الحريَّة الصحفيَّة
> تلقي علينا قيادة الاتحاد العام للصحافيين السودانيين مسؤولية وأمانة كبيرة في الدفاع عن الحرية الصحفية، فمصادرة أو إيقاف أية صحيفة عبر إجراءات استثنائية من دون حكم قضائي، أمر لا يمكن قبوله من الوسط الصحفي دعك عن اتحاد الصحافيين المدافع الأول عن الجسد الصحفي، فالصحافي في المقام الأول ضد أي إجراء ينتقص من حريته وحقه في أن يقول رأيه ويصدع بما يراه، وإن جنح فالقانون هو الفيصل، ولا سبيل لأية إجراءات عقابية تقتص منه وتقلل من تمتعه بحريته التي تنادي الدولة كل يوم بكفالتها وتثبيت دعائمها.
> بالأمس لم تصدر صحيفتا «اليوم التالي» و «الأخبار» وغابتا عن أرفف المكتبات ولم تصافح أعين القراء، بسبب منعهما عن الصدور، وهو إجراء يتم اتخاذه من السلطات المختصة وفق تقديراتها وما تراه يضر بمصالح البلد العليا ويشكل تجاوزاً بالمعيار الأمني والسياسي لا بد من كبحه وتنبيه الصحيفة عبر بوابة المصادرة التي تتم بأثر رجعي.
> ذهبنا وجلسنا «الرئيس والأمين العام وأمين المال لاتحاد الصحافيين السودانيين» إلى إدارة الإعلام بجهاز الأمن الوطني والمخابرات، أمس وأدرنا حواراً بناءً ومثمراً مع الشباب في قيادة هذه الإدارة المهمة، حول قضايا النشر الصحفي التي تشكل خرقاً او تجاوزاً للمحظور في منظور الدولة وتؤدي إلى المصادرة لمدة يوم أو يومين حسب التقديرات والقرار الذي يصدر.. ودار نقاش جيد في هذه النقاط بغية التوصل إلى حلول مرضية تجنب الصحف مواجهة جائحة المصادرة أو الإيقاف القسري.
> وقد تحلى الإخوة في الإدارة بأعلى درجات التفهم والوعي بقضية الحريات بنفس القدر الذي يؤدون به واجباتهم ودورهم ومسؤولياتهم، وصبروا علينا وعلى احتجاجاتنا باسم كل الصحافيين على الإجراءات، وكان تفهمهم كبيراً ومثمراً في التوصل إلى إطار مشترك لمعالجة هذه القضايا.
> وهذه القضية تثير مسألة الحرية وحدودها والمسؤولية وواجباتها، من حيث المبدأ وما لا يقبل المساومة، أن المصادرة تعامل يضر بالصحف ويعيق تطورها ويتسبب في ضمورها وعجزها عن أداء دورها المطلوب، وتلحق بالصحيفة التي تصادر بعد الطبع خسائر فادحة، حيث تخسر قيمة الإعلانات وقيمة الطباعة وبقية المصروفات في العدد المصادر، وفوق كل هذا تؤدي إلى إحباط لا يمكن وصفه وسط الصحافيين والعاملين، ويشعرون بأن عملهم ومهنتهم دائماً تقف على حافة المجهول، ويمكن في أية لحظة أن تتعرض معيشتهم ورزقهم للانقطاع وتتوقف الصحيفة أو توقف عن الصدور ويتشردوا في الطرقات.
> وتفقد الصحف عافيتها النفسية بكثرة المصادرة والإيقاف، وتفقد الصحافة نفسها قدرتها على العطاء وهي تعيش خائفة مرتجفة ترتعب أوصالها من خطوة تتخذ تجاهها، وهذا وضع محزن إن لم نجد له معادلة متوازنة أو معالجة نهائية وجذرية، تجد فيها الصحافة براحاً ومساحة واسعة من العمل والإبداع وتناول قضايا الناس وهمومهم والتعبير عن القضايا الوطنية بروح مسؤولة.
> ولا بد أن نجد حلاً.. ولن يتأتى ذلك إلا بإشاعة روح القانون وحكمه والتقيد به، والتحلي بروح المسؤولية لدى الطرفين من الصحافة ومن السلطة الحاكمة، ولم نجد في حوارنا مع الإخوة في إدارة الإعلام في جهاز الأمن ما يمنع هذا الحوار من أجل صياغة مفاهيم مشتركة تؤدي في النهاية إلى رفع القيود بالكامل عن الصحف، وجعلها تتنفس في حرية.. والأجدر بنا جميعاً بوصفنا صحافيين التمسك بحقنا في الحرية بجانب التأكيد الواجب أننا نتحلى بمسؤولية وطنية وحرص على سلامة الجسد الوطني من القروح والجروح.
> إن حرية الصحافة كل لا يتجزأ، ومسؤولية لا تتحمل التفسيرات والتأويلات، فالتوازن بين الحرية والمسؤولية خلطة ومزيج لا بد من توفره في الأداء الصحفي، حيث لا إفراط ولا تفريط، فإن لم نتهدِ إلى هذه المعادلة تظل الصحف تواجه ما تتعرض له من إجراءات قاسية.. وتظل السلطة تقف على أمشاطها لاهثة الأنفاس تلاحق الصحف وتعمل سكينتها بالمصادرة والإيقاف وتقليم أظافر الصحف وضبط عمل الصحافيين وتقييده.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة