الصادق الرزيقي

من البنك الدولي

[JUSTIFY]
من البنك الدولي

أتاحت لي فرصة الوجود في الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطون لعام 2014م (ANNULL MEETINGS INTERNATIONAL MONETRY FUND & WORLD BANK GROUP/ 2014 )، معرفة الروابط وتبادلات الأدوار وخدمة الهدف الواحد بين المنظمات والمؤسسات الدولية، فإذا كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في نيويورك، هي مطبخ السياسة الدولية ومركز صناع القرار العالمي، فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما المؤسستان اللتان تصنعان الإقرار الاقتصادي الدولي وتتحكمان في مسار التجارة والاقتصاد العالمي.
وبالرغم من أنهما مؤسستان منفصلتان تتجاوران في موقعيها بقرب بعضهما في شارع بنسلفاينا في العاصمة واشنطون، إلا أنهما يكملان بعضهما، ويصدران عن قوس واحدة ويحققان هدفاً واحداً، فالصندوق الذي تأسس في عام 1944م مع الهزيع الأخير للحرب العالمية الثانية بمبادرة أمريكية بريطانية في مدينة بريتون وودز في ولاية هامبنشير الامريكية، لمراجعة وصون الاقتصاد العالمي من التأثر بنتائج الحرب الوخيمة لإعادة الإعمار وبعث الروح في اقتصادات الدول التي شاركت في الحرب وصياغة نظام اقتصادي عالمي، لم يكن لهذا الصندوق إلا أن يعبر عن نفس الأفكار الرئيسة التي عبرت عنها الأمم المتحدة المكونة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة بعد أشهر من تأسييس الصندوق.
وهنا تكمن أهمية القول بأن الصندوق والبنك الدوليين، يمثلان الذراع الاقتصادية في جسد النظام العالمي الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية، واستطاعت الدول الكبرى والقوى المتحكمة في العالم سياسياً وعسكرياً وتملك القرار الدولي، فرض هيمنتها على النظام الاقتصادي الدولي ووضع أسس وموجهات حركة النقد العالمي والتجارة والنمو الاقتصادي والسياسيات الاقتصادية والنمو التجاري والتحكم في حركة التحويلات المالية وتقييم العملات والقيمة التنافسية لها.
وبغض النظر عن المحاور الثلاثة التي يعمل عليها صندوق النقد الدولي وهي:
1ــ مراقبة الأداء الاقتصادي في البلدان الأعضاء وسياساتها النقدية والاقتصادية وقياس النمو وتطبقيات الموجهات والمؤشرات التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء.
2 ــ تقديم العون والدعم الفني والتدريب للحكومات والبنوك المركزية في البلدان التي تتمتع بالعضوية، ولدى الصندوق خبرة متراكمة في مجالات عمله.
3 ــ الإقراض للدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية واختلالات في موازين مدفوعاتها وتمويل مؤقت لمشروعاتها ودعم خطط الإصلاح الاقتصادي.
بغض النظر عن هذه الأهداف الثلاثة، إلا أن الواقع الفعلي في مسار الاقتصاد العالمي يشير إلى أن الدول الأعضاء وهي «194» دولة تقريباً، تعمل في إطار شبكة معقدة من الإجراءات والنظم التي تجعل الاقتصاد العالمي مربوطاً بالاقتصاد الأمريكي واقتصاديات الدول الكبرى المسيطرة بالفعل على حركة التجارة وتحويلات العملات والتجارة الدولية، ولا ينجرد ذلك من ظلاله السياسية مهما كانت نزاهة ونظافة عمل الصندوق.
فالعالم كله وخاصة بلدان عالمنا الثالث أو الدول النامية والدول غير الأعضاء في مجموعة العشرين (G20) أو الثمانية (G8)، تقع تحت مطرقة السياسات والنظم التي تُدار بواسطة الصندوق والبنك الدوليين، ولا تسمح بالإنفلات من مدارها المحدد، ولذلك فمع وجود بعض الدول المارقة على هذا النظام أو التمردة على أصفاده الحديدية الثقيلة، إلا أنها في ذات الوقت خاضعة له ولا تستطيع الفكاك منه، لأن تشابكات الحركة الاقتصادية والتجارية العالمية وفرص النمو ومعالجة الأوضاع المعقدة، لا تتيح الخروج عن هذا النظام الصمغي اللزج، ومن هنا جاءت مشكلات العالم الثالث والدول النامية التي صدقت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، ما يقدمه صندوق النقد الدولي من وصفات لإحداث النمو الاقتصادي ومعالجة الخلل في موازين المدفوعات، فمن يدخل الدرب اللولبي ودائرة الرمال المتحركة في هذه النظم الدولية لا يستطيع الخروج ليتمكن من الاستفادة من موارده وثرواته حتى يحقق النهضة الشاملة ويتقدم خطوة نحو الإمام.
كل شيء في عالم اليوم يُقاس بميزان دقيق، وتراعي القوى الكبرى المسيطرة على العالم، مصالحها ومواقعها وحظوظها وتفوقها، ولا تسمح بالخروج على نظامها الاقتصادي بسهولة، فكل النقاشات التي تُدار اليوم بين الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، تناولت أنموذج الصين التي صارت الاقتصاد الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي. ومن خلال متابعاتي في الندوات والحلقات الرسمية للنقاشات ومداولات القاعات العديدة هنا داخل مقر صندوق النقد الدولي، تناولت كلها كيفية إعطاء اهتمام أكبر لكبح جماح الاقتصاد الصيني المتنامي بسرعة مخيفة، وتتم المناداة لاهتمام أكثر وتوجيه سياسات اقتصادية وإنشاء توجهات سياسية إستراتيجية لاحتواء منطقة آسيا والباسفيك.
«نواصل».
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة