج كانت تنظر للملف الإيراني في السودان بمنتهى الحساسية.. لكن في تقديري هي ليست حساسية مرتبطة بالتبشير الشيعي لأن غالبية دول الخليج بها أعداد مقدرة من شعوبها ملتزمة بالمذهب الشيعي. لكن يبدو أن العلاقة السياسية ذات البُعد الإستراتيجي مع إيران هي التي كانت تجلب القلق الخليجي.. فإيران في حالة مواجهة مع عدة دول خليجية بل كادت تبتلع إحداها، مملكة البحرين لو لا النجدة السعودية العاجلة.
إيران ربما لن تنزعج كثيراً من هذه الخطوة فهي مدركة أن وسائط نقل الفكر لا تحتاج ملحقيات ثقافية خاصة لدولة بترولية غنية مثل إيران.. لكن بالتأكيد أن تأثيرات هذه الخطوة داخل السودان ستكون واضحة.. فهي إعلان رسمي وصافرة بداية الحرب والمواجهة ورغم أن حجم هذه المواجهة ليس مقلقاً لا من ناحية العدد ولا الكيف، إلا أنها قد تعطي الفكر الشيعي دفعة إعلامية.. حيث ستلفت نظر قطاعات لم تكن آبهة لهذا الملف خاصة في أوساط الشباب الذين قد يخلطون الغضب على أوضاعهم وغبنهم من الحكومة مع كل ما يشعرون أنه يثير غضب الحكومة ويصبح الانتماء للمذهب الشيعي هو تعبير عن رفض سياسي أكثر منه اقتناع ديني بالمذهب.
هذه صافرة البداية فهل خططت الحكومة جيداً لصافرة النهاية؟!!.
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]