الشطار..!!
سجل التاريخ قولة شهيرة لعبد المطلب في زمن الجاهلية.. حينما زحفت جيوش أبرهة وبلغت الكعبة المشرفة.. وصادر أبرهة بعض إبل عبد المطلب.. قال له عبد المطلب في سياق طلب لرد الإبل (أنا رب الإبل.. وللبيت رب يحميه)..
هذه العبارة الخالدة.. دقيقة إلى أقصى حد.. في ترسيم الحد بين العبودية والربوبية..
أيهما يحمي الآخر.. الرب أم العبد؟؟
حسناً أرجوك أقرأ بتمهل وتمعن هذه السطور..
إذا خرق المسؤول الدستور والقانون من باب (حماية الدولة الإسلامية)..
وإذا تعمد القاضي الظلم في أحكامه.. من باب حماية الدولة الإسلامية.. حتى ولو كان ضد الكافر الأجنبي..
وإذا كذب المسؤول وجحد حق الآخر السياسي من باب حماية حزب الحكومة التي هي حكومة الإسلام.
هنا يصبح العبد هو من (يحمي!!) الرب.. والعياذ بالله.
لأن الرب أمر بالعدل.. والإيفاء بالعهد والميثاق. فإذا تجاوز المسؤول العدل والعهد فهو يتصور نفسه (حامياً) لربه.. وذلك كفر بواح..
أما إذا امتثل العبد لأمر وحكم الرب.. فعدل في حكمه ولو كان عدله ينصف الكافر الأجنبي ضد المسلم التقي. فإن الرب هو الذي (يحمي!) العبد. تماماً كما قال عبد المطلب (وللرب بيت يحميه).
بيت الله ليس مجرد (جدران) في أي مكان في العالم.. بيت الرب هو أحكامه وأوامره وحرماته التي يحرمها علينا.. فمن يمتثل لهذه الأحكام والأوامر.. دون أن يحسب مظان الخسارة أو الربح.. فهو يترك الرب ليحمي (بيته)..
لكن الذي يجتهد في ظلم الناس.. من باب حماية الدين.. فهو كمن يحاول أن (يحمي) الرب.. وفي الحقيقة هو (يحمي) شهوته في الحياة الدنيا.. شهوة المال أو الجاه أو السُلطة..
الحد فاصل واضح.. بين (الترتيب).. و(التدبير)..!!
العبد هو الذي (يرتب) أمره وحياته ومسلكه..
لكن الله الرب.. هو من (يدبر) الأمر حيث وكيف يشاء..
عندما طفق فرعون يقتل المواليد الرضع.. وخافت أم موسى عليه من مصير سائر الصغار.. أمرها الله أن ترمي وليدها في البحر.. أقصى ما كان متاحاً لأم موسى.. أن (ترتب) كيف تحمله.. وتلفه في لفافة.. والطريق الذي تذهب به إلى البحر.. لكن (التدبير) المعجزة كان بيد الله.. فحمله البحر إلى عدوه – فرعون- في عقر داره.. نفس المصير الذي كانت تخشاه أم موسى.. والذي جعلها من فرط خشيته أن تجازف برمي وليدها في البحر ليهرب من فرعون.. فإذا بالبحر يأخذه للذي منه تخشى.
وتنتهي الرواية الطويلة.. بمشهد فرعون غارق في البحر.. وموسى (الذي رمته أمه رضيعاً في البحر) يعبر البحر وهو يحدق في جثة عدوه التي كتب الله عليها (فاليوم ننجينك ببدنك لتكون لمن خلفك آية..).
للدين رب يحميه.. هو صاحب (التدبير)..
أسوأ ما يمكن للمرء أن يقترفه.. هو أن يظن أنه يحمي (بيت) الرب..
فللبيت رب يحميه..
حدود العبد.. أن يمتثل لأمر الرب.. أن يبسط العدل ولو على نفسه (لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلو.. اعدلوا..)
ويترك (التدبير) للرب.. هو (يدبر الأمر كيف يشاء)..!!
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]