مقالات متنوعة
جهود معالجة «المعيشة» هل أثمرت؟
بالطبع هناك أسباب تكون مثل الكوارث الطبيعية تقف وراء انهيار جزئي أو شبه كلي للبناء الاقتصادي، فهي إذن حسب هذا الوصف والتشبيه تبقى إلى حد كبير جداً فوق الإرادة الحكومية. وهذا لا يعفي الدولة من أن تخطط لإنعاش الاقتصاد مستعينة بالخبراء وأهل الاختصاص في بعض المؤسسات الرسمية المدنية والنظامية مثل وزارة المالية وإدارة الأمن الاقتصادي بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وبنك السودان الذي لا نشير إليه هنا كجسم مستقل عن وزارة المالية، لكن لدوره الخاص في حماية سعر الصرف للعملات الأجنبية، فوزارة المالية تحفظ في حزينة الدولة العملة الوطنية «المال العام» وهو في غالبه حصيلة ارادات.
وبالعودة إلى لب الموضوع فإن المثلث العلاجي للمشكلة الاقتصادية التي أفرزتها قبل فترة ظروف محلية واقليمية ودولية، هذا المثلث قد حصد ما زرعه من خطط في تربة الاقتصاد السوداني. وهذا المثلث اضلاعه هي وزارة المالية وبنك السودان وإدارة الأمن الاقتصادي بجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
وضعت وزارة المالية الخطط، وساعد بنك السودان على استعمال تنفيذها بحسمه للمضاربات الوهمية، ووقفت ادارة الأمن الاقتصادي بجهاز الأمن لمراقبة الطفيليين في السوق. وبجهود الاضلاع الثلاثة لمثلث العلاج الاقتصادي تحقق انخفاض نسبة التضخم، وإلى حد كبير استقر سعر الصرف، وفي هذا المناخ الاقتصادي الذي نستنشق فيه هذه الايام نسمات عافية الاقتصاد السوداني تصبح أنابيب النفط من جديد ملكاً للخرطوم الرسمية. أو إن شئت قل للسودان في عهد الجمهورية الثانية التي جاءت نتيجة احترام خيار الآخر، واحترام مصيره وتقرير مصيره، وفي نفس الوقت معالجة لمشكلة أمنية مزمنة ظلت مثل طائر العنقاء منذ الثامن عشر من اغسطس 1955م حتى عام 2005م، فكلما ظن الناس أن الطائر مات، انتفض من تحت الرماد، وقد كانت قضية الجنوب تحت «الرماد» وميض نار حتى خلال العقد الذي مضى بعد اتفاقية أديس ابابا عام 1972م، فكانت أنيانيا «2» وحينما عاد قائدها عبد الله شول مصالحاً، كانت في رحم المؤامرة الأجنبية الحركة الشعبية. أي أن المثل الشعبي السوداني الذي يقول: «الضرس خلعه ولا نتيحة أو ألمه».. أي أن معاودة الشعور بألم الضرس المصاب اقسى من لحظة خلعه حتى ولو كانت بدون تخدير، فهي لمرة واحدة.. وفحوى هذا المثل هو قبول الخرطوم الرسمية والمعارضة وقطاع عريض جداً من الشعب بحق تقرير المصير لشعب الجنوب، وبعد ذلك له أن يقارن، ويبدو أنه الآن توصل لمعرفة نتائج المقارنة بين استمرار الوحدة والانفصال. لكن الشمال ارتاح من المسكنات وخلع الضرس لأن خعله أهون من ألمه المستمر.
أما الضرس الاقتصادي الذي أصيب بسوس التضخم بعد فقدان عائدات النفط الجنوبي، فقد كان فقط يحتاج إلى حشوة، وقد كانت هذه الحشوة هي جهود مثلث المعالجة الاقتصادية وأضلاعه الوزارة والبنك المركزي وإدارة الأمن الاقتصادي. والآن السلع متوفرة خاصة الأساسية منها، غير أن بعضها بأسعار موسمية ستنخفض بعد مضي فصل الخريف، وبقي فقط همة الشباب لممارسة أي عمل شريف وحلال بغض النظر عن نوعيته، ونعلم أنه من أهم اسباب فقر وعوز الشباب ترفعهم عن بعض الأعمال الشريفة. والتحية لأضلاع مثلث العلاج الاقتصادي.
الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة