درس نهر النيل.. تقرير امبيكي… نجاة بريطانيا.. تكريم ابن عوف
درس نهر النيل
قدمت ولاية نهر النيل، درساً بليغاً في مؤتمر الولاية للحزب الحاكم المؤتمر الوطني، فعلى غير المتوقع والمنتظر ، لم يحقق والي الولاية الفريق الهادي عبد الله، أعلى الأصوات في مجلس شورى المؤتمر الوطني ولم يكتسح القائمة في مؤتمر الولاية، ولم يتصدر قائمة المرشحين، بل خرج من قائمة المرشحين الخمسة، وصعق الكثيرون من ذلك، كون الفريق الهادي وهو من أعمدة الإنقاذ ومن منفذي التحرك العسكري يوم 30يونيو 1989م وكان وزيراً للداخلية والدفاع وتولى رئاسة جهاز الأمن ووزير رئاسة مجلس الوزراء.. ومع ذلك لم يحقق الفوز المرتقب كما فعل بعض الولاة في الولايات التي شهدت مؤتمرات عاصفة.
يحسب للفريق الهادي هذا الذي حدث، وتقبله النتيجة وتسليمه بقرار الشورى والمؤتمر، فلو كان يريد أن يفعل كما فعل غيره من الولاة، لتصدر القائمة وحصد الأصوات .. فالنظم واللوائح والترتيبات التي يقوم عليها المؤتمر الوطني تمكن الوالي وهو رئيس الحزب في الولاية من ترتيب أموره إذا أراد أخذ نصيب الأسد، فكل مؤسسات الحزب في يديه، وإمكانيات الدولة وبريق سلطتها وترهيبها وترغيبها طوع بنانه، لكن يبدو أن الرجل آثر هو وولايته أن يقدما هذا الدرس البليغ.. ويمكن أن يقول قائل.. إن ما حدث في نهر النيل ينم عن فقدان الوالي شعبيته حتى داخل الحزب، وتوجد معارضة قوية له داخل المؤتمر الوطني، ولم يقف معه الناس وعملوا على ذهابه بهذه الطريقة، لكن هذا القول مردود، فكل ولاة الولايات يواجهون عدم رغبة مستحكمة ورفضاً جامحاً لبقائهم، وبعضهم مكروه وسط جماهير الولاية، ومنهم من يتمنى الناس ذهابه اليوم قبل الغد، ومنهم من تظاهر أهل الولاية ضده، لكنهم مع ذلك حققوا أعلى الأصوات في مؤتمرات الحزب وتهيأوا أو هكذا خُيل لهم أنهم قادمون على أسنة صناديق الاقتراع لولاية جديدة …!
فوالي نهر النيل كان باستطاعته الفوز على منافسيه بسهولة لورغب في المكوث، وحسب المعلومات القليلة أنه لم يعمل من أجل البقاء، وترك الأمور تمضي كما هي على طبيعتها، ولعله زاهد في الاستمرار..
ما جرى في نهر النيل رسالة لغيرها من الولايات، بأن الوالي يمكن أن يتذيل القوائم ويمكن أن لا يتم اختياره من الأساس، وهذا يعطي قيمة إضافية لتجربة المؤتمرات الحالية ويبرئها من الانتقادات الموجهة إليها… لو أحسن المؤتمر الوطني استثمارها..
مجلس الأمن الدولي خطوات تنظيم..
كما كان متوقعاً فإن مجلس الأمن الدولي في جلسته غير الرسمية للاستماع إلى تقرير الوسيط الأفريقي رئيس الآلية رفيعة المستوى ثابو امبيكي، لم يصدر أية قرارات أو بيان، وأشاد بمبادرة الحوار الوطني ودعمه للتطورات السياسية الجارية في البلاد، وكل ما يتصل بها وبالوثيقتين اللتين وقعتا بين لجنة الحوار الوطني «7+7» ومجموعة إعلان باريس.. ووجد تقرير امبيكي حسب التقارير الإخبارية والتصريحات من مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة رحمة الله عثمان، إشادة من السيد هايلي منكريوس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لدولتي السودان، الذي قدم بدوره تقرير اً لمجلس الأمن الدولي في جلسته المغلقة.. بالرغم من أن الجلسة مغلقة وغير رسمية لمجلس الأمن الدولي التي تم فيها تقديم التقرير، إلا أن ذلك يعكس نوعاً من التحولات في المواقف الدولية والتفهم لحقيقة الأوضاع في البلاد ورغبة المجتمع الدولي في عدم الانغماس في تأزيم الوضع في السودان، ويمكن القول إن مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس في نهاية يناير الماضي قد آتت أكلها، فكل التطورات السياسية التي حدثت تمت بناءً عليها وعلى خلفيتها والواقع الجديد الذي صنعته.
وهذا يمكننا من القول بأن المبادرات وخطوات الإصلاح الداخلية لها رد فعل إيجابي وانعكاس مباشر على الخارج، فلو أحسنا ترتيب بيتنا الداخلي وحدثت التهدئة وتم التوافق ولو على الحد الأدنى، يمكننا بناء الثقة مع الخارج والداخل معاً.. ويستطيع السودان أن يعبر إلى الضفة الأخرى..
بريطانيا ونصل الانفصال..
نجت المملكة المتحدة وفرت بجلدها من الانفصال بعد تصويت الأغلبية في اسكتلندا بالبقاء داخل المملكة، وتراجعت الدعوة الانفصالية التي قادها رئيس الوزراء الاسكتلندي اليكس سالموند، وكان يمكن للندن أن تشرب من نفس الكأس التي شربت منها دول كثيرة هي مستعمراتها السابقة ومنها السودان، ونجت بلدان أوروبية مثل أسبانيا التي كانت يدها على قلبها يوم أمس خشية أن تنتقل العدوى الانفصالية إلى كاتالونيا المتأهبة لإجراء مماثل.. وتحتاج هذه الخطوة والتطور المهم إلى دراسة وافية حول أسس تماسك الدولة القومية في بلدان العالم الأول في عالمنا الثالث، الذي كان وحده يشتكي من انتشار الدعوات الانشطارية وشكاوى التهميش السياسي والتنموي والخدمي، فكل الذي وعد به ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا هو نقل مزيد من الصلاحيات إلى الحكومة الاسكتلندية، والسبب الرئيس لهذه الخلخلة كان التهميش والظلم الذي يشعر به مواطنو اسكتلندا، بالرغم من أن هناك حساسيات حادة للغاية قد تصل لدرجة الكراهية بين الاسكتلنديين والإنجليز، وتاريخ الطرفين مليء حتى التخمة بالحروب الطويلة والمرارات والأحقاد.. لن تنتهي بفشل الدعوات الانفصالية اليوم..
رجل بقامة وطن ..
يتم اليوم بقاعة الصداقة بالخرطوم حفل ضخم تنظمه منظمة الحسن الخيرية لتكريم البروفيسور جعفر بن عوف سليمان، رائد طب الأطفال في السودان الحائز من قبل على وسام الإنجاز من السيد رئيس الجمهورية العام 2002م، وبما أن بلادنا لا تجيد تقدير وتكريم رموزها وعلمائها ولا الاحتفاء بإنجازاتهم العلمية والمعرفية، فإن البروف ابن عوف معروف عنه أنه جنَّد نفسه لخدمة هدف واحد، هو تطوير وتحديث وترقية خدمة طب الأطفال في السودان بإخلاص لا يجارى.. فالرجل منذ تخرجه في جامعة الخرطوم كلية الطب العام 1967م وهجرته للعلم على نفقته الخاصة إلى بريطانيا ونيله شهادتي دكتوراه في الطب الباطني وطب الأطفال، عاد العام 1971م ليتفرغ بالكامل لتقديم كل خدماته وعلمه وجهده في مجال طب الأطفال، ويعد من أبرز الاختصاصيين والاستشاريين العالميين في هذا المجال، وله مؤلفات مرجعية وكتب يعتمد عليها في مجالات الطب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا واستراليا وبقية دول العالم وأكثر من «90» بحثاً علمياً ودراسات منشورة ومشاركات دولية، سخَّر فيها كل خبرته لخدمة هدفه الإنساني، وكان له سبق طبي خاص في اكتشاف نوع من حساسية القمح لدى الأطفال..
تكريمه اليوم هو تقدير لمفخرة سودانية ورمز علمي، مزج بين الإنتاج العلمي والتطبيق العملي، ولابد من الإشارة هنا إلى السيدة الدكتورة حياة زوجة البروف ابن عوف، سارت على طريق مكمل لجهود زوجها وهي تؤازره وتعد الاختصاصية الأولى في مجال طب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي لا تزال تعمل بجد واجتهاد وتقوم وتشرف على مبادرة كبيرة وهي قيام مؤسسة جعفر بن عوف للاحتياجات الخاصة.. هذا التكريم اليوم تحت رعاية رئاسة الجمهورية هو تكريم لقيمة علمية سودانية تستحق التكريم.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة