كلمة في حق هؤلاء
> اقتضت سنة التغيير أن يترجل الأخوان الأستاذ معتصم فضل والأستاذ محمد حاتم سليمان، من موقعيهما في إدارة هيئتي الإذاعة والتلفزيون، في وقت دقيق ومفصلي في مسيرة هاتين الهيئتين اللتين دمجتا مرة أخرى للمرة الخامسة في تاريخهما، في تجربة تُعاد للمرة الثالثة في عهد الإنقاذ وفق تقديرات القيادة السياسية والإعلامية في البلاد.
> ويشهد القريب والبعيد للأخوين معتصم ومحمد حاتم، بالكفاءة والإخلاص والتفاني في العمل خلال قيادتهما للجاهزين المهمين، بالرغم من اختلاف الآراء حول بعض الاجتهادات هنا وهناك، ولولا الاختلاف بين الناس لما حدث التدافع في الحياة والتلاقح البناء في الأفكار.
> وخلال معرفة خاصة بالرجلين، لا بد من قول كلمة حق فيهما، فقد توفرت لي لقاءات ومناسبات وأسفار معهما زادت من المعرفة الشاملة بهما، وهما بلا شك فقد للساحة والوسط الإعلامي كله، لكن ميادين العطاء أمامهما مفتوحة، وخبراتهما ستظل متاحة بلا شك، وقد تحملا الكثير في سبيل إنجاز مهمات عسيرة في وقت وظروف صعبة للغاية، وأمزجة مختلفة لا ترضى بأي شيء حتى ولو كان المسؤول ملكاً تنزل من السماء.
> ورافقت الأخ معتصم فضل في زيارات داخلية وخارجية، وجمعتني به عدة مناسبات رسمية وخاصة، وتلمست عنده علمه الوافر بدقائق مهنته التي أخلص لها وجرت في دمه وأفنى فيها زهرة عمره، فهو رجل ملم وبحر لا ساحل له في مجال العمل الإذاعي، فقد بدأه من أدنى درجات السلم وثابر فيه حتى وصل إلى درجة المدير العام للإذاعة.. وعمل خلال مسيرته العملية مع الدهاقنة والأساطين وعظماء هذه المهنة من الآباء المؤسسين ومن الجيل السابق، وتعلم منهم وتدرَّب على يديهم حتى ارتقى مرتقاهم الصعب، وحذق المهنة وجودها، وله أيادٍ مشهودات وفضل على كثير من الجيل الذي زامله أو تلاميذه الكثر الذين يقودون العمل في المواقع الإذاعية المختلفة ومن هم خارج السودان.
> وتميز معتصم فضل بالعمق الرفيق، فهو يفكر بهدوء ويتعامل بتؤدة.. سمته سمت العلماء المتواضعين لا يشعرك أنه يعلم ويعرف أكثر منك.. يجيد الإصغاء وعندما يتحدث تبهرك سعة أفقه وإلمامه بما يقول وإدراكه لما يفعل، وكنا في معية السيد رئيس الجمهورية في عام 2009م للمشاركة في قمة عربية بليبيا عقدت في مدينة سرت.. وكنا نسكن في مكان بعيد عن مقر القمة، وراقبت معتصم فضل كيف يتابع ويؤدي عمله، فقد كان ينهض فجراً ويتابع ويتحرى الأخبار ويستمع للإذاعة السودانية من مذياع يحمله، ويبدأ اتصالاته بأم درمان ومكاتبه المختلفة في الإذاعة وينسق ويعطي توجيهاته، ولا ينتظر سيارات المراسم الليبية لتقلنا إلى مكان انعقاد جلسات القمة، فينطلق راجلاً كأنه إعلامي صغير في مبتدأ الطريق يخشى أن يتأخر أو يفوته شيء.. يجلس ويتابع كل صغيرة وكبيرة ويجمع الأخبار والتصريحات بنفسه، ولا يبخل على أحد بمشورة ومعونة ومعلومة وخبر، فقد كان الرجل مدرسة وتاريخاً تحمَّل عبء إدارة الإذاعة السودانية التي توسعت في عهده، ونشأت إذاعات عديدة، وكل ما التقيه أقول له: لو لم تكن للإذاعة السودانية وليد غير إذاعة ذاكرة الأمة لكفاها.. وكان يبتسم بتواضعه الجم وينظر للأفق البعيد، وفي نظراته طموح أكبر للإذاعة وأفكار جديدة.. ولكنه ترجل وغاب مثل البدر في ليلة تمامه.
> أما الأخ محمد حاتم، فقد ظل جندياً مخلصاً في سبيل الدعوة والحركة الإسلامية قبل الإنقاذ، وبعدها تحمَّل مسؤوليات كثيرة في الدفاع الشعبي والعمل السياسي والدستوري، عرف خلالها بالإخلاص في العمل وبذل الوسع في الجهد والاجتهاد، وظل ينتقل من موقع إلى آخر دون تضجر وفي طاعة كاملة حتى في المواقع التي كانت أقل بكثير من قدراته وجهده، وتولى إدارة التلفزيون مرتين، قدم خلالهما عصارة فكره وآرائه، وكانت له رؤية متكاملة منسقة لم تسعفه الظروف المحيطة بالعمل الإعلامي لإنجازها.
> وحضرنا معاً القمة الإعلامية العالمية في موسكو في يونيو 2012م، وعرفته عن قرب، وقدم مداخلات قيمة خلال هذا المؤتمر الذي حضرته الرموز الإعلامية الدولية من قادة وكالات الأنباء الرئيسة في العالم مثل رويتر والأسيوشيتدبرس وإنتارتاس الروسية وشنيغوا والـ «بي. بي. سي»، وقادة الشبكات الفضائية العالمية ووزراء الإعلام من دول العالم من إفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين.. ووجدت هذه المداخلات إعجاباً كبيراً من المشاركين في المؤتمر.. وعرف محمد حاتم بالتواضع وسعة الأفق.. وقدم للتلفزيون الكثير.. ومهما اختلف الناس معه أو اتفقوا فهو رجل مجتهد أعطى ما عنده وقال كلمته ومشى.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة