تداعيات الحدث وتاثيراته علي مقبل الاحداث
انتهت مظاهرة الأمس مع وعد باستمرارها، ولم تنتهِ تداعياتها بعد، وفتحت المجال امام مجموعة من السيناريوهات المحتملة والتي كانت اولى تفاصيلها ما حدث صباح الامس حيث بدا شتاء الخرطوم اكثر سخونة من ما هو معتاد، حين اوفت قوى المعارضة بتنفيذها لوعدها بالخروج الى الشارع الذي بدا مندهشا مما يحدث امامه حيث صار مسرحا لاعلام القوى السياسية وهتافاتها التي شقت عنان السماء شاركتهم قوى الشرطة والامن بزيها المميز. هدف الخروج وكما هو معلن كان الوصول للبرلمان بغرض تسليم مذكرة تتعلق بتسريع اجازة القوانين لتسهيل عملية الانتخابات التي يجب ان تكون شفافة ونزيهة، البرلمان صار لا يمكن الوصول اليه حالياً بفضل التدابير الامنية التي انتهجتها السلطات، ما بين السعي للوصول والمنع. كان الاشتباك ما بين قوى الشرطة والمتظاهرين، حيث تم تفريق المظاهرة واعتقال قادتها ومن بينهم وزير الدولة بوزارة الداخلية عضو الحركة الشعبية بالاضافة لباقان أموم الامين العام للحركة وياسر عرمان وغيرهم من الذين شاركوا في هذه المظاهرات، المتظاهرون الذين تفرقوا داخل أحياء أم درمان حتى وقت متأخر من نهار الامس، تم تفريقهم، ولكن ما حدث لم ينتهِ بل فتح الباب واسعاً أمام المزيد من التداعيات السريعة التي كانت أولى خطواتها قيام الحكومة باستدعاء السفراء بالخرطوم لتوضيح وجهة نظرها فيما حدث، في المقابل تزامنت مظاهرة الخرطوم مع الخروج في مدن أخرى، حيث خاطب رئيس الحركة الشعبية سلفاكير في جوبا مظاهرة أخرى احتجاجاً على ما حدث وقامت جماهير الحركة الشعبية بتحطيم مقر المؤتمر الوطني في بحر الغزال.
حجارة المعارضة وأبخرة البمبان المتصاعدة حركت المياه تحت جسر السياسة السودانية المهتز أصلاً، وبدأت وجهات النظر حول ما يحدث تثري ساحات الواقع السياسي، فالشريك الاكبر في حكومة الوحدة الوطنية ـ المؤتمر الوطني ـ الذي برر ما حدث انه نتج عن عدم قانونية المظاهرة نفسها حيث لم يقم المنظمون بابلاغ السلطات بها، في الوقت الذي تقول فيه المعارضة عكس ذلك، الاعتقالات التي تمت لأعضاء الحركة الشعبية والدستوريين تلقي بظلالها على الواقع السياسي عموما وعلى عملية اجراء الانتخابات المتعثرة أصلاً وبالطبع سيكون لها تأثيراتها على علاقة الشريكين. الصحافة حاولت استجلاء الموقف وتوضيح الرؤى السياسية حوله ولتوضيح تأثير المظاهرة على ما عليه الحال اصلا. أولى التداعيات كان ما أدلى به ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية الذي شارك في المظاهرة وتم اعتقاله حيث اكد لوسائل الاعلام من داخل السجن ان ما حدث يمثل اهانة لحزب يشارك في السلطة ويؤكد في جانبه الآخر ان قوات الشرطة والأمن تأتمر بأوامر المؤتمر الوطني والذي وضح عدم جديته في التعامل مع مسألة التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، موضحاً في الوقت نفسه عن ضعف تبرير السلطات لاعتقاله باعتدائه على رجال الشرطة أمراً عاري من الصحة وسخيف للغاية« فنحن برلمانيون يجب أن نعطي تعليمات للأمن وليس العكس، وأكد ان ما حدث اليوم هو اعتداء على الحريات من قبل المؤتمر الوطني ويمثل كذلك اعتداء على اتفاقية السلام، وناشد عرمان قوى جوبا وكل السودانيين بأن يدافعوا عن حرياتهم وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل».
من جانب آخر وفي نفس السياق للتعليق على ما حدث أصدر الامام الصادق رئيس حزب الأمة القومي احد المشاركين في المظاهرة بيان صحفي أوضح فيه ما حدث مؤكداً على أن السلطات تعاملت مع الأمر بصفة استعلائية وانفراد وعدوانية، مشددا ان هذه التصرفات هي تصرفات غير مسؤولة مطالبا بالاعتذار عن هذا السلوك الخاطئ والمستخف بالعواقب الجسيمة المترتبة عليه وعلى أمن البلاد، منوها الي سرعة اطلاق سراح كافة المعتقلين وضرورة قيام اجتماع قمة سياسية جامعة للاتفاق على إدارة دفة البلاد بالصورة التي تحقق السلام العادل والتحول الديمقراطي الشامل الذي يحقق أهداف البلاد العليا ويضع حلاً لمشكلة دارفور ويسهل عملية قيام انتخابات نزيهة حرة.
من ناحية أخرى فقد أوضح علي حسين دوسة الامين العام لحركة تحرير السودان جناح مني، في تصريح للصحافة تعليقاً على ما حدث وتأثيراته حيث أكد ان ما حدث لا يشبه اخلاق الشعب السوداني ولا الحكومات الراشدة في عملية التعاطي مع شعوبها، مؤكداً ان التصرف الذي انتهجته الحكومة يعتبر تصرفاً غير دستوري فمن الصعوبة بمكان استيعاب مسألة ان يقوم شرطي باعتقال وزير الدولة بالداخلية ـ مؤكداً ان المسألة ستجعل المؤتمر الوطني معزولاً على المستوى المحلي والدولي، كما ان المسألة ستؤثر على عملية الانتخابات والتي لا يمكن أن تقوم في ظل هذا الواقع بأية حال من الأحوال داعياً في الوقت نفسه لتشكيل حكومة قومية للمساهمة في وضع الحلول وقيادة البلاد لبر الامان.
وعلى نهج سلفه قال لـ «الصحافة» في اتصال هاتفي أحمد حسين الناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة من لندن ان ما حدث يؤكد على تفشي ظاهرة القمع المتأصلة في النظام ويعبر عن عدم جديته في عملية التحول الديمقراطي التي غدت شعاراً للتعاطي الاعلامي فحسب دون تحقيق نتائج على أرض الواقع. وفي تعليقه على التأثيرات السياسية المحتملة وتحديداً عملية الانتخابات أكد انه لا توجد انتخابات في ظل سيادة أسلوب العنف فمن لا يستطيع قبول الرأي الآخر في مظاهرة لن يكون مستعداً للتنازل عن السلطة، وفيما يختص بعلاقة الشريكين أكد أن عملية اعتقال قادة الحركة الشعبية داخل سجون المؤتمر الوطني امر لا يحتاج لأي تعليق ، مؤكداً ان اتفاقية السلام نفسها اصبحت في خطر، وأكد في ختام حديثه انه يشيد بنهج الخروج للشارع ويدين عملية التعامل التي انتهجها المؤتمر الوطني في التعامل مع الشعب الأعزل.
وفي تعليقه على ما حدث أصدر الحزب الشيوعي السوداني بياناً أكد فيه أن ما حدث يؤكد خروج المؤتمر الوطني على اجماع الشعب السوداني، وذلك من خلال تكريسه لأجهزة الدولة لخدمة مصالحه الخاصة واستخدامه أجهزة الدولة لقمع ارادته، وان ما تم من رفض لتسليم المذكرة هو نهج غير راشد واصفا ما حدث بالانقلاب الثاني في اشارة للوجود الامني الكثيف في طرقات الخرطوم، مؤكداً ان ما حدث كشف السر الدفين حول خلافات الشريكين والذي يكمن في النهج الشمولي الاقصائي للمؤتمر الوطني وهو الذي عطل تنفيذ الاتفاقية، مضيفاً انه اذا انسد الافق امام انزال نيفاشا والاتفاقيات الأخرى على أرض الواقع فان البديل هو الرأي العام الذي سيلتف ويشكل جبهة قوية للاطاحة بالمؤتمر الوطني بارادته الغالبة، داعياً في الوقت نفسه لقيام آلية قومية لمعالجة خلافات الشريكين والعمل على تنفيذ الاتفاقيات.
في اتجاه آخر أكد كمال عبيد وزير الدولة بالاعلام والقيادي بالمؤتمر الوطني في حديثه لقناة الجزيرة تعليقاً على الحدث ان ما حدث للمظاهرة يعود بصورة أساسية لاجراءات احترازية قامت بها الشرطة لضمان سلامة المواطنين حتى لا يتكرر ما حدث في يوم الإثنين الدامي، منوها الي استمرار ممارسة الاختراق القانوني من قبل الحركة الشعبية، مؤكداً ان ما حدث سيفتح المجال لتعميق الحوار ما بين الشريكين لمعالجة القضايا العالقة مطالباً أعضاء الحركة بالبرلمان للعودة للبرلمان ومشيرا الي ان الحوار السياسي بدأ بمبادرة من مالك عقار والي النيل الأزرق من الحركة الشعبية واحمد هارون والي جنوب كردفان من المؤتمر الوطني متمنياً نجاح هذه المبادرة، وعودة المياه لمجاريها.
من جانبه أكد للصحافة أحمد يعقوب، الامين العام لتحالف قوى الشعب العاملة، ان ما حدث ستكون له تأثيراته على الواقع السياسي للبلاد وزيادة أزماته ويجب على الشريكين الاحتكام لصوت العقل والجلوس للحوار بعيداً عن المكايدات السياسية ومعالجة الخلافات بصورة ديمقراطية لقطع الطريق أمام المؤامرات وأصحاب الأجندة الخاصة والاستماع لرؤية الأغلبية الصامتة في البلاد.
فى ذات الخصوص أصدرت السكرتارية العامة للحركة الشعبية بياناً دعت فيه منسوبيها بضبط النفس والانتظار حتى خروج توجيهات اجتماع مكتبها السياسي بجوبا برئاسة الفريق أول سلفاكير ميارديت وجددت التزامها بالتظاهر السلمى دون التعرض للاجهزة الامنية ،فيما طالبت الجبهة الجنوبية الحديثة ام اس اف القوى الضامنة للاتفاقية بالضغط من اجل تنفيذها واعلنت رفضها للانتخابات دون تغيير القوانين، جاء ذلك عبر بيان تم توزيعه للمؤسسات الإعلامية .
ويبقى السؤال هل تنجح دعوات ضبط النفس الداعية للعودة للحوار أم أن حجارة مظاهرة الإثنين ستكون متاريس جديدة ما بين الشريكين تزيد من صب الزيت على الوضع المشتعل أصلاً.
الزين عثمان :المصدر :الصحافة