الخطر القادم!!
> عاصفة من التصفيق قوبل بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عندما دعي لإلقاء كلمته أمام جلسة النقاش المفتوح في افتتاح الدورة «69» للجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، لكن القلق ساد داخل القاعة عقب كلمة أوباما ووجمت عدة وجوه، لخطورة ما طرحه وهو يعتزم تغيير النظام العالمي، ولو لم تتبعه كل دول العالم مباركة وتسير وراءه، ستفعل بلاده ذلك بنفسها.. وليشرب البقية من البحر الميت!! وهي نفس لهجة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة قبل سنوات، وذات المنهج الذي سار عليه سلفه السابق جورج بوش الابن.
> وفي هذا المحفل الدولي يتحدث رؤساء العالم وقادته عن قضاياهم وهموم بلدانهم ويعبرون عن مواقفها حول القضايا الدولية المطروحة، لكن الرئيس الأمريكي أمس، بدا كشرطي العالم بالفعل، فلم يتطرق لأية أوضاع داخلية تهم الشعب الأمريكي الذي بدأت تصيب خلاياه بعد حادثة ميسوري، جائحة عنصرية وتكتلات عرقية واحتجاجات ثقافية من كتل عديدة تشكل الشعب الأمريكي، ووجد باراك أوباما قضايا الدول الأخرى وأوضاعها هي التي يجب أن يتحدث عنها، فواشنطون تقول للجميع إن حدود اهتماماتها العالم كله وليس رقعتها الجغرافيا، وليست لديها قضايا داخلية تستحق عرضها على بقية دول العالم في حضور الرؤساء ورؤساء الحكومات وقادة الوفود التي وصلت إلى نيويورك، إنما تحشر أنفها المعقوف في شؤون الآخرين وتعبر هي عن هذه الأوضاع وتشخص الأمراض وتحدد الدواء وتكتب وصفته وتصرفه من مخزنها الدوائي!!
> وللأسف قادة العالم المجتمعون في نيويورك، يعلمون أن هذا سوق للكلام، وقاعة مفتوحة لعرض الخطابات والمواقف، دون أن يتواضعوا على حل ما، فكل المطلوب في إطار اللعبة الدولية أن تحضر لتقول ما عندك وتمشي!! فالسياسة الدولية يصنعها الكبار، فهم متوافقون خارج المنظمة على ما يفعلونه، ويفرضون داخلها ما يريدونه، وكل الآخرين مجرد أكلشيهات وورق حائط ملون لتجميل المشهد والصورة.
> ولك أن تتصور عزيزي القارئ، دولاً أعضاءً في المنظمة الدولية مثل سورينيام أو جزر ساوتومي وبرنسيب وغوتومالا وفيجي ونيوزيلندا وترتينداد وإفريقيا الوسطى وسويزلاند وغيرها من البلدان الصغيرة فاقدة الحيلة خاملة الذكر، يمكنها في النظام الدولي المحكم الإطار والأدوار والمهام، أن تتساوى في فرض ما تريد أن تقوله وتعرض ما تريده مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو بقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي!!
> إذا كان النظام العالمي لا بد من تغييره، فإنه بالضرورة تغيير المفاهيم التي تتحكم فيه، فأوباما.. فرض على العالم رؤية بلاده وتعريفاتها للإرهاب، وصارت التعريفات والتوصيفات الأمريكية هي إنجيل محاربة هذه الظاهرة، وهناك غلو وتطرف في النظرة الأمريكية التي تدخل في صميم صراع الحضارات الذي حاول أوباما التبرؤ منه وعدم تبنيه في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، فما تقوم به واشنطون من تطرف في الاتجاه الآخر كرد فعل غير حكيم ولا تبرره مسوغات موضوعية، سيدخل العالم في دوامة جديدة من العنف والدماء، فشعوب العالم الإسلامي مثلاً دفعت أثماناً باهظة في الحرب الأمريكية على الإرهاب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأدت إلى احتلال أفغانستان وخرابها والعراق ودماره.. ولم يتم القضاء على الإرهاب ولا على تنظيم القاعدة المتهم الرئيس في تلك الهجمات رغم قتل مؤسسه وزعيمه أسامة بن لادن، فالحرب على الإرهاب وحصر الإرهاب في الإسلام والمسلمين دون سواهم ولد عنفاً وتطرفاً آخر، وتوالدت وتكاثرت وخرجت من بيويضات تلك الحرب مجموعات وحركات وتيارات أخرى أكثر تشدداً وعنفاً.
> إذا لم يتحدد مفهوم متفق عليه ومقبول حول الإرهاب، فإن الكارثة ستكون أكبر والعواقب أوخم، فعلينا ألا نقبل المفهوم الصادر عن طرف واحد، له منطلقاته السياسية والإستراتيجية وقاعدته الثقافية والفكرية التي ينطلق منها، وهو يعلم أن حربه ما هي إلا هواجس ودوافع صراع الحضارات.
> ولا تستطيع الأمم المتحدة فعل شيء، فما يقال في أروقتها من حديث وتعهدات والتزامات، ليس بالضرورة هو ما يتم خارجها، فالكبار جعلوها معرضاً ومهرجاناً خطابياً بامتياز، ونفخوها كبالون ضخم.. بينما هم يفعلون ما يريدون وفق ما يحلو لهم وما يشتهون.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة