شيطان الطيب مصطفى..!!
الأستاذ الطيب مصطفى كاتب صحفي وسياسي.. نختلف معه كثيراً في ما يكتبه.. خاصة الفترة التي تولى فيها كبر التحريض على فصل جزء عزيز من وطننا السودان الكبير.. لكن في الوجه السياسي ربما يحمد له صراحته ووضوح أهدافه وفكره.. في مقابل ما نراه من ساسة كثيرين يلبسون لكل مناسبة وجهاً مناسباً في زحام سوق النفاق السياسي..
أمس الأول كتب الطيب مصطفى في عموده بالزميلة (الأهرام اليوم) ينتقدني في تعليقي على استفتاء اسكتلندا الذي قرر فيه الشعب الاسكتلندي بكل حصافة- التصويت لصالح استمرار الوحدة مع بريطانيا..
الطيب مصطفى كرر في مقاله الحيثيات التي ظل يرددها عن استحالة التعايش بين شمال السودان وجنوبه.. معللاً بأن حالة جنوب السودان تمثل نوعاً من (التنوع الحاد).. وأطلق عليه (زواج الهرة من الفـأر)..
ولست معنياً هنا بالرد على حيثيات الطيب مصطفى هذه إذ سبق لي الرد عليه كثيراً قبل انفصال الجنوب.. ولكني اليوم أرد على سؤال مهم للغاية طرحه الطيب مصطفى.. (كيف يكون حال السودان اليوم لو انفصل جنوب السودان منذ الاستقلال.. في العام 1956)..؟؟
بعبارة أخرى يقول الطيب مصطفى.. لو انفصل الجنوب قبل خمسين عاماً لكنا اليوم دولة عظمى.. وفرت مواردها للتنمية بدلاً من الحرب الأهلية الطويلة التي نهشت عافية البلاد وأورثتها الفقر والتخلف ولعنة الوحدة.. (وحدة الدماء والدموع!!) كما يطلق عليها الطيب مصطفى..
يا عزيزي الطيب مصطفى.. لو انفصل الجنوب في العام 1956.. لكانت حدود السودان الجنوبية اليوم في مدينة (القطينة)!!.. هذه هي الإجابة.. وإليك الحيثيات..
المحرقة التي تجتاح دارفور منذ أكثر من عشر سنوات.. ثم الحرب الضروس الآن في إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق.. لكانت هذه الأقاليم وربما شرق السودان كلها في خارطة أخرى خارج حدود السودان.. لذات الأسباب التي أخرجت جنوب السودان من خارطة الوطن الكبير..
جنوب السودان لم يكن (مقطورة) ثقيلة الوزن عطلت تنمية السودان.. على حد قول الطيب مصطفى.. بدليل أننا ظللنا (نعتمد) على بترول الجنوب لأكثر من عشر سنوات.. كان الجنوب يغذي خزانتنا بالعُملة الأجنبية.. وعندما انفصل أحسسنا بلسعة الفقر وشظف الحال الاقتصادي.. للدرجة التي توسلنا فيها للجنوب أن يغذي ميزانيتنا بـ(ثلاثة مليارات) دولار حسب ما اتفق عليه البلدان في أديس أبابا في سبتمبر 2012.
لو أحسنا معاملة أهلنا في جنوب السودان.. ولو أحسنا إدارة بلدنا السودان (الكبير) بكل موارده ووزعناها على كل أقاليمه بالعدل والمساواة.. لما انفصل الجنوب ولما احترقت دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق..
المشكلة لم تكن أبداُ في (تنوع حاد).. بل في (تخلف سياسي حاد)!! فنحن شعب واحد.. راجعوا التاريخ أين احتمى الإمام المهدي في بواكير حركته الثورية ضد المستعمر؟؟ وأبناء جنوب السودان الذين سالت دماؤهم في صفوف الجيش السوداني حتى آخر يوم في الحرب الأهلية.. لم تكن أقل من دماء إخوانهم في بقية أقاليم السودان الذين ضحوا معه جنباً إلى جنب..
على كل حال.. لو ساد فكر الطيب مصطفى.. فإن (توتي) نفسها ستطالب بتقرير المصير..
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]