نوم العوافي
كالعادة الحكومة تباغت الشعب السوداني بعطلة تعلن في آخر لحظة لتثبت أن (الأفندية) في مكاتبهم يظنون أن كل الشعب السوداني مثلهم يأكلون من عرق الوظيفة الباردة التي لا ترتبط بالإنتاج.
عطلة تمتد من نهاية يوم غد الخميس حتى يوم الأحد 12 أكتوبر.. أي أن نصف الشهر انقضى في النوم اللذيذ.. لوطن متأخر عن عالمه بقرن كامل.. عطلة بغير أية حيثيات سوى أن العاملين في الدولة يأكلون كسور الأيام قبل العيد وبعده.. فتجاملهم الحكومة بعطلة خالية من كسور الأيام.. وتنسى تماماً أن (الموظفين في الأرض) لا يتجاوز عددهم أقل من 1%.. وبقية الشعب يأكلون من خشاش الأرض.. ويؤذى مصالحهم كثيراً تعطل الدولة لفترة طويلة.. مثلاً أصحاب المهن الحرفية البسيطة- وما أكثرهم.. والطبقة المتوسطة من المهنيين الذين يتأثرون بتعطل دولاب العمل في الدولة.. ما ذنبهم إذا كان كسالى الموظفين في الحكومة يتفننون في مد العطلات.
الحكومة حرّة في موظفيها تعطلهم أسبوعاً أو حتى عاماً كاملاً لكن دون أن تخدش حق المجتمع المنتج الذي تقتل همته بمثل هذه العطلات الطويلة.. في إمكان الحكومة أن تمنح موظفيها عطلة مدفوعة الأجر دون أن تلزم القطاع الخاص بذلك.. فتعلن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن العطلة هي ثلاثة أيام التشريق مثلاً لكل الدولة.. ولموظفى الحكومة تستمر العطلة أسبوعاً آخر.. هذا الوضع يغير تماماً المعادلة يمنح القطاع الخاص القدرة على العمل والإنتاج دون أن يعتد بعطلة الحكومة، ويخفض تكلفة الإنتاج؛ بتقليل ساعات الأجر الإضافي التي تتسبب فيها العطلة الرسمية.
يحيرني كثيراً حديث الحكومة عن زيادة الإنتاج وهي أكبر معطل للإنتاج.. وتعاني الدولة من أزمة اقتصادية حالكة، ويعلم الجميع أن تدهور الإنتاج هو السبب الرئيس فيها، ومع ذلك لا أحد ينتبه إلى أن مثل هذه العطلات الطويلة ترخي الهمة الوطنية، وتحبط خطط الخروج من عنق الزجاجة.. فلا ينفع (برنامج ثلاثي ولا خماسي) ما دام البلاد تحكمها سياسات كسولة.
كيف نروج للاستثمار في بلادنا لنجذب رجال أعمال أجانب من بلاد تدبّ فيها ساعات العمل بلا انقطاع.. ليخاطروا بأموالهم في بلادنا التي ترغمهم على عطلات تعلن فجأة دون أي إحساس بالوقت وقيمة العمل.. إلا إذا كنا نظنّ أن المستثمرين الأجانب بليدون في الحساب، ولا يفرقون بين الربح والخسارة.. كيف يستثمر الأجانب أموالهم في بلد يتعطل فيه قطاع المصارف لنصف شهر كامل دون أدنى اعتبار لما يمثله ذلك من تعطيل لحركة التجارة والاقتصاد.
ثم كيف يخطط رجال الأعمال مشاريعهم وهم لا يعلمون متى تتعطل الدولة وتعمل؟.. مثلاً شركة تستجلب خبيراً أجنبياً بثمن باهظ فيصل البلاد ليكتشف أن الحكومة قد أعلنت عطلة لمدة أسبوعين من الذي يدفع ثمن هذه المفاجأة؟.
لكن(أم المشاكل) أن الساسة غير معنيين بمثل هذه العطلات، فهم يصرحون ويصرحون بلا توقف.. والأجدر كان أن تمنحهم الدولة عطلة لمدة عام كامل.. وأتحداكم أن يفتقدهم أحد.
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]