تحقيقات وتقارير

لقاء الدوحة …الكل يبكي فمن سرق القضية؟

يروى أن مالك بن دينار كان يخطب الناس فى احد المساجد فبكى الناس واشتد نحيبهم من الموعظة ولما هم بالانصراف وكان قد وضع الى جواره مصحفا فاخرا يحتفظ به لنفسه فلم يجده صرخ فى الناس «كلكم يبكى فمن سرق المصحف »، ويكاد الموقف ان يتكرر في قضية دارفور كل حين ، فما جلس اهل دارفور في مكان الا واتفقوا على مطالبهم وذكروا محاسنهم وصفيت قلوبهم و ما ان ينصرفوا الا وانقلبوا على عقبيهم.

فعلى الرغم من ان الجميع ثمن اللقاء التشاورى للمجتمع المدنى الدارفورى الذى عقد فى العاصمة القطرية الدوحة قبيل عيد الاضحى المبارك، وثمنوا كل خطوة نحو توحيد الصف الدارفورى الا ان الاطراف غير المشاركة والمنخرطة فى القضية اثارت كثيرا من التساؤلات والاستفسارات والملاحظات حول اللقاء التشاورى ومخرجاته.
التساؤلات والاستفسارات والانتقادات احيانا التى وجهتها تلك الاطراف لم تقف عند مخرجات اللقاء فحسب وانما وجهت ايضا الى قسم الشئون الاجتماعية بالبعثة المشتركة « اليوناميد » الذى قام بالتنسيق مع لجنة الحوار الدارفورى الدارفورى باختيارالوفد ، وذلك حول معايير الاختيار ونسب المشاركة وتجاوز اللاجئين والممثلين الحقيقيين للنازحين اما التساؤلات والاستفسارات والملاحظات التى تمت اثارتها حول اعلان الدوحة هى مهمة وهوية المشاركين ؟ وهل الوفد المشارك يمثل اهل دارفور ؟ وطغيان منتسبى المؤتمر الوطنى على الوفد المشارك ؟ وعلى الرغم من ان المشاركين فى الدوحة اقروا قبيل عيد الاضحى المبارك فى مؤتمر صحفي تم عقده بمنبر «سونا » بان مهمة المجتمع المدنى هى تحقيق السلام الاجتماعى، وشريك فى المفاوضات، ومعين للطرفين، وضابط، ومراقب، ومحاسب على التصرفات بين الطرفين، وشاهد على ما يتم الاتفاق عليه، وفى ذات الوقت هو ليس طرفا فى منبر التفاوض، بيد ان الاطراف غير المشاركة اعتبرت ان المضامين والكلمات التى صيغ بها الاعلان حمالة اوجه ، فضلا عن تضارب احاديث وتوضيحات المشاركين فى اللقاء، ودللوا على ذلك بحديث الناطق باسم الوفد المشارك الدكتور فاروق أحمد ادم، الذى قال فى المؤتمر الصحفى بان مهمة المجتمع المدنى الذى شارك فى لقاء الدوحة هى تحقيق السلام الاجتماعى والشراكة فى المفاوضات وانه يمثل مكونات دارفور، واعتبر رئيس لجنة الحوار الدارفورى اللواء «م » صلاح على الغالى ان المجتمع المدنى جسم استشارى يلخص رؤية اهل دارفور للحلول المقترحة، فيما اكد الدكتور التيجانى سيسى فى حوار مع « الصحافة » بان المجتمع المدنى لم ولن يكون بديلا للحركات المسلحة، واعتبر أحمد بن عبدالله ال محمود وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية ان المجتمع المدني مكمل وداعم وليس بديلا عن المفاوضات بين الحكومة والحركات.
الحركات المسلحة رغم ترحيبها باعلان الدوحة بيد انها من اكثر الاطراف انتقادا له ، زعيم حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم اعتبر المجتمع المدني وحده لن يحل المشكلة ، داعيا الى إشراك مجتمع مدني واسع التمثيل من كردفان ودارفور وأقاليم أخرى، بجانب الأحزاب السياسية حتى يكون الحل حلاً «سودانياً» شاملاً، وذكرت الحركة فى بيان لها ان قبولها بدور «للمجتمع المدني» في العملية السلمية لا يعني مطلقاً القبول به في طاولة المفاوضات، وذكر البيان ان الجهات المنظمة والداعية للقاء «الامم المتحدة والاتحاد الافريقى ودولة قطر » عجزت عن تقديم تعريف دقيق متفق عليه للمجتمع المدني والافصاح عن المعايير التي اعتمدوا عليها في اختيار المشاركين ، واشار البيان الى غياب مكونات أساسية وصفها البيان ب «الهامة » مثل اللاجئين والدارفوريين بالخارج وغالبية النازحين بجانب إدارات أهلية وصفها البيان ب «الهامة » ، واعاب البيان انطلاق اللقاء من تقرير «لجنة حكماء إفريقيا» بدلاّ من الانطلاق من قناعات ذاتية و دواعي وطنية ملحّة ، بجانب التمثيل الكثيف للمؤتمر الوطني.
واوضح البيان ان اعلان الدوحة أغفل قضايا مثل الإقليم الواحد، و الأسرى، و المعتقلين، التي قال البيان انه تحدث عنها حتى «ملتقى أهل السودان» الذي نظمه الحزب الحاكم في كنانة، وذكر البيان ان اعلان الدوحة لم يتمكن من تحديد الدور الذي يريد القيام به في العملية السلمية بصورة تزيل اللبس، ودعا البيان الى لفت الانتباه تجاه المؤتمر الوطنى الذى يريد شق الصف الدارفوري عبر تشويه المجتمع المدني ومحاولة وضعه في مواجهة الثوار، وتخفيض سقوفات التفاوض باستخدام أبناء دارفور أنفسهم، مدللا بان اعلان الدوحة أبلغ دليل.
اما حركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد محمد نور فاعتبرت لقاء الدوحة تحول من فريق ضاغط قوي لطرفي النزاع، إلى فريق مفاوض وذلك بطرحهم لأجندة المفاوضات المفصلة في وسائل الإعلام العالمية، وان اعلان الدوحة جاء بمجمله دون طموح مواطن دارفور، ويرى القيادى بالحركة المقيم بلندن ابكر ابوالبشر فى مقال له ان يتحول المجتمع المدنى الذى شارك فى الدوحة بعد إعادة تشكيله ليكون بنسب متساوية وبعد إضافة النازحين واللاجئين إلى مجموعة ضغط فاعلة، حتى تكون لها كلمة مسموعة لدى طرفي النزاع والمجتمع الدولى.وذلك بالضغط على الحركات في إتجاه توحيد صفوفها وحول رؤية تفاوضية واحدة، والضغط على الحكومة في إتجاه تنفيذ المعاهدات والغاء القوانين المقيدة للحريات، واعتبر التوافق الدارفورى كفيصل في تحديد النظام الأمثل للحكم في دارفور خلال الفترة الانتقالية هو مطلب الحكومة الذي رفضته الحركات في أبوجا، ولكن سيسى يرى انه ليس هناك سبب واحد يجعل الحركات ترفض او تتخوف من المجتمع المدنى الا اذا كانت لها اجندة اخرى وليس هناك مجال للحكومة والحركات المسلحة الادعاء بان هؤلاء لا يمثلون اهل دارفور بعد ان تم الاتفاق على مجمل القضايا الرئيسية بما فيها الحركات المسلحة، وبالتالى المهم هو الاتفاق حول القضايا الرئيسية ، والعبرة بالنتائج ، اما قضية الاقليم الواحد ، يقول سيسي انه قد اتفق ابناء دارفور فى المجتمع المدنى على مجمل القضايا التى نوقشت فى الدوحة الا الاقليم الواحد الذى ارجع لظروف موضوعية وعملية فى ذات الوقت الى حين المزيد من التشاور على مستوى القواعد، ووصف سيسى الاعلان بالايجابي والمثمر، وردم الهوة بين مكونات دارفور باتفاقها حول مجمل القضايا المهمة التى طرحت للنقاش من قبل ، والتى ستطرح مستقبلا ، وفي هذا الاتجاه يقول أحمد بن عبدالله ال محمود وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، ان لقاء الدوحة التشاورى خطوة اولى وبداية لقاءات اوسع تضم كافة اهل دارفور دون استثناء . واعتبر اية تسوية سياسية لم يتم اخذ رأي اهل دارفور فيها ستصبح ناقصة ، ويقول مفوض التعويضات المهندس ابوالقاسم أحمد ابوالقاسم ،الذى كان فى مهمة فى الدوحة من اجل توحيد حركة تحرير السودان واجراء مشاورات فى هذا الشان مع الفصائل الاخرى، بانه من الممكن مشاركة النازحين واللاجئين فى المفاوضات وحتى الانتخابات اذا منحت لهم الحرية الكافية ورفع عنهم التضييق الامنى وعدم التعرض غير القانونى عليهم وتسهيل انسياب حركة الافراد والمؤن والخدمات، ويعتقد قاسم جازما بانه اذا ما خلصت النوايا وتوفرت الامكانيات يمكن توحيد الحركات والتنسيق بين عبدالواحد وخليل، خاصة وان هناك تشجيعا من المجتمع الدولى لاستمرار هذا العمل الذى وصفه ب « الكبير » وباعتبار منبر الدوحة اكتسب الثقة على المحيطين الاقليمى والدولى.
لقاء الدوحة لم يخلُ ايضا من الحديث عن التنافس الاقليمى والدولى فوق العادة حول ملف دارفور وتعدد المبادرات التى اشتكت منها الحكومة والحركات المسلحة معا، هذه الأزمة جسدها ال محمود فى لقاء صحفى له حيث قال نحن نقول دائما «اننا جزء من الاخوان ، ونعمل في اللجنة الوزارية العربية الافريقية ، واذا صار شيء في قطر لن يعود لها فقط ، انما هو انجاز للجميع » ، ويذهب مستشار الرئيس مسؤول ملف دارفور الدكتورغازى صلاح الدين ابعد من ذلك حينما قال فى لقاء مع ابناء دارفور وغرايشن، رتبه مكتبه فى الخرطوم اخيرا، ان الملف خرج من ايدينا رضينا ام ابينا وذلك من خلال البعد الاقليمى المتمثل فى تدخل دول الجوار تشاد ، ليبيا، مصر، ارتريا ، والدولى المتمثل فى حماية المدنيين والقرارات الدولية والمساعدات الانسانية، ويجأر خليل بالشكوى من ذلك قائلا :بعض دول الجوار تحتضن مجموعات من الحركات الدارفورية وأتت بهم الى المفاوضات وتحاول أن تفرضهم على الآخرين للاعتراف بهم على الرغم من عدم وجود عسكري لهم علي الارض ، وهناك عدد من الأفراد «يحملون أسماء حركات دارفورية» نالوا اعترافاً مجانياً من دول ومن مؤسسات «دولية» ويريدون أن يفاوضوا في الدوحة، فيما يرى الدكتور فاروق ان الحل الناجع للقضية يقع على عاتق ابناء دارفور، اما الاطراف الاخرى فتشكل جهدا مساعدا للوصول الى سلام، ولكى يتم ذلك لابد من توحيد صف اهل دارفور ولو على الحد الادنى.
ولتفادى الدور الاقليمى والدولى المتنافر والمتناقض والمتنافس فى الاقليم ، يرى سيسى بان هنالك طريقة واحدة وهى ان تتوفر ارادة سياسية قوية لدى المركز لحل القضية حلا عادلا وشاملا ، وان تتوفر القناعات لدى الفصائل المسلحة من اجل التوحد والتوجه الى الدوحة من اجل التفاوض لحل القضية، فاذا كان الكل يدعي بانه يمتلك ناصية الحقيقة وانه صاحب القدح المعلى في القضية وصاحبها الحادب عليها والذي قاتل وناضل من اجل حقوق ومطالب اهل دارفور المشروعة ، فمن سرق القضية إذن؟
ابوزيد صبى كلو :الصحافة