تحقيقات وتقارير

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ..!

تابعت باهتمام شديد نتيجة انتخابات منصب والي شمال كردفان وكنت أمنى نفسي أن تخرج هذه الانتخابات بنتائج مرضية للجميع وتعبر عن أصدق وأنبل معاني الممارسة الشوربة والديمقراطية التي تفضي إلى تحول ديمقراطي في السودان ، ولكن لفت انتباهي تكالب قيادات المؤتمر الوطني على منصب الوالي من قبل أبناء الولاية الواحدة حيث بلغ عددهم أكثر من (17) مرشحاً ثم تقلص إلى (9 ) مرشحين لكل أهدافه وأجندته وأنصاره وأسلوبه الخاص لكسب الجولة . وقد جاءت النتيجة لصالح الدكتور فيصل حسن إبراهيم بفارق كبير من منافسيه والجدول أدناه يوضح نتائج الانتخابات في مجلس الشورى والمؤتمر العام.

الناظر إلى الجدول المرفق يرى بوضوح تام أن هنالك زيادة كبيرة في مجمل الأصوات التي أحرزها المرشحون سواء كان في انتخابات مجلس الشورى أو انتخابات المؤتمر العام فإن جملة الحضور في مجلس الشورى كانت ( 397 ) عضواً أما جملة الأصوات التي أحرزها المرشحون الـ ( 9) بلغت (459) صوتاً بزيادة (62)صوتاً عدد الحضور أما انتخابات المؤتمر العام فقد كان الحضور ( 1392) والأصوات التي أحرزها المرشحون الـ ( 7) بلغت (1620) صوتاً بزيادة ( 228) صوتاً عن الحضور.

السؤال الذي يطرح نفسه من أين جاءت هذه الزيادة وكيف تم كل ذلك في وجود اللجنة الفنية التي ترأسها نقيب المحاميين في السودان الأستاذ/ المحامي الكبير فتحي خليل وسانده( المهندس ) حامد صديق أمين الاتصال بالحركة الإسلامية وجمال وآخرون.

أرجو أن تكون المنصة أخطأت في إعلان عدد الحضور ونتائج المرشحين معاً حتى لا يتبادر لذهن القارئ عدم نزاهة هذه الانتخابات خاصة وأن الذين خاضوا غمار هذه المعمعة جميعهم من (البدريين ) في المؤتمر الوطني والقابضين على جمر القضية الوطنية فإذا كان هذا اللبس وهذه الغتامة تحدث في معركة انتخابية من طرف واحد فكيف يكون الحال عندما يكون المنافس من حزب آخر؟.

أرجو من نقيب المحامين ورئيس اللجنة الفنية د. خليل والجهات ذات الصلة أن يوضح لنا أبعاد ما حدث وان تصحح هذا الخطأ لأن الهمس أصبح جهراً وان صحت هذه المخاوف يكون لزاماً على المؤتمر الوطني أن يلغي نتيجة هذه الانتخابات ويعيدها للمرة الثانية.

في تقديري أن من أكبر الأخطاء أن تتم مثل هذه الانتخابات في ( صيوان) مفتوح من كل الجوانب يصعب التحكم فيه وما أكثر القاعات المغلقة في حاضرة شمال كردفان ومن البديهي جداً أن تحوم الشكوك حول هذه النتيجة لأن البطاقة يمكن أن تتداول بين أكثر من شخص طالماً أنها لم تجمع من الذين أدلوا بأصواتهم المكان مفتوح والحضور يربو على الألف عضو .

من جهه أخرى أني لا أرى أي مبرر لتعدد هؤلاء المرشحين ولا داعي لكل هذا الصراع بين أبناء المنطقة الواحدة وكان لزاماً على القيادة العليا للحزب أن تحسم الأمر وتحدد مرشحها في الانتخابات وفقاً لمرجعيتها ولوائحها التنظيمية بدلاً من هذا الزخم الذي يفضى للشقاق والتناحر بين أبناء المنطقة الواحدة بل قل أعضاء الحزب الواحد. والدليل على ذلك تجربة أبناء المحليات الغربية التي جاءت مخيبة للآمال ومثبطة للهمم ، كيف يعقل أن إنساناً يرشح نفسه لمنصب الوالي ويخرج خالي الوفاض دون أن يحرز صوتاً واحداً حتى الذي ثناه ورئيس لجنه الانتخابية يدليان بصوتيهما لمرشح آخر لتكون النتيجة صفر. وأعني ما حدث للفريق طه دفع الله الزين والعميد آدم حمد رضينا أم أبينا فإنهما يمثلان منطقتنا الغربية وهما أميز الكوادر التي يمكن للمنطقة أن (تهز) بهما على المستوى القومي والولائي ولكنهما قد احترقا كأعواد الصندل دون أن يفوح منهما عطر أو يرى لهما دخان. والسؤال الذي يطرح نفسه من الذي كان يقف خلف هذه التمثلية هزيلة الأدوار والفصول ولما ذا الأستاذ/ سالم الصافي ترشيح الفريق طه الزين دون ان ينصحه أو حتى يدلي له بصوته . وأين ذهب صوت مهدي حمدان الذي رشح العميد آدم حمد وكيف وافق العميد على ذلك وهو يعلم أن مهدي هو رئيس لجنة الأستاذ/ معتصم ميرغني الانتخابية. وهل كان القصد من ترشيح ( العميد) هو شق وحدة كتلة الأستاذ/ أبو كلابيش إذا كانت الإجابة نعم فهذه مصيبة وإذا كانت الإجابة لا فالمصيبة أدهى وأمر.

أما ترشيح الأستاذ/ حميدة محمد إسماعيل لهذا المنصب فقد أكتنفه الكثير من الغموض والضبابية كيف لا وأن أعضاء محلية النهود الـ ( 28) قد تواثقوا وتعاهدوا على مساندة حميدة هذا بالإضافة ل( 10) أعضاء من الأضية والمجرور و (20) عضواً من أبي زبد و(5) من الخوي و(13) من ود بنده هذا بالإضافة للمحليات الأخرى وأعضاء لجنته الانتخابية والذين دفعوا به في هذه المعمعة ورشحوه لمنصب الوالي يربو عددهم عن الـ (150) عضواً وخاض ( حميدة ) غمار المعركة بروح معنوية عالية لأن كتلة المحليات الغربية في الشورى والمؤتمر العام تساوى ثلث العضوية ولكن جاءت الفاجعة والطامة الكبرى عندما أعلنت المنصة أن حميدة أحرز (17) صوتاً فقط . يا تري أين ذهبت هذه الأصوات ولماذا كل ذلك ولمصلحة من يتم كل ذلك وهل هذه هي الطريقة المثلى للنهوض بهذه الولاية سياسياً وتنموياً لعمرى هذا لا يحدث إلا في العهود الغابرة من المؤسف جداً أن يعمل هؤلاء ( بالتقية) والمدارة في ظل دولة تتطلع إلى ممارسة الديمقراطية وشورية صادقة وشفيفة.

أقول هذا وقلبي يتقطع حسرةً وندماً على حالنا السياسي في ولايتنا المكلومة التي ظلت تتنفس كذباً ورياءً بل ظل أبناءها (كالحوت ) يأكل بعضهما بعضاً بل هم كغثاء السيل تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، يكاد بريق السلطة يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم أقبل بعضهم على بعض يتلاومون . وشعبنا المطحون يئن تحت وطأة الفقر والمسغبة ، إلى متى يظل هذا الحال إلى متى.
المصدر : آخر لحظة