تحقيقات وتقارير

قادة الاحزاب هل يأخذون القيادة بحقها

إن كان الغرض الاساسي للمسيرة السلمية التي سيرتها قوى ملتقى جوبا هو رفع مذكرة للمجلس الوطني بخصوص القوانين المقيدة للحريات ، وقوانين التحول الديمقراطي الا ان الجماهير التي انطلقت الى شوارع امدرمان قد تجاوزت ذلك المطلب الى مطالب متعددة ويدلل على ذلك الشعارات التي ظلت ترددها الجماهير واللافتات المحمولة « مليون شهيد لعهد جديد « و « وحدة قوية سودانية « و «ياخرطوم ثوري ضد الحكم الديكتاتوري» وربما تشير تلك الشعارات المتجاوزة لشعار القوى السياسية الى الرغبة القوية في التغيير.
احزاب ملتقى جوبا فيما يبدو قد انتبهت اخيرا الى ان الشارع ( هو البحاكم وهو البتولى) أو كما تقول قصيدة اخرى (غضب الشارع هو البحكمنا ) غير ان للشارع فيما يبدو كذلك شروطه اهمها العمل وسط الجماهير ومع الجماهير حتى تجنى ثمار ذلك العمل والذي يتم بشكل يومي وهو الامر الذي يتطلب ايضا ان تتصدره قيادات القوى السياسية ، ولعل ذلك كان يتطلب وجود رؤساء الاحزاب والقوى السياسية في قيادة المسيرة لقيادة جماهيرها دون تبرير عدم قيادتها للجماهير بالاسباب الامنية ، أو أن تعقد مجموعة أو فرد منها اتفاقاً مع الحزب الحاكم مفاده ( نرجو عدم التعرض) وبالتالي الخروج وفق اشارة خضراء أن تخرج وهي تحمل الارواح على الاكف ضاربين مثالاً في التضحية بالسلامة الشخصية دون اتخاذ مواقف تكتيكية معينة لتجنب المخاطر كدأب القيادات اصحاب الافكار والمشاريع كما فعلت وزيرة الوزراء الباكستانية الشهيرة الراحلة بنازير بوتو والتي راحت ضحية العنف في بلادها ، وعلى الرغم من الاصوات الكثيرة التي كانت تطالب بناظير بوتو بعدم الذهاب الى روال بندي ـ حيث اغتيلت ـ الا انها رفضت الالتفات لمثل هذه الاصوات ضاربة المثل في التضحية بالذات والسلامة الشخصية من اجل الاهداف وهو الامر الذي جعلها لاتحفل برسائل وردت اليها من شخصيات من اماكن مختلفة في العالم بعد وصولها الى بلادها من المنفى ترجوها بأخذ الحيطة والحذر ، ومنها رسالة وصلتها من السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء الاسبق ورئيس حزب الامة واحد اركان المعارضة وهي الرسالة التي كشف المهدي عنها في بيان صحفي عقب اغتيال بي ناظير ينصحها فيها باتخاذ تكتيك معين لتجنب المخاطر فى المرحلة الحالية!!!!!!
ويبدو ان رؤساء الاحزاب الكبيرة ومنهم المهدي قد عملوا بمبدأ ايثار السلامة على طريقة رسالة المهدي الى بي ناظير بوتو عندما تخلفوا عن قيادة مسيرة ضد حزب حاكم يتمترس خلف قوانينه التي استعصت حتي على نيفاشا من ان تطالها بالتعديل أو الالغاء أو الاصلاح ، ولئن كان المتطرفون الدينيون وراء الهجوم الانتحاري الذي اودى بحياة بي ناظير بوتو شهيدة افكارها ورؤاها ومواقفها ، فإن للتطرف اليوم في السودان درع وسيف . فهل عملت قيادات الاحزاب بنصيحة الصادق المهدي باتخاذ مواقف تكتيكية معينة لتجنب المخاطر، وهل من المواقف التكتيكية لتجنب المخاطر ان يذهب الصادق المهدي والميرغني الى القصر قبيل الخروج الى الشارع أو كما قال احد الصحافيين « الجماهير تخرج الى الشارع والسيدان يلجان الى القصر الجمهوري» وبالرغم من أن عديدين نفوا ان يكون للقاء الصادق المهدي علاقة بالتظاهر السلمي امام المجلس الوطني الا ان الخبر الذي جاء يحمله الصحفيون ينفي ذلك النفي ليصبح اثباتا ، ويقول الخبر ان المهدي قطع في تصريحات صحافية عقب اجتماعه الى رئيس الجمهورية ، بأن الحشد الذي تنظمه القوى المعارضة اليوم تجمع سلمي صامت وليست مسيرة، يهدف للمطالبة القانونية بتمرير تشريعات متعلقة بالتحول الديمقراطي ولا تعني في مجملها نقل الصراع للشارع، وقال«لا نريد نقل الاحتكام من الشعب الى الشغب».
وأكد المهدي ان حزبه يشكل جزءً من حشد الاحزاب المعارضة الذي سيتجمع امام المجلس الوطني، متعهدا بالتزام كافة العناصر المشاركة بعدم خرق القانون او تخريب او رفع شعارات خارج ما هو متفق عليه، لافتا الى ان الخطوة لا تعني نقل الصراع للشارع، انما هي تعبير صامت عن مطالبها، داعيا لان تكون هناك موافقة من الجهات المسؤولة، وقال ان هذا التصميم ليس فيه اي محاولة من بعيد او قريب لتعزيز الاستقطاب بل تعد فكرة للتنبيه بضرورة اجازة القوانين التي اعتبرها عقبة في سبيل تحقيق التحول الديمقراطي، مؤكدا ان الحشد لن يخرج عن الاطار السلمي».
وقال اذا حدث اي نوع من المواجهات «معناه نقل التفاهم من الاحتكام للشعب الى الشغب وهذا ما لا نريده»، منوها الى حرص القوى السياسية على عدم حدوث اي شيء من شأنه الاخلال بالامن او عرقلة الانتخابات، ويعتقد الكثيرون في اتجاه مختلف ان ما ذهب اليه المهدي في لقائه مع البشير لا يعدو كونه تطمينات يبثها الرجل في خاطر رئيس الحزب الحاكم ، ويرجح فكرة (تجنب المخاطر) حتى لا تتم مواجهة الموكب المحتشد امام المجلس الوطني ، غير ان الذي يريد الخروج الى الشارع كما يقول احد المراقبين لاينتظر اذنا من احد بل يقود جماهيره مباشرة متحصنا بفكرته وقضيته ، وحتى يتم للمهدي ما اراد من لقاء البشير فان الرجل لم ينس ان يشيد بوضع الحريات في البلاد عندما ذكر الصادق بأن : «البلاد تعيش الآن في فترة من التطور السياسي، واشار الى ان المناخ الذي تتمتع به في هذا المنحنى يمثل احتراما للرأي والرأي الآخر ويعد انجازا حقيقيا على الرغم من وجود بعض العيوب في الانتخابات بيد انها قياسا بعيوب اخرى في بلدان اخرى لا تقارن، وقال ان هامش الحرية الذي تحقق فيه خطوة طويلة للامام»
احد اعضاء الهيئة التنفيذية لملتقى جوبا ذكر ان الاتجاه الغالب عدم مشاركة رؤساء الاحزاب (الميرغني ، نقد ، المهدي ، الترابي) وقال ان النقاش الذي سبق المسيرة لم يبت في هذه المسألة ولكنه ترك الباب مواربا عندما اعطى حرية المشاركة امام رؤساء الاحزاب في المسيرة ، وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ»الصحافة» ان بعض رؤساء الاحزاب غير موجودين في الخرطوم ، كما ان المسيرة المقصود بها المجلس الوطني وليس القصر.
باقان أموم ضرب مثلا قويا وهو يخرج لقيادة المسيرة والتظاهر امام المجلس الوطني ويتعرض للضرب والاعتقال.
تحالف ملتقى جوبا يخطط لمسيرة أخرى الأيام القادمة فهل سيخرج رؤساء الأحزاب لقيادة الجماهير.
علاءالدين محمود :الصحافة