تحقيقات وتقارير

الخرطوم باريس.. شعرة معاوية في مهب التصعيد

: تمر العلاقات الثنائية السودانية الفرنسية بمنعطف حاد قد يفضي إلى قطع شعرة معاوية التي كانت تجمع بين الطرفين ما لم يتدارك البلدان الموقف ، حزب المؤتمر الوطني الحاكم اتهم باريس بأنها أصبحت مركز التآمر ضد النظام الحاكم في الخرطوم، وقال مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس للشؤون الخارجية و القيادي البارز بالحزب في ندوة نظمها الحزب يوم الجمعة الماضي بمحلية جبل أولياء ، ان باريس تدعم تحالف المعارضة الذي كثف من نشاطه هذه الايام بالتظاهر للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالب يقول التحالف انها ضرورية لتحقيق التحول الديمقراطي.
و على صعيد آخر، لكنه متصل بمسار العلاقات بين الطرفين ، اعلنت وزارة الخارجية المصرية إلغاء استضافتها للقمة الفرنسية ـ الأفريقية التي كان مقررا عقدها في القاهرة في شهر فبرايرالمقبل،بعد ان فشلت في تسوية الخلافات مع باريس حول دعوة الرئيس عمر البشير لحضور القمة، بينما قال وزير الدولة الفرنسي لشؤون التعاون ألان جوانديه أمس ان القمة الافريقية الفرنسية التي كانت مقررة في مصر ستعقد في فرنسا في مايو على الارجح لتجنب حضور البشير.
وقالت مصادر مطلعة في تصريحات نشرتها « الصحافة» أمس، ان قيادات نافذة في الحكومة يدرسون الموقف الفرنسي بعد ما تلقوا معلومات عن دعم باريس لتحالف المعارضة وممارستها ضغوطا على مصر لعدم دعوة البشير الى القمة الفرانكفونية ، حملت مصر الى الاعتذار عن استضافتها بعد ما تمسكت بموقفها بدعوة البشير،ولم تستبعد تلك المصادر ان يصل رد الحكومة التي تبدو غاضبة من حكومة ساركوزي الى طرد السفير الفرنسي، لكن المراقبين يشكون في أن تقدم الخرطوم على خطوة طرد السفير غير المسبوقة في علاقات الطرفين بالنظر إلى فاعلية الدور الفرنسي كلاعب دولي مهم في الاقليم.
والأزمة بين البلدين ليست وليدة اليوم بل بدأت بعيد استيلاء الانقاذ على السلطة حيث دخلت العلاقات التي وصلت قمة ازدهارها في عهد الرئيس نميري في نفق التدهور كما كان الحال مع كل دول الغرب التي لم ترحب بوصول حكومة اسلامية إلى سدة الحكم في السودان، و لم يقتصر الأمر على ذلك بل ساهمت فرنسا بقسط وافر في تدهور العلاقات مع الكثير من الدول الفرانكفونية، لكن في الاعوام 1994م و1995م و1996م بدا وكأن علاقات البلدين تسير في الاتجاه الصحيح بعد إلقاء القبض على ايليتش راميريز سانشيز المعروف بـ«كارلوس».- في السودان وترحيله إلى فرنسا في عملية تمت بتعاون وتنسيق كامل بين الأجهزة الامنية بين البلدين، تقول تقارير ان باريس قدمت سرا دعما متنوعا للخرطوم لقاء العملية التي اعتبرت انتصارا كبيرا لمخابراتها غير أن العلاقات بين الخرطوم وباريس كان يكتنفها الكثير من الغموض وتركز على التعاون الأمني بعيدة عن الأضواء ربما لاعتبارات تتعلق بفرنسا ووضعها المحوري في الاتحاد الأوربي وعلاقاتها مع عدد من القوى الإقليمية مثل مصر والمملكة العربية السعودية التي لم تكن راضية وقتها عن النظام في السودان، وفوق هذا وذاك لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارسة الضغوط على باريس للحد من علاقاتها مع السودان. وقد قاومت الدبلوماسية الفرنسية محاولات فرض العقوبات على السودان أو إدانته في الهيئات الدولية لكنها كانت على الدوام تنتهي بالتصويت لصالح تلك العقوبات أو القرارات تحت ضغط لندن وواشنطن.
لكن منذ أن وطـأت أقدام ساركوزي قصر الإليزيه رئيسا للجمهورية حدث تحول كبير في السياسة الخارجية الفرنسية التي كانت تتسم بالاستقلالية حيال منطقة الشرق الاوسط على الاقل لتصبح مسايرة للمحور الأميركي البريطاني، و يبدو أن الخرطوم كانت مشمولة بهذا التحول فقد أتخذت باريس مواقف أكثر تشددا من المحافظين الجدد تجاه الحكومة السودانية، و لعل أبرز تلك المواقف صياغتها وتقديمها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593/2005م الخاص بإحالة المشتبه فيهم بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في سابقة هي الأولى من نوعها منذ إقرار تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في 17/7 / 1998م.
وأبدت فرنسا مرارا تأييدها للمحكمة الدولية بل وذهبت بعيدا عندما أعلنت تأييدها القيام بعمل عسكري لاعتراض طائرة الرئيس البشير أثناء توجهه إلى الدوحة للمشاركه في قمة القمة العربية في وقت سابق من العام الجاري ورغم أن دبلوماسيين فرنسيين نفوا هذه التصريحات إلا أنها تتسق مع مواقف باريس المتشددة تجاه الخرطوم التي دفع تراكمها الحكومة السودانية إلى تصنيف فرنسا في خانة الأعداء لكن مع جهد متصل لاصلاح حال العلاقات لكنه جهد يبدو أنه لا يلبي سقف المطالب والشروط التي تضعها فرنسا والمتمثلة حسب السفير حيدر حسن صديق في الاسراع في تحقيق السلام في دارفور مع الاعتراف بأن استراتيجية الحكومة السودانية قد فشلت في التعامل مع الأزمة.
و التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية سواء كان ذلك مباشرة أو بصورة غير مباشرة و تقديم الضمانات في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتشاد و السماح للقوات الأممية في دارفور للقيام بمهامها.
و تهتم فرنسا بدارفور بشكل خاص لمجاورة الاقليم مسرح الأزمة لمناطق نفوذها التقليدية في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى اللتين تأثرتا فعليا بالاضطرابات في دارفور، و تنظر باريس إلى نوايا الخرطوم تجاه الدولتين بالكثير من الشكوك وتخشى أن تهدد الخرطوم في اطار صراعها مع المتمردين حكومتي انجمينا وبانغي.
وبالمقابل فإن الحكومة السودانية في جرابها مطالب تضعها كلما سنحت لقاءات مع الطرف الفرنسي الذي بدوره أكد في مناسبات كثيرة حرصه على علاقات شراكة مع الخرطوم التي يمكن تلخيص مطالبها في دعم فرنسي لعملية السلام و الضغط على الحركات المسلحة خاصة عبد الواحد الذي تستضيفه باريس ومساندة موقفها في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية.
و واضح أن البلدين لم يتجاوزا بعد مربع انعدام الثقة ناهيك عن المسببات التي أوصلت علاقتهما إلى الدرجة التي يهدد فيها طرف بطرد سفير الآخر كما أن المواقف تبدو متباعدة و متشعبة ففرنسا التي لعبت دورا كبيرا في استصدار قرارات الامم المتحدة المتتابعة ضد الخرطوم لا يمكنها أن تغامر بمصداقيتها وتغير من موقفها للنقيض لتساند الخرطوم التي تعتبر التعامل مع الجنائية مسألة تتعلق بسيادة وكرامة البلاد لايمكن القبول به حتى لو تطلب الامر مواجهة المجتمع الدولي، فضلا عن أنها كما أعلنت مرارا لن تقف مكتوفة الايدي حيال ما تعتبره دعما تشاديا للحركات المسلحة.
هكذا يبدو مسار العلاقات الثنائية بين الدولتين يعترضه الكثير من العوائق المتشعبة غير أنها بشكل أو بآخر تتصل بدارفور و محيطها في المقام وبطبيعة الحال فإن معالجتها يجب أن تبدأ بمخاطبة الأزمة في الاقليم.

قذافي عبدالمطلب :الصحافة